صفحات العالم

“العرب السُوبرانيون” وُجِدُوا لِيَبَقوا

سعد محيو
حركات المعارضة الاجتماعية  السُوبرانية العربية التي أشرنا إليها بالأمس، لا تزال جنينية وبالتالي قابلة للارتكاس . هذا ما حدث، على سبيل المثال، مع حركة “كفاية” في مصر التي سرعان ما أصابها الوهن بعد أن فشلت في العنوان الرئيسي الذي طرحته، ثم بعد أن نجحت الأجهزة الأمنية في اختراقها وتفريق صفوفها .
الأمر نفسه تكرر في لبنان، حيث شهدت حركات المجتمع المدني (من مقاومة التطبيع إلى مكافحة الطائفية) صعوداً ملموساً في بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل أن تختفي في خواتيمه .
وفي الكويت، وبعد نجاح الحركات الشبابية في فرض تقليص الدوائر الانتخابية إلى خمس، ساد الاعتقاد بأن هذه الحركات ستقود الحياة السياسية نحو تطويرات ديمقراطية جديدة . لكن هذا لم يحدث، بل تبعثرت المجموعات الطلابية بالسرعة نفسها التي تجمّعت بها .
بيد أن الارتكاس لا يعني الزوال . فهذه الحركات وُجدت لتبقى ما بقيت ثورة المعلوماتية . كل ما في الأمر أنها في حاجة إلى مرحلة من الاختمار والتبلور والتفاعل، مرفقة مع تجارب ناجحة قادرة على تحويلها في نظر الجمهور الشعبي العريض من مجرد ظواهر نخبوية عابرة، كما هي معظمها الآن، إلى موجة عملاقة قادرة على التغيير كما التأثير .
هذه نقطة .
وثمة نقطة أخرى لا تقل أهمية: الحركات الاجتماعية  السوبرانية ستكون قادرة على تحقيق إنجازات محلية، بالتحديد لأنها تيارات محلية . هذا في حين أن الحركات القومية العربية الجديدة والإسلامية التي تنبت كالفطر الآن في الفضاء السوبراني، لا تزال تعاني من أمرين اثنين:
الأول أنها لا تزال تستخدم الشاي القديم (الإيديولوجيا القومية القديمة) في أباريق جديدة (الانترنت) . وهذا ما يجعلها عاجزة عن استقطاب قطاعات واسعة من الجيل الجديد . والثاني، أنها لم تتمكّن حتى الآن من القيام بأي تحرّك عملي على الأرض، على غرار ما فعلت وتفعل حركات الاحتجاج “الخضراء” في إيران .
هذا التعثر يشمل حتى حركات الإسلام السياسي التي، ورغم كونها هذه الأيام قوى المُعارضة الرئيسة في المنطقة العربية، لم تستطع بعد التأقلم مع “العرب الجدد” . لا بل هي تحاول على العكس من ذلك كبح جماح وتقييد شبابها “السوبرانيين” الذين ينشطون على الإنترنت .
أجل، حركات الاحتجاج الشبابية لا يزال أمامها شوط بعيد قبل أن تنتقل من التأثير في الحياة السياسية إلى البدء في تغييرها . لكن الولادة تمّت، وبدأت الآن، كما ألمعنا، مرحلة النمو والنضج والاختمار . وهي مرحلة في حاجة إلى “طول بال” من جهة، وإلى تدقيق في طبيعة موازين القوى المقبلة بين الأنظمة وبين هذه الحركات، من جهة أخرى .
ثم (وهنا الأهم)، ثمة ضرورة قصوى لدراسة واستقصاء وقياس مدى تأثير هذه الحركات في الحياة السياسية العربية عامة، وعلى الأحزاب والمنظمات الكلاسيكية على وجه الخصوص .
فإذا ما تبيّن أن الأنظمة كما الأحزاب الرسمية والمعارضة على حد سواء، بدأت تحسب حساباً لهذه الحركات وتضعها في إطار لعبة موازين القوى، فسيكون في وسعنا القول حينذاك إن “السوبرانيين” العرب انتقلوا بالفعل من التأثير إلى التغيير .
* * *
“العرب الجدد”: أهلاً .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى