صفحات سورية

لماذا انسحب “الإخوان السوريون” من “جبهة الخلاص الوطني”؟!

null
فادي شامية
عندما أُعلنت “جبهة الخلاص الوطني”، في 17 آذار 2006 في بروكسل، من شخصيات وتنظيمات سورية، عربية وكردية معارضة، تصدّر فيها مكونان رئيسان؛ “تنظيم الإخوان المسلمون في سوريا” والنائب السابق لرئيس الجمهورية السورية عبد الحليم خدام، وذلك بعد نحو شهرين ونصف على إعلان الأخير انشقاقه عن النظام السوري.
أهل مكة أدرى بشعابها!
بُعيد إعلان التحالف الجديد بين “الإخوان” وخدام، تلقى “الإخوان السوريون” انتقادات حادة من باقي التنظيمات الإخوانية في العالم، ومن مكتب الإرشاد في مصر. اعتبر “الإخوان”، بمن فيهم بعض السوريين، أن هذا التحالف يخالف “النهج الإخواني”، فضلاً عن أن ما فعله خدام نفسه بـ”الإخوان” عندما كان جزءاً من النظام السوري أيام الرئيس حافظ الأسد، لم يُنس بعد!.
بالمقابل فقد تلقت الأطراف العلمانية في “جبهة الخلاص” هذا التحالف بامتعاض معتبرة أن وجود “الإخوان” في الجبهة سيحدّ من حركتها.
استمر هذا التباين في صفوف المنتمين للجبهة، فطيلة العامين 2006 ـ 2007 كان ثمة رغبة جامحة لدى أطراف في الجبهة تريد الاستجابة لرسائل الود الأميركية، وقد شكّل موقف “الإخوان” بـ”رفض الاستعانة بالخارج لتغيير النظام” مانعاً كبيراً أمام تعاطي الجبهة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق جوج بوش.
ومع ذلك كان ثمة ضغوط كبيرة على “الإخوان في سوريا” من قبل باقي “الإخوان” في العالم للانسحاب من الجبهة، لدرجة أن المرشد العام نفسه طالب مرةً وخلال برنامج تلفزيوني “الإخوان السوريين بالعودة والانضمام إلى صف الممانعة”!. وقد رد “الإخوان السوريون” يومها بأن “أهل مكة أدرى بشعابها”، ما استدعى عقد لقاء مغلق، طالب فيه أحد قيادات “الإخوان” في سوريا المرشد باحترام “خيار الإخوان في سوريا”، مذكراً المرشد بأن “إخوان سوريا لم يطالبوا إخوانهم في مصر عندما كانوا يخوضون مواجهة قاسية مع الرئيس عبد الناصر بالعودة عن ذلك، مع أن عبد الناصر كان يعتبر في العالم العربي يومها رمزاً لمقاومة الأمة العربية”!.
لكن إشادة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (تنظيم إخواني) بـ”ممانعة النظام السوري”، في مناسبات عدة، كان يعقّد الأمور، ويجعل المشهد عصياً على الفهم، إذ كيف يعتبر “الإخوان السوريون” في ميثاق إعلان الجبهة أن هذا النظام “يتاجر بالقضية الفلسطينية ويسكت عن احتلال الأرض السورية”، في وقت يعتبر فيه “الإخوان الفلسطينيون” أنه نظام ممانعة؟!. عندما كان يُسأل المراقب العام للإخوان في سوريا علي صدر الدين البيانوني عن ذلك كان يقول: “نحن نتفهم ظروف إخواننا الفلسطينيين الذين ألجأتهم الحاجة إلى اتخاذ دمشق مقراً لحركتهم”، لكن في الجلسات المغلقة كان “الإخوان السوريون” يسألون: “أليست مظلمتنا في سوريا كمظلمتكم في فلسطين بل أشد؟ أليس أحدنا يُعدم لمجرد الانتماء في سوريا، في حين أن اليهود لا يعتقلون في الغالب منكم سوى من كانت له نشاطات مسلحة؟ أليست ظروف الاعتقال في سوريا أسوأ، والاضطهاد أشد؟!.
الحرب على غزة
في 27 ـ 12 ـ 2008 بدأت “إسرائيل” حربها المدمرة على غزة. استنفر “الإخوان المسلمون” أنفسهم في العالم كله لدعم حركة “حماس”، فوجد “الإخوان السوريون” أنفسهم محاصرين بحالة تعاطف عربية عامة، وبضغط إخواني غير مسبوق للقيام بخطوة تجاه النظام السوري، الذي “يحتضن” حركة “حماس”. في هذا الجو أعلن مراقب الإخوان في سوريا (مقيم في بريطانيا) علي صدر الدين البيانوني “التوقف عن أي نشاط معارض للنظام السوري”، من دون أخذ موافقة “جبهة الخلاص الوطني” على هذا الموقف الكبير. وفي مقابلة معه اعتبر البيانوني أن “هذه الهدنة جاءت في سياق الأحداث والظروف التي فرضها العدوان الصهيوني الذي يتعرض له إخوتنا في قطاع غزة، توفيراً لكل الجهود للمعركة الأساسية، فهو موقف أملاه علينا واجبنا تجاه القضية الفلسطينية، وهو موقف منسجم مع مواقف الشعوب العربية والإسلامية”.
توقّع كثيرون عقب هذا الإعلان أن ينفرط عقد “جبهة الخلاص الوطني”، أو أن يخرج “الإخوان السوريون” منه خلال مدة غير طويلة، وقد حصل ذلك بالفعل عندما أعلن “الإخوان السوريون” في 4 نيسان الجاري انسحابهم من الجبهة. غير أن القراءة المعمقة تفيد بوجود عوامل ثلاثة دفعت “الإخوان” للانسحاب من الجبهة:
محاولة “الإخوان في سوريا” الانسجام مع باقي الحركات الإخوانية، والجو العربي العام، الداعم للمقاومة في فلسطين، بغض النظر عن الموقف من النظام السوري، وهو ما عبّر عنه البيانوني بالقول: “لمسنا تجاوباً شعبياً كبيراً وترحيباً بهذه المبادرة في الداخل والخارج، وهذا شيء متوقع لأن المبادرة إنما تأتي متسقة مع الموقف العام لجماهير الأمة”، خصوصاً أن الأيام القادمة حبلى باحتمال تجدد الحرب على غزة وعلى غيرها في ظل حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
سعي حركة “حماس” وغيرها من الحركات والشخصيات الإخوانية وغير الإخوانية، لاستئناف جهود “المصالحة” بين “الإخوان السوريين” والنظام السوري، انطلاقاً من الخطوة الإيجابية لـ”الإخوان” بإعلان إيقاف “النشاطات المعارضة تجاه النظام السوري”، لا سيما أن سوريا تشهد “حالة صحوة إسلامية واسعة، ليس للإخوان السوريين نصيب كبير فيها، بعد تحولهم إلى تنظيم مهاجر، فضلاً عن أن الساحة تحتاج لنشاطهم الدعوي لمواجهة حملة التشييع الصفوي الجارية في سوريا اليوم” على ما يقول قياديون من “الإخوان” مؤيدون للمصالحة مع النظام.
فشل “جبهة الخلاص الوطني” في إيجاد حالة شعبية جدّية لها في سوريا، وتراجع إمكانية إسقاط النظام السوري، خصوصاً بعد المتغيرات السياسية في المنطقة والعالم، وظهور تباينات حادة أثناء الحرب على غزة في الموقف من الحركة الإسلامية عموماً، ورفض الجبهة في اجتماع بروكسل في 6 شباط الماضي تبريرات “الإخوان” لموقفهم الإنفرادي من النظام السوري، وهو ما عبّر عنه بيان انسحاب “الإخوان” بالقول: “انفرط عقد الجبهة عملياً، وأصبحت ـ بوضعها الحالي ـ عاجزةً عن النهوض بمتطلبات المشروع الوطني، والوفاء بمستلزماته”.
ما هو مصير “جبهة الخلاص الوطني”؟!
تعتبر الأطراف الأخرى الموقعة على بيان بروكسل أن تنظيم “الإخوان” أخذ خياره، وأن هذا الخيار لا يؤثر على استمرار الجبهة، وأنه “كان الأولى أن لا ينفرد تنظيم بقرار من النظام من دون موافقة باقي أطراف الجبهة، أما وقد فعل الإخوان ذلك، في ظل اتصالات سرية وعلنية بين النظام السوري و”إسرائيل”، فإنهم هم الذين تراجعوا خلال المسيرة ولسنا نحن”.
بدوره وصف عبد الحليم خدام انسحاب “الإخوان” من الجبهة التي يتزعهما بأنه “غير مؤثر… فالإخوان باتوا ثقلاً على الجبهة، وهم يجرون اتصالات مع النظام السوري تستضيفها إحدى الدول العربية”. كلام خدام لم تنفه أو تثبته شخصية إخوانية هامة، في اتصال معها، لكنها اعتبرت “أنه إذا كان متعذراً عودة الإخوان كحزب سياسي إلى سوريا، فإن عودتهم كتنظيم دعوي، ووقف الملاحقات بحقهم، وحل قضية المعتقلين أمر يمكن حدوثه!”.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى