صفحات العالمما يحدث في لبنانمحمد الحاج صالح

في حسابات القوة

محمد الحاج صالح *
القويّ قادر على الابتزاز، بل هو قادر على تغليف ابتزازه بحيث يبدو كما لو كان مِنّة أو فضلاً أو هدية. من يقرأ ما قالته «أوساطُ» حزب الله عن أحداث برج أبي حيدر، سيجد أن تلك الأوساط تجيد تغليف «الهدايا» بورق الوطنية والمقاومة. لا بلْ، وزيادةً في الابتزاز والنكاية، فإنها لا تعدم أن تغلّف «التجاوز» بشرائط تزيينية، ما على رئيس الحكومة اللبنانية إلا قبولها أو أنه يرى ما رأتْ بيروتُ في 7 أيار (مايو) 2008.
وإلا ما تفسير قول تلك الأوساط «طفح الكيلُ، ولم يعد بالإمكان السكوت على الحملة المنظّمة التي ترمي إلى إثارة الفتنة واستهداف سلاح المقاومة»؟ السلاح المعنيّ هنا؛ هو السلاح الذي انتشر حمَلَتُه في دقائق وأطلقوا آلاف الرصاصات، إضافة إلى 90 قذيفة وحرق مسجد. أين؟ ليس على الحدود وإنما في بيروت. إن لم يكن مثل هذا الانتشار تهديداً وابتزازاً، فما يكون، علماً أن الأوساط ذاتها وصفت الحادث بـ «الموضعي». فإذا كان هذا حدثاً موضعياً يستلزم الرد العنيف والاستعراض المباهي بالقوة، فما يكون يا ترى؟ ولمزيد من الوضوح وكي لا يتوهم أيّ كان في لبنان، يأتي تهديدُ تلك الأوساط وابتزازها جلياً لأن حزب الله «قرر أن يشنّ هجوماً مضاداً على رئيس الحكومة سعد الحريري. هذا الهجوم لن يكون ارتجالياً، وستكون له تتمة خلال الايام القليلة المقبلة، إذا لم يبادر رئيس الحكومة الى تصويب مواقفه». إذا لم يكن هذا ابتزازاً، فما يكون؟ إمّا وإما. إمّا أن تقبلوا انتشارنا وفق مزاجنا أنّى كان ومتى كان، وإما أن نأكل ما في القصعة ونفعل فيها، وعليكم ألا تعترضوا.
لم يقل الرئيس الحريري ولا رئيس الجمهورية من قبله سوى أقل ما يمكن أن يقال في مثل هذا المقام. فقد شدد الحريري على «أن القانون فوق الجميع وأن الدولة هي المسؤولة، دون سواها، عن إدارة الشأن العام»، رافضاً أي شكل من أشكال العبث بأمن البلد وسلامة المواطنين، ومن أي جهة أتى. كلامٌ مسؤول لا يصدر إلا عن رجل دولة. فما كان ردّ حزب الله؟ «الرئيس الحريري لم يتصرف مع إشكال برج ابي حيدر وتداعياته كرجل دولة وكرئيس للحكومة، بل كرئيس لتيار المستقبل وكزعيم لفئة من اللبنانيين». المنطق ذاته والتهديد إياه. إما أن يوافقنا الحريري في ما نفعل أو نتهمه بأنه ليس رجل دولة وإنما رئيس حزب وزعيم طائفة. سبحان الله، أيسكت رجل الدولة عن انتشار مسلح في قلب العاصمة، وهو ليس انتشاراً لبضعة أفراد وإنما بالعشرات، وتم بطريقة منسّقة تنم عن تحضيرات مسبقة؟ ثمّ إن الأوساط ذاتها وصفت الحدث بأنه موضعيّ استهانة وتهويناً. فإذا كان الحدث الموضعي استدعى كل رد الفعل هذا وذاك الانتشار، فما يكون رد الفعل إذا حدث ما هو أكبر؟ ما بين السطور يقول إنه سيجري ما جرى في 7 أيار 2008.
قالها سياسيون ومحللون كثر بأن حزب الله لا يستطيع أن يحمل بطيختين بيد واحدة. «شرف» المقاومة و «ابتزاز» الدولة والمجتمع. لقد جمّع حزب الله رصيداً كبيراً من تصديه للإسرائيليين، وهو الآن يأكل من رصيده منذ أن استدار إلى الداخل اللبناني بعيداً من الحدود. يريد قادته توظيف هذا الرصيد وجني الفوائد التي حدّدوها هم أنفسهم. فوائد أعلى من أن تتحملها الأطراف الأخرى. لأنها ببساطة تأكل رساميلهم، بل تتناول أسس العيش.
كلّما رفع قادة الحزب و «أوساطه» أصواتهم بالهتاف لسلاح المقاومة، تبين أن الثمن المطلوب دفعه هنا في العاصمة وليس على الحدود. ولذلك هم يخيّرون الحريري بين السكوت وبين 7 أيار جديد، والمثال ماثل: ففي ظرف دقائق انتشر المسلحون واستطاعوا أن يرسلوا الرسالة بآلاف الطلقات وعشرات القذائف ودخان مسجد. ثم يقولون إن هناك من يريد إشعال فتنة ويستهدف سلاح المقاومة.

* كاتب سوري.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى