صفحات ثقافيةعامر مطر

مأزق السينما السورية… “ملاسنات” أبرز أفلام مؤسسة السينما

null
عامر مطر
السينما السورية اليوم، تستحق أن تصوّر في فيلم كوميدي، وتراجيدي. من الممكن أن يُسمى “ملاسنات”، يحاول كل واحد من أبطاله ألا يكون شريراً.
المشهد الأول من هذا الفيلم يبدأ بدخول محمد الأحمد إلى المؤسسة العامة للسينما، كمديراً عاماً لها… ينتهي المشهد الأخير بإنتهاء مهرجان دمشق السينمائي السابع عشر. بدأ الفيلم:
المشاهد الاولى
يزور المخرج السينمائي السوري محمد ملص، المدير العام للمؤسسة محمد الأحمد، ليبارك له منصبه الجديد، فيطلب الأخير من ملص سيناريو فيلم “سينما الدنيا”، يوافق صاحب الفيلم، لكن تتصاعد الأحداث، بحسب رواية الأحمد ” رفضنا تصوير الفيلم لأنه أراد إظهار زوجته بشكل تشهيري ومهين، وهي اعترضت بطلب رسمي قدمته إلى المؤسسة، فأكد المستشار القانوني أن بإمكانها إيقاف تصوير الفيلم عبر القضاء، ماسيسبب خسائر بالملايين للمؤسسة”. لكن ما مصداقية هذه القصة؟ يجيب ملص “فبرك هذه الحكاية البذيئة، وركّبها الأحمد. فعندما لا يستطيع أن يختلف مهنياً أو حرفياً مع الآخر، يمد لسانه دون رادع حتى تربوي إلى الشخصي عند الآخرين”. ينتهي المشهد هنا.
يبدأ مشهد آخر من فيلم الملاسنات هذا، يحمل صراعاً آخر، في نفس المكان، ومع ذات المدير، لكن مع مخرج آخر، يقول الأحمد” قدّم لي عمر أميرالاي سيناريو فيلم يتناول الآثار في سورية، والمدن المنسية. لكن خرج الفيلم بإسم ((الطوفان في بلاد البعث))، يحكي فيه أشياء لا نقبل أن ننتجها، لأنها كاذبة، ومغرضة، وتقدّم الوطن بصورة غير طيبة… وأنا لاأقبل أن تظهر سوريا إلا بأبهى صورها”، يضيف: ” من يريد أن يشوّه سوريا، فليشوها على طريقته، ولا يطلب مني أن أشرّعن له هذه الخطوة”.
يفرح المخرج السينمائي عمر أميرالاي كونه ليس في صف الأحمد “لايسعني سوى أن أهنئ نفسي بنجاتي من محور الشر الذي يمثله هذا المسؤول حين اصطفاني وأقصاني!”. لكن ما مبرر هذا الفرح؟ “أخطر ما يرتكبه هذا المسؤول، لجوؤه منذ بداية عهده إلى وسائل مقيتة، وغير نزيهة لكسب ولاء بعض السينمائيين”، كيف؟ “إمّا بإستدراجهم عصبياً، أو بشراء ذممهم من خلال تكليفهم بعمل أفلام أقل ما يقال عنها أنها عديمة الأهمية، فكرياً وفنياً”.  فيلم الطوفان الممنوع من العرض في سوريا، صوّره أميرلاي في إحدى قرى الجزيرة على الفرات، في شمال شرق سوريا، كإدانة لحياة يعيشها المواطن السوري، من تلقين، وببغائية، بحسب رؤية الفيلم .
في مشهد آخر، يصف الأحمد، المخرج السينمائي السوري نبيل المالح بالسارق “أراد أن يسرق خزينة الدولة… حاول التهرّب من دفع مبلغ 55 ألف دولار أمريكي للمؤسسة”. ليرد المالح عليه عبر وسائل الإعلام بالنفي، ثم بإتهامات متبادلة… ينتهي المشهد هنا.
لماذا؟ …
“هو شخص مريض، وفاح داؤه. يفبرك الخلاف الشخصي مع الآخرين، ويحوّل الاختلاف المهني إلى شخصي، واذا قلت رأياً مختلفاً في المهنة، يختفي في عباءة الوطن والأمن القومي”. قدّم ملص هذا الشرح لوصف علاقته بالأحمد. لكن يرد الأخير” ليس هناك مشكلة خاصة بيني وبين ملص على الإطلاق، وأنا لا أسحب الشخصي على المهني”. الأحمد يقول هذا رغم تعريجه باستمرار على حادثة خلافه مع ملص، ويمكن القول أنه كرر أحداث هذا الخلاف عشرات المرات على وسائل الإعلام…
مشهد آخر، يبدأه أميرالاي” مشكلتي معه شخصية، وفي هذا حقيقة تتلخص في كلمة كراهية، فأنا أكره بالفعل كل مسؤول مزيّف وناكر لحقائق الأمور، ولا يتوانى عندما تحاصره الحقائق في انتعال جزمة السلطة والضرب بسوطها جبناً وخوفاً”.
كره! “أكره أن يصير مصير سينما عصرّنا العمر كله في شعابها لعبة بين يدي طفل مدلل مغناج يحرد ويحقد ويعاقب كل من تسوّل له نفسه التعرض للعبته برأي أو نقد أو موقف”.
لكن الأزمة، أزمة ثقة كما يراها الأحمد “كيف تستطيع أن تمد يديك إلى شخص يفخر أنه يزور، ويضحك على البشر”، يضيف : “لديهم مشكلات شخصية معي… ليست لدي أي مشكلات شخصية مع أحد”. والأهم من ذلك “يريدون أن يظهروا أبطالاً، لكن عليك أن تسديد الفاتورة”!.
بالتالي، يشفق كل من أميرلاي والأحمد على الآخر، إذ يقول الأخير عن بعض سينمائي سورية: “أشفق عليهم، ولا أشعر بأي كره تجاههم… أشعر بالشفقة على وجوه حققت حضوراً أن تظهر على هذه الصورة”.
للشفقة هذه، معنى آخر بصوت أميرالاي: “أكره، وأشفق في الوقت ذاته على كل مكابر واهم بدوام السلطة والنعمة، وهو لايدري أن المقام مهما طال به، سيبقى كالراقم على الماء، لايثبت، ولايؤثر، وسيجف ذكره ويتبخر عاجلاً أو آجلاً”.
مشهد خارجي
نشر الصحفي السوري وسام كنعان في 3 تشرين الأول 2009 مادة صحفية في جريدة الأخبار اللبنانية، حملت عنوان “العلاقات اللبنانية السورية في عدسة جود سعيد”، تناولت فيلم مرّة أخرى للمخرج الشاب سعيد، ولمّحت لحال المؤوسسة العامة للسينما “اعتادت في سنوات عطائها أن تنتج ثلاثة أعمال حداً أقصى. يكون أحدهما دوماً للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، إلا أن هذا الأخير تخلّى هذه المرة عن دفّة القيادة لمصلحة مخرج شاب”، ويتابع: “هكذا ، يشارك عبد الحميد في الشريط كممثل رئيسي، ومشرف درامي وفني أيضاً”. استفزت هذه الجمل عبد الحميد، فرفع سماعة هاتفه، وشتم الصحفي. ذلك وفق ماجاء في الدعوة التي رفعها كنعان على شتائم عبد الحميد.
المؤسسة، وعبد اللطيف عبد الحميد … رد الأحمد عنهما: “ماذنبنا إذا كان عبد اللطيف يستطيع أن يكتب سيناريو فيلم ويخرجه كل سنة، ويأخذ الجوائز هنا،وهناك… هو لايأخذ الفرصة من أحد، فغيره يحتاج إلى عشر سنوات،وهو سنة… ويمكن القول أنه المخرج الوحيد المحترف، وهو الأهم في سوريا”.
لكن، يرى أميرلاي أن السينما السورية “يشهد القاصي والداني بتميزها منذ بداياتها، لتناولها المجتمع السوري بمختلف أطيافه البشرية، ومكوناته البئية، ونجاح عدد من مخرجي أفلام هذه السينما الموهوبين في التعبير عن هويّات بلدهم الثقافية ومعاناة أهله”. ويرى أن محمد الأحمد “يُوكل مهمّة إخراج أفلامه الرديئة هذه، إلى سينمائيين محنطين”.
الملاسنات السينمائية السورية المتبادلة هذه، علنيّة، وتنشر بأقلام أطرافها في الصحف بشكل دائم…
المهرجان… آخر الملاسنات
لكن، حين بدأ مهرجان دمشق السينمائي السابع عشر في 31 تشرين الأول 2009، ووقّع مجموعة من السينمائيين بياناً قاطعوا فيه المهرجان؛ عادت الملاسنات مجدداً… من مقدمة البيان: “نحن محبو السينما من مثقفين وسينمائيين ومهتمين نعلن ونحن على أبواب مهرجان دمشق السينمائي السابع عشر أن أرواحنا وعقولنا عافت هذا الدجل السينمائي الذي تقيمه الإدارة الحالية لمؤوسسة السينما في سوريا”.
كثر وقعوا البيان، منهم: “نبيل المالح، وعمر أميرلاي، ومحمد ملص…” يقول الأخير أن فكرة البيان طُرحت آخر أربع وعشرين ساعة، والعديد من ضيوف المهرجان، والإعلاميين لاحضوا حجم الغياب والمقاطعة دون بيان.
لكن ما المقصود بعبارة “دجل سينمائي”؟ يجيب ملص: “الدجل السينمائي هو فرع من مؤسسة الدجل الثقافي، فكما هناك دجل سياسي وديني وعلمي… هناك دجل سينمائي. ما قرأته في البيان يشير وبايجاز إلى هذه النشوة المستبدة بالسيد محمد الأحمد، أنه يستطيع إقامة هذا السيرك المهرجاني، على انقاض الحالة السينمائية المأزومة”.
أما أميرلاي يرى إن هذه العبارة “تحيلنا إلى مسألة اكثر جديّة من موضوع مهرجان دمشق السينمائي، والمتمثلة بتلك النظرة الهجينة للفن السابع بمرجعيتها الهوليودية والاستعراضية عند المؤتمن على سينما سورية منذ عقد تقريباً”.
دفع البيان، وما يحمله من أفكار، مدير المؤسسة العامة للسينما محمد الأحمد إلى تخوين موقعيه بشكل أو بآخر “هم ليسوا سوى أسماء تكره الوطن بمنظاري، فهم حين يقاطعون المهرجان لايقاطعونني؛ هم يقاطعون الوطن”، يضيف: “هم يستغلون مهرجان دمشق السينمائي وقيمته، لنشر سمومهم الشخصية الضيقة”!.
لأن “كره الوطن”، هي أبشع الملاسنات، أو الشتائم، وأكثرها قسوة؛ تصلح كمشهد أخير من فيلم الملاسنات هذا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى