صفحات سورية

الدبلوماسية السورية على ضوء المتغيرات الاخيرة في العراق

null
د. محمد عجلاني
تتميز الدبلوماسية السورية بالهدوء ورباطة الجأش، والانحناء للعاصفة عندما تكون قوية، ثم تلملم اوراقها بعد هدوء العاصفة لتنفيذ الاهداف التي تسعى اليها.
ولا تسعى ابدا الى الدخول الى المناطق الساخنة، حتى لا تحرق اياديها، ولا تدخل الى هذه المناطق الا بعد ان تخف وطأة النيران لتقوم بدور رجل الاطفاء. الرجل المسالم الذي ينال رضى وموافقة لجميع.
وهي لا تكشف اوراقها بسهولة، ولا تلقي بآخر ورقة لها الا بعد ان تستنزف الخصم وتعرف الى اي مدى تستطيع الحصول منه على تنازلات. تعالج الامور بهدوء ورباطة جأش، شعارها الصبر حتى يحين الوقت المناسب ولو استعرضنا الساحة العراقية لوجدنا انها لم تكن ابدا لاعبا رئيسيا عليها، بسبب عدم وجود تداخلات مذهبية لها كما هي عليه الحال بالنسبة لايران، او عرقية وقومية كما هي الحال بالنسبة لتركيا، بقيت سورية على مقعد الاحتياط داخل الملعب العراقي، منتظرة الفرصة المناسبة حتى يتعب الجميع ويصبح لاعب الاحتياط ضرورة لا مفر منه. امريكا المنسحبة من العراق بعد ان فشلت في مهمتها ستترك فراغا على الساحة العراقية بكل معنى الكلمة، لانها هدمت بالمعول المؤسسات الرئيسية في العراق، الجيش والاجهزة الامنية.
من سيملأ الفراغ، ايران وهي منحازة الى قسم ضد قسم آخر وكيف يمكن لها ان تكون حكما بين الاطراف العراقية اذا كانت هي الحكم والحاكم!
أما تركيا التي ستناصر اطرافا معينة ضد أطراف أخرى، وستمنع امتدادات بعض الاطراف الى حدودها’، إذا هي ايضا غير مؤهلة للقيام بدور الحكم بين اطراف عراقية يجمعها التناقض في الاهداف والمبادئ.
حتى السعودية بكل اموالها لم تلعب اللعبة الذكية، بل انحازت الى طرف معين ضد اطراف اخرى على الساحة العراقية. بقيت اذن دمشق، وهي الاكثر تأهيلا للعب ورقة المصالحة في العراق، فهي لعبت مع الجميع وفي ساحة الجميع، لم تعاد احدا، ولم تناصر احدا أو فئة معينة ضد فئة اخرى.
لم ترفض استقبال اي شخص عراقي مهما كان موقعه او انتماءاته، لقد استقبلت الطالباني والمالكي والسيستاني وعلاوي ومقتدى الصدر وحتى حارث الضاري والبرزاني. اذن هي نقطة مفصلية بين كل هذه المحاور، دمشق تحملت هجمات أمريكا وتحرشاتها ولكن بهدوء وبصبر استعادت المبادرة، فامريكا هي التي تنسحب من العراق، ودمشق بقيت صامدة.
التسونامي الامريكي رحل ليحل محله ربيع وهدوء العاصمة السورية.
سورية لم تعاد لا السنة ولا الشيعة ولا الاكراد في العراق هي على مسافة واحدة من جميع هذه الاطراف العراقية، وهي المؤهلة لان تلعب دور الحكم والمصلح بين هذه الاطراف. نظامها الاقرب الى العلمانية ربما يكون الحل الناجح لمأساة الاقتتال العراقي. وتوجهاتها القومية المعتدلة ربما تكون فيها بعض الحلول للمشكلة العراقية. عدم تورطها في ساحة الخلافات الداخلية العراقية العراقية وعدم شعور الاخرين بان لها مطامع او هيمنة على العراق يعطيها ‘كرت’ اضافيا للدخول الى الملعب العراقي بحكم وصفارة.
بالاضافة الى ان دمشق اللاعب الاحتياطي في العراق على وفاق ووئام تام مع اللاعبين الرئيسيين، ايران وتركيا مما سيسهل لها مهمتها ايضا.
بالطبع من له مصلحة في تأزيم الاوضاع وتفجيرها سيعيق دخول سورية الى هذه الساحة، لكن دمشق تدرك تماما كيف ستتخلص من الاطراف غير المرئية التي لها مصلحة في تفجير الاوضاع بالعراق.
اسرائيل تلعب ورقة الطائفية والتعصيب الديني، وسورية تلعب ورقة العلمانية والقومية، فمن سيفوز؟ لن يصح الا الصحيح، ولن تستوي الامور الا بالشكل الصحيح، والمسألة مسألة وقت.

‘ استاذ في الاكاديمية الدولية للعلاقات العامة بدمشق
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى