صفحات ثقافية

رسالة بغدادية في الغربة والاشتياق: كيف يمكننا أن نقول نَجَونا؟

null
فاروق يوسف
ماسوني على حجر
“وهكذا اتسعت حدود الاسطورة”، قلت لنفسي. المرأة التي فتنتني كان لها عشّاق كثيرون. أعداء وأصدقاء تجمعهم خديعة واحدة. لم أكن إلا واحدا من جمعٍ إذاً. القطيع الذي ظننتُ أني نجوتُ منه كان في انتظاري مرةً أخرى. هذه المرة في صحن الدار، في النافورة بين الأزهار، في النقطة التي ينبثق منها الوقت وفي تشظّي النظر. هي ذي شمس الضحى. أزحف بالكرسي قليلاً إلى الوراء وأحمل كأسك معك. لا يزال الظلّ ممكناً. هناك هواء بارد. وهناك كلمات لا يزال في إمكانها ان تنعش. ساقان للأنوثة تعبران البئر. الأنوثة ترتجل شعراً ناعماً. يقفز الغزال من العين. القدم تتخيّل. قدم الأنثى تضرب الآجر فينفجر الينبوع. أثر من حجر الحمّام يشقّ الهواء ببريقه. تحلّق بي الرطوبة. أتذكر أني جلستُ مع فتاة تشبهها على حجر قرب المكتبة في أكاديمة الفنون الجميلة ببغداد. كان الوقت ضحى. قرأت قصيدة كتبتها بحبر أخضر على ورقة سمراء. كانت الفتاة يسارية النزعة وكنت لا أخفي رغبتي في أن أكون عبثياً. لم تكن القصيدة إلا ذريعة للنظر إلى كعب الغزال بسبب ساقَي الفتاة. حين مرّ صالح القره غلي قريباً منا، محا كل أثر لكعب الغزال وقال لي: “يؤسفني أن أقول لك انك ماسوني وإن كنت لا تدري”. ارتبكت الفتاة اليسارية واعتذرت لأنها كانت مضطرة للذهاب إلى البيت. ولم أرها بعد ذلك. يومها كرهتُ القره غلي لأنه جفّف نهاري من الغيوم. أحببته في ما بعد لأنه أنقذني من التصحّر وحرّرني من كلام فائض. توجد لقطة واحدة. يسقط أثرها الفتى صريعاً. توجد لقطات. لا يظهر فيها أثر للفتى. حين ذهبتُ إلى طنجة اكتشفتُ أن هناك حلوى تحمل اسم “كعب الغزال”. هل فكّر مخترعها بأقدام النساء؟ كنا ننظر من وراء الزجاج إلى ذلك الشاب بحسد. يُنزع المرأة حذاءها ويُنعِلها حذاءً جديداً بعد أن يتحسس قدمها. “باطن قدمها لك ولنا النغم الذي ينبعث من خيال تلك القدم”، كنا ننغّم أقوالنا كما لو أننا ننشد للوطن الذي سنفقده في ما بعد.
مكعّب من الأنوثة
هل كنت هناك لتراني؟ هل انكسرتُ لتجمعني؟ حملتُ خريطة بغداد وفرشتُها على الرمل. قررتُ أن يكون لي بيت في الرصافة. تقول لي: “معاذ الالوسي ينفعك في تصميم البيت”، وأنا افكّر في زها حديد. كان نصب الشهيد قريباً من ذلك الحي الذي قررت أن يكون زاويتي في الجنّة. كنت أفكر في يوسف عمر أكثر. لأن زها بعيدة، ومعاذ هو الآخر كان قد ذهب إلى قبرص. حين رأيته آخر مرة كان قد بلغ السبعين، غير أنه لا يزال آسرا بالنسبة الى الفتاة اليسارية التي تركتني جالسا على حجر وأنا أحلم بكعب الغزال. بسبب معاذ، انبعثت ثقة ذكورية فاتنة في أعماقي فصرتُ أقوى على مواجهة المرآة والخروج إلى الشارع في انتظار لقاء فتاة ما. يعجبني ذلك النسيان. مَن ينسى مَن؟ سألته عن بيته وقد كان قلعة حداثة. فقال: “سأبيعه”. بنى معاذ بيته بنفسه على شاطئ دجلة في حيّ الكريعات. لم يكن بيتاً كالبيوت الأخرى بل اتّبع معاذ في تشييده مزيجاً من الفكر المعماري البغدادي ومن تقاليد البناء في القرون الأوروبية الوسطى. شيء كالمثال المنزّه الذي ينبعث وسط الفوضى. الأنا التي لا تنظر إلى ألم الآخرين بشفقة وتنسى ألمها. كان بيت معاذ مكعّباً مفتوحاً من الداخل على ثلاث طبقات، وما من غرف. “تبيعه إذاً”، فكرتُ في قسوة الخيار الاضطراري. تذكرتُ الفتاة العذبة. كانت هناك أنوثة لا تقاوم. أنوثة مطلقة يمكنها أن تمحو كل خطوة سبقتها. فكرتُ في بيتي المشبع أنوثة. شهوات ممطرة تنبعث من خزانات المطبخ، من رفوف الكتب، من تمثال عامر خليل، من الصحون الصينية، من ألبومات الصور، من الستائر الشفّافة، من نباتات الظل، من الارائك الخضراء، من صناديق اللقى الصغيرة ومن حقائب السفر. أنتَ الذي هو أنا، كيف يمكنكَ أن لا تكونني لتذهب بدلاً مني إلى هناك؟ كنتَ تراقبني خلسة. تمدّ يدك إلى سلّة البرتقال لتضع برتقالة في يدي. قبل أن أصل إلى البيت كنا قد قسمنا البرتقالة نصفين: نصفاً يلهمه الهواء جناحين فيطير، ونصفاً يلهم لساني أغنية شائعة عن فتاة وقعت في حب بستاني بسبب شغفها بالبرتقال القادم من بعقوبة. بعد سنوات، وقفتُ محاطا بالهنود في مشهد اسطوري تخيّلتُ فيه أن شارع الكهرباء بالدوحة سينتهي بحدائق تاج محل. هكذا زاد علمي درجة فيما ارتقى عذابي سلالم المنجّمين. كانت قدمها من الخلف تجذب الفراشات بترف عطرها.
مواء قطتها
الفتاة التي شغفتُ بها وقد أخرجتني من الجنّة، لم تكن هي ذاتها دائما. قادتني ذات مرة إلى بيتها فاكتشفت أنني أتنقل بين غرف بيتي ولم تكن تلك الفتاة إلا زوجتي. في واحدة من صورها، وضعت في باطن يدي خاتماً وأغلقت يدي. “سيحرسك”، قالت الفتاة وضربت بقدمها الأرض، فارتفعت عاصفة من الجنّيات الصغيرات. “ألا تكفّين عن الغياب؟”، حيلتها التي تمزج شروق الشمس بغروبها فلا يدري النائم هل استيقظ في الأمس أم أن هنالك غداً يجري وراء شمسه في حديقة البيت المجاور. الفتاة تنعّم كعب قدمها فتنبعث رائحة المسك. غزال يجري مع المياه إلى النهر البعيد. قلت للمعدان: أنا منتظر وأنتم منتظرون. هناك فتاة تضع قدمها بين يدي الصانع. تستسلم لغوايته. لمعان فردة الحذاء يشقّ الطريق إلى خيالها. يتحسس الصانع كعب قدمها. يا له من عاشق غامض، ويا لرقّته. الصانع لا يرفع عينيه لئلا تفضح الدموع لوعته. حين يخلو إلى نفسه يضع يده مباشرة على حجر الحمّام ويبكي. ما من شفاء. الفتاة التي أخرجتني من الجنّة، قادت الصانع أعمى إلى حديقة جنونه. سلّمته الى جنّيات حيائه وألقت الذعر في صدره. كلما حرّك كرسيّه إلى الظلّ، تبعته شمس الضحى وهي تزداد زرقةً. تأتي مرةً واحدة في العمر كما لو أنها كانت موجودة هناك دائماً. مريم، زينب، بلقيس، عشتار، ليلى، بدرية، كلهن، بعض منهن، جزء من تلك الفتاة لا يخطئ الطريق التي تقود إلى كلها. كلما سقط النغم من شجرة، انبثقت عشبة لا تشبه أختها. العنب لها ولعشّاقها الحصرم. تضحك. “لستُ سوى ساقية الحانة. أنا وحيدة أيضا”. يجلس الصانع على حافة القارب وينظر إلى الميناء. أور تختفي. البلاد المحتلة كلها تذوب في فقاعة صابون. يضغط بيده على حجر الحمّام فتشهق دموعه. كعب قدمها يغشاه. ليست اليابسة سوى فكرة غامضة عن مشيتها. المحلّقة تضرب بجناح النورس طرفاً من جسر الشهداء على دجلة. لم ينتظر المعدان عودة الفتاة المفقودة من لندن. اتسعت حدود الأسطورة. رأيتهم ينزحون إلى الجنّة. جهة تقع عكس اليابسة. فيما كنتُ قادماً رأيتهم يذهبون. قالوا: “اهبط من قاربك بسلام. لن تجد أحداً هناك”. أفركُ حجر الحمّام بخشب قاع القارب فتنبعث الرائحة. رائحتها في خزانة ثيابها، في المقلاة التي ترقص فيها جنّياتها، في مرآة الممرّ حيث يبتسم مشطها. “نسيتك مثلما نسيتني”، يسمع الصانع صوتها، فيتخيّلها وقد ماءت قطة شرسة فقال: “يا ربّ نجِّني”. سيضمّه الملك أثناء الحرب إلى حاشيته. والملك جائع مثله. أفريقي قدم لاجئاً من بوروندي. عرض على الملك أن ينضمّ إلى قائمة العشّاق السرّيين، غير أن الملك وقد أحيل على التقاعد اعتذر عن عدم النظر إلى خريطة بغداد التي فرشت على مائدة الطعام واستدار إلى النافذة. كانت عيناه تدمعان وهو يرى إلى لا شيء يتجول في الحقول القريبة مثل حيوان جائع.
في سوق الغزل
في الأسواق، ما من ملائكة. هناك العطّارون الذين يمزجون الهواء المنبعث من نظراتهم الصباحية بألوان التوابل التي تعكف على درس ما توحي به قوتها السحرية الكامنة من إلهام. الألوان مسؤولة هي الأخرى. كما العين واللسان والقلب واليد. سيفرّ غراب من قفص. يقول مراقب البلدية فيما صبية لم تبلغ الثانية عشرة من عمرها تسأله عن الدرب الأقصر الذي يقود إلى علوة الفواكه والخضروات. يشير بيده إلى جهة تقع على يساره. تبتسم الفتاة بحياء. يوصيها بأن لا تشتري الجبن الحلو. يزيح رأس لقلق أسير من بين ساقيه. صاحب اللقلق يصاب بذعر مفاجئ ويقبض على ذراع مراقب البلدية الذي يلتفت إليه مصعوقاً. انفتح الفم عن أسنان متفرقة ولسان وردي وحشرات كثيرة. سحب المراقب ذراعه بقوة ومشى في طريقه بخيلاء أمير عباسي رثّ. “ورثة ناقصون”، صار يردد وهو ينظر إلى منارة جامع الخلفاء. كانت كلمة السرّ تعذّبه. سرّ الليل. سرّ الأنثى وهي خزانة الأسرار. سرّ البيت المسكون بالعفاريت غير المرئية. سرّ العنكبوت النائمة على عتبة الغار. سرّ الإمام الغائب. سرّ جلال الحنفي. عبّأ سلته قصاصات مقتطعة من صحف صفراء (لعلها كانت خضراء قبل الخريف) لم تصدر بعد. صور تحرّض على القتل لنساء جميلات هنّ بنات آوى وأخوات السيد وبنات الحسن وشيطانات الجزر المغطاة بالزبد وبرائحة الصابون. قال لي إنه سيعلّمني الرماية ما إن يعود من سباق الخيل. رفسه حصان فحُرمتُ فرصة تعلّم النظر المغوي عن بعد. أوصيك بالبلاهة. النساء لا يشغفن بالأذكياء. شيء ناقص يمكنك أن تبتعثه من ماضيك الزاخر بالبلاهة. تعذّبك كلمة السرّ وهي بين أصابعك. وحين مدّ اللقلق إليك رأسه ممازحاً كدت تموت حيرة. هل رأى ذلك المسكين كلمة السر وأراد أن يلتهمها؟ تموت لتعرف.
خرافيّ التائبات
كنت أفكر في إبن طفيل. الأصح أني كنت أحلم بحيّ بن يقطان. لن يكون العكس صحيحاً. أن تحلم كائناً غير واقعي، هو غير أن تفكر في كائن سبق له العيش. من يقيم في جزيرة ليس كمَن يسكن في خان مجاور لتكية ولعطّارين وباعة صحف ولوازم مدرسية. نسيت سوق الغزل وذهبت مباشرة إلى الجزيرة. تمكر البلاغة للحقيقة. ومكر الحقيقة أدهى وأمرّ. كان لإبن يقظان مكره الصافي، المنقّى من كل غرض. توق إلى الارتقاء والعلو وتمضية الوقت ببراءة. فكرة ملحقة بالتخلي عن كنوز لم يعد الوصول إليها متاحاً. عبارة ماحقة لكل ما سبقها. كلوا واشربوا واقرأوا الفاتحة. هنيئاً للأموات. كان الفتى الذي سبق روبنسون كروزو إلى الجزيرة بخمسمئة عام وسبقني إلى المنفى بألف عام قد أراح ضميره. دفن ما تبقّى من خشب قاربه والفاكهة المتعفنة والغراب الميت. لم ير إبن طفيل الغراب حيّاً. خيِّل إليه أنه كان موجودا هناك منذ الأزل. منذ آدم ونوح. قبل الطوفان وبعده. قبل دائرة النار المنبعثة من عيني أبي جعفر وبعد ثلاثة أيام من وداع الخليفة الأخير. كان لديه ما يفعله حتى المساء: يعيد الأغنام إلى الحظيرة. يحصيها طبقاً طبقاً. فكرةً فكرةً. طيفاً طيفاً. أمضى نهاره وهو يعيد تشكيل الغيوم لتأخذ هيئة كائنات يستأنس بها. لاحق دخان سيجارته حتى آخر موقف للانتظار. هناك يبدو واضحاً ظلّ من سبقه. غير أن الانتظار لن يأتيه إلا بليل يشبه الليل الذي سبقه. حمّى طويلة وكابوس من اليرقات، وما من جهة لينظر إليها. كان عليه أن يقرأ الجملة مرات عديدة لتبدو جمله متشابهات وغير متشابهات. لكي تعيد الجملة إنشاء ذاتها، فإنها تقول كل شيء بطرق مختلفة. لكن المعجم يفرغ والأفكار كثيرة. الألم كثير أيضاً. يروي حكايته لكي يسمعها. لكي يتذكرها. لكي ينساها مرةً ليعيد تذكّرها مرات. نام الغزال لكي يولد في حلمه غزالاً تحلمه البرية. كل مساء يهجع إلى الفلسفة حالماً بصنارة صيد وسمكة تظن أن القتل ممكن باعتباره وسيلة للمزاح.
فتاة عند النافذة
أنقذته بعثة الأمم المتحدة ووضعته في زنزانة. كان إبن طفيل قد مات قبل النزوح الأكبر وقبل وكالات الغوث على الحدود وقبل لجان التفتيش في غرف نوم الرئيس وقبل المقاومة الشعبية وقبل مقتدى الصدر وقبل خليل الرفاعي وعزيز الحاج وموفق الربيعي وحسين كامل وقبل محكمة الثورة والعمل الشعبي والشرطة في خدمة الشعب وقبل نصب الحرية وتمثال الأم وقبل مراد الداغستاني والمصوّر الأهلي والحاج زبالة وفندق وردة الصباح وقبل قناة الجيش وجسر “أبو طابقين” وباص الامانة الأحمر وقبل ثورة شباط البيضاء التي سُفك الكثير من الدم فيها وقبل هبوط أحمد الجلبي في الناصرية راقصاً بين حرّاسه الذين أسكرهم غنجه. خرج مولانا من الجزيرة عارياً على العالم. لا “مثنوي” في يده ولا “فتوحات مكية” تضيء عينيه ولا “طواسين” تتوّج عزلته الطويلة. النبي انتُزع من ألواحه، فكان كأنه آمر سرية عادت من الأسر الإيراني. لم يقتنصه التوّابون ولم يقلب المعطف الذي لم يكن يمتلكه. “أعيدوني”، إن قالها فلن ينجو من سخرية قطّاع الطرق والأفّاقين واللصوص ومحترفي التسوّل الذين يحيطون به. لن يحدّثهم عن جزيرته وعن خرافه وعن الغيم الذي كان يعبّئ كهفه حوريات. “ون يا قلب”، مضطراً يلجأ إلى أمه الذئبة. لم يكن الذئب أباه. لم يكن أبوه ذئباً. كان شاة تنتظر في ساحة الغريري مرور سيارة الزعيم. ندم لأنه خرج من الكتاب الذي لن يهتدي إليه مرة أخرى بعدما مات صاحبه. سيقول انتهينا وهو لم ينته بعد. لم ينته شيء فيما ذهب كل شيء إلى عدمه. قيل إن المكافأة في انتظاره. الفتى ميت وستكون جنازته غضة مثل برتقالة يقشرها عَدوان في لحظة فزع. اهدأي يا خرافي ونامي. لا تقلقي. فصيل الإعدام في إجازة. لا أحد في إمكانه أن يهتدي إلى مغارتي. ولكن يا عبد الأمير علوان لِمَ تركت الفتاة واقفة هناك عند نافذة مفتوحة؟ لم يجبني وكانت لوحته لا تزال معلّقة على جدار في غرفة كلها كتب. عبد الأمير هو الآخر لاجئ في الولايات المتحدة. العدوة أم. كيف يمكننا أن نقول: “نجونا”؟
على جسر المسيّب
النصارى نائمون. سيضع الضيف شمسه على منضدة المقهى ويتأملها في الكأس. التفت إلى برج الكنيسة فأرى الاب انستاس ماري الكرملي حاملاً بيده شمعة. كان الضيف قد أخبر نادل المقهى انه على موعد مع الاب الكرملي فابتسم النادل مؤكدا معرفته بالأمر. قلت سأكذب مثله فخاطبتُ النادل: “أنا في انتظار جلال الحنفي”، فتجهم وقال: “الحنفي كذب عليك أو أنك فهمت خطأ. الشيخ لا يرتاد مقهانا”. أعطاني النادل ظهره فيما كنت ابلع كذبتي. كان الوقت فجراً ولم يكن عدد المصلّين كبيرا، حين خرجوا من المسجد. سألني الشيخ عن إبن يقظان فلم أجبه. ضحك حين قلت له: “أنت تقرأ الممحي”، واشار برأسه إلى الضيف ساخراً: “هل عرفته؟ مصطفى جواد. من الخالص إلى باريس إلى قل ولا تقل بطلاً جماهيرياً. كارثة لغوية. اتبعني”. عبر الشيخ بي جسر المسيّب فوق بحر من عروض الشعر وكان يلتفت لكي يتأكد أنني لا أزال أتبعه. كان عقد النصارى كونا. انفتحت الأبواب عن وجوه سمراء من قوم عيسى فاضطربت. كان الشيخ قد سبقني بمسافة مترين قفزت إليهما فتاة خرجت لتوّها من الحمّام. سمعت الشيخ يقول: “هناك حمام أشقر أيضا” تركني لمصيري. كانت الغزالة قد تركت أثرها على الطريق إلى الميناء. خيِّل إلى إبن يقظان أن خشب القارب الذي دفنه سينهض حياً يوماً ما لكي يشيّد قارباً الخلاص. قبل أن يرى رايات القراصنة، أغمض ابن يقظان عينيه على غزالة ميتة ونام ¶
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى