صفحات العالمما يحدث في لبنان

دمشق صارحت الحريري .. متى يخاطبها بلغة واحدة؟

نبيل هيثم
بعد الاحتلال الأميركي للعراق في ربيع العام 2003، أدرك الرئيس السوري بشار الأسد أن أميركا جورج بوش وفرنسا جاك شيراك وضعتا سوريا في عين الاستهداف المباشر، وأنهما شرعتا في أعداد الأوتاد التي أريد من خلالها إلحاق الهزيمة بسوريا من خلال الخاصرة اللبنانية، فكان القرار 1559 المدخل التمهيدي لإطاحة دورها واستهداف سلاح المقاومة بالدرجة الأولى. وينقل عن الرئيس الأسد، في هذا المجال، أن سوريا وجدت نفسها أمام لحظة حسم ومواجهة، وأرسلت أولى إشارات قبول التحدي بقرار التمديد للرئيس إميل لحود.
ميزة القرار 1559 عن سائر قرارات مجلس الأمن، انه صدر من دون آلية لتطبيقه، فجاء اغتيال رفيق الحريري لكي يوفر آلية تطبيقية بدم الرئيس الشهيد. فيما الحملة العدائية قد بلغت ذروتها «لقد كنا على يقين بأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، حتى ولو كان قريبا من سوريا، ما كان ليغيّر في الأمر شيئا… والقرار 1559 كان سيصدر حتما. كان هناك سيناريو متكامل بدأ بالـ1559، وآلية التطبيق التي وفرها الاغتيال لا تقتصر على ضرب دور سوريا في لبنان فقط، بل على ضرب سوريا نفسها وإسقاط نظامها وإلباسها ثوبا مغايرا لتاريخها… ولا تنسى القيادة السورية تلك النشوة التي انتابت بعض لبنانيي واشنطن آنذاك وذهبت بهم إلى حد التبشير بأن قطع رأس سوريا بات وشيكا، ومنهم من زايد على جورج بوش في ذلك الوقت بقوله: «سنقرش سوريا في لبنان كحبة جوز»!
لم يبخل الرئيس السوري في اعادة تقديم ذلك الاستعراض التاريخي لتلك المرحلة، على ضيوفه اللبنانيين ومن بينهم النائب وليد جنبلاط، بدءًا من قرار الانسحاب من لبنان في 25 نيسان 2005 وإعادة التموضع الدفاعي خلف الحدود، واطمئنان سوريا لحلفائها في لبنان، الذين سبقوا انسحابها برسالة جماهيرية كبيرة في 8 آذار 2005 بأن «حلفاء سوريا في لبنان لم يسقطوا كأوراق الخريف»… وبالطبع كانت هناك توضيحات جنبلاطية لما تضمنه اتفاق الطائف في موضوع اعادة تموضع القوات السورية في لبنان الى خط عين دارة، بما يضمن استمرار وجودها العسكري في جبل لبنان، وهو أمر كانت بصمات وليد جنبلاط جلية فيه، ولو أنه أراد وقتها أن يتمدد التموضع العسكري السوري حتى مشارف الدامور لكن اللواء حكمت الشهابي قال للحليف الجنبلاطي في زمن الطائف: «هذا لا نستطيع تحمله»، فتم الاكتفاء بمعادلة المديرج عين دارة في خط بيروت دمشق الاستراتيجي.
ينتقل هذا الاستعراض التاريخي إلى المحكمة الدولية «التي استحضرت في ذلك الحين لتشكل كيانا ضاغطا للإطباق على دمشق، واختـُرعت بدعة الاتهام السياسي لسوريا، بالتوازي مع محاولات مكشوفة لإلباسها تهمة الاغتيال ولف حبل المشنقة حول عنق نظامها وتعددت الوسائل بدءًا بالسيناريوهات والروايات السياسية والإعلامية اللبنانية والعربية والغربية، والشهادات التي أطلقها من ثبت أنهم شهود زور. لم تنجح تلك المحاولة، فلا سوريا سقطت، ولا حلفاؤها في لبنان سقطوا، والمسار الهجومي بدأ ينحني نزولا، وبدأ التحوّل الحقيقي في المشهد العام مع الانتصار التاريخي في حرب تموز 2006، من دون اغفال محطة 7 ايار 2008 التي اعادت خلط الأوراق وجعلت السوري يتحكم الى حد كبير بعدد كبير منها..
من وجهة النظر السورية كانت المحكمة الدولية وما زالت تشكل عنوانا لا يعني دمشق، لا من قريب ولا من بعيد، مع ادراكها للوظيفة التي سُخـِّرت لتأديتها، وما تزال. وبرغم ان المحكمة دخلت في بازار سياسي مفتوح، فإن سوريا، وعلى ما ينقل ضيوف الرئيس الاسد، «تعاونت الى آخر ما طلب منها ، فقد جاؤوا الينا وطلبوا ما طلبوه، ونحن من جهتنا كنا متعاونين الى المدى البعيد، وقدمنا كل التسهيلات المطلوبة، ولا يستطيعون ان يقولوا خلاف ذلك، وليس لدينا اي شيء مخبأ ولسنا قلقين منها أبدا».
من يسمع هذا السرد التاريخي، وصولا الى ما رست عليه الوقائع اللبنانية والسورية، يستنتج ان سوريا استعادت نفوذها الراسخ في لبنان، ولكن هذه المرة ليس من خلال وجودها العسكري، بل ان سوريا استعاضت عن «القوة العسكرية الصلبة والمباشرة»، بـ»القوة السياسية الناعمة» التي تؤثر من خلف الحدود. والتي أحضرت الجميع اليها، وقادت سعد الحريري الى دمشق ومن ثم وليد جنبلاط الذي عاد مرتاحا ومتخففا من كل اثقال سنوات الخصومة مع دمشق».
على ان اهم ما يخرج به ضيوف الرئيس الأسد، هو «ان دمشق تريد علاقة سوية وسليمة مع لبنان، وأبواب سوريا مفتوحة للبنانيين». الا ان هذا المنطق مشوب بحذر شديد من بعض الوقائع اللبنانية. «ان ما يثير الاستغراب هو ان البعض سواء في لبنان او خارجه ما يزالون يعيشون في الماضي ويحاولون اغماض اعينهم على الوقائع التي أصبحت راسخة لبنانياً وسورياً، ولا يقرأون جيدا ما جرى في السنوات الأخيرة».
في دمشق، ثمة انطباع بأن أداء الحريري مشمول بجانب من الحذر السوري «فزيارته الاولى الى دمشق يفترض انها تمت عن قناعة ولكن ندر أن نعثر على اشارات إيجابية من قبله تصب في تعزيز مناخ الثقة المتبادلة، «وأما الاشارات السلبية، في الاعلام والسياسة، فتكاد لا تحصى». ويكشف هؤلاء «ان دمشق تستقبل موفدين وتسمع كلاما جميلا.. ووعودا كثيرة لكن الترجمة العملية لم تحصل، ولذلك، لم يكن امام دمشق سوى توجيه «رسالة صريحة» بنبرة عالية، وقد تسنى لوليد جنبلاط ان يسمع بعضا مما ورد فيها وخلاصته «ان دمشق تريد لغة واحدة من لبنان، لا لغات متعددة من طرف واحد، اللغة الواحدة قولا وأداء مطلوبة من سعد الحريري، كما من وليد جنبلاط، ومن الآن فصاعدا لا تستطيع دمشق ان تقبل لغتين من مكان واحد، الرأس يقول شيئا فيما باقي الجسم يغني على ليلاه بلغة حربية او اشارات استفزازية تثير الريبة وآخرها ما بدر في الايام القليلة الماضية عن بعض نواب تيار المستقبل وإعلان التعاطف مع سمير جعجع بعد اكتشاف حادثة عيون ارغش».
ثمة اسئلة كثيرة تطرح هنا عن موقع الرئيس فؤاد السنيورة ومدى تأثيره على قرار الحريري، ومدى تغلغله في جسم الحكومة الحالية وقراراتها وتعييناتها وهل هو الرئيس الخلفي لحكومة الحريري؟ والسؤال الاكبر عن كتلة تيار المستقبل، اذ لم تسجل سابقة وجود كتلة برأسين يقول رئيسها الفعلي شيئا، سرعان ما يناقضه رئيسها النيابي. وكما يقول سياسي لبناني بارز»المبادرة هنا في يد الحريري لنزع المؤثرات السلبية على مسيرته السياسية».
ويتردد أن دمشق ابلغت موقفها الى الشريك السعودي، وهناك من يتحدث عن وصول موفد سعودي رفيع الى العاصمة السورية. وقيل ان «الشريك» بعث «بكلام عالي النبرة وسلة مطالب» الى بيروت، وليس ما يؤكد ان نتائجها قد تظهر قريبا.
في المقابل، ليس صحيحا ما يقال عن قرار بعزل سمير جعجع أو غيره. لقد قيل كلام واضح لمقربين منه: «من يعزل «القوات» هو سمير جعجع نفسه، أما أن يصبح هم الماكينة القواتية، وهم بعض اعلام المعارضة، أن يردد بعض الشعارات الفارغة، «فهذا شأن هؤلاء، وربما الهدف هو تكبير سمير جعجع وأن يقدم نفسه في شارعه المسيحي كضحية ومن ثم لكي يتحول الى بطل وإلى أيقونة وأسطورة. من يردد خطاب العزل هو جزء من ماكينة جعجع لذلك نحن ننصح بأن لا يتم تكبيره، فالمشروع الفيدرالي الذي حمله في الماضي قد انتهى ولا قدرة لأحد على إعادة إحيائه بالشكل الذي كان قائما في الحرب الأهلية وفي فترة الثمانينيات، برغم المال الذي يأتيه من الخارج، هو حالة إعلامية اكبر من مكبر للصوت بقليل، أكثر مما هو حالة جدية او مؤثرة، وبالتالي هو لا يحارب بالمسيحيين بل يحارب ببعض المسلمين الذين خسروا زعامة وليد جنبلاط لهم في المرحلة الممتدة من 2005 وحتى ربيع العام 2008».
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى