صفحات العالمغسان المفلح

واقع الصورة أهم من صورة الواقع.

غسان المفلح
عندما شغلت منظمتا الأولوية الحمراء الإيطالية و” بدرماينهوف” الألمانية، اليساريتين، الساحة الأوروبية حتى قبل أكثر من 25 عاما، في سلسلة من عمليات الاغتيال وغيرها من العمليات، لم يكن يتجاوز أعضاء كل منظمة العشرات من الأعضاء..وكان يطلق عليهما آنذاك كما قلنا في مقال سابق” الإرهاب الأحمر”
رغم ذلك ورغم الحملات الإعلامية التي رافقت التعرض لهاتين المنظمتين، إلا أن هذه الحملة، بكل تفاصيلها لم تشهد تكوين صورة، تختلف كثيرا عن الواقع، ولم تأخذ هذه الحملة، بجريرتها كل اليسار الأوروبي، رغم سعار ما كان يسمى بالحرب الباردة، مع المعسكر السوفييتي.
****
الآن مهما اختلفت الصورة، إلا أن عنصرين تكوينيان فيها” الإرهاب خطر ووحشي، والإرهاب ليس منبعه سياسي، بل منبعه ديني إسلامي، والأديان لا تتغير! هذه الصورة بواقعها المأساوي هذا هي التي تكون الرأي العام في أوروبا وامريكا” واقع الصورة هو الذي يبقى في الذهن، من ذهن مصورها على ذهن مشاهدها مباشرة دون توسطات عقلانية أحيانا. هذه الصورة لا تميز بين باكستاني وعربي وكوردي وتركي وأفريقي، لأنهم كلهم مسلمين.
هذه الصورة كأنها بات عليها شبه إجماع من النخب السياسية الأوروبية والأمريكية، ولا تظهر الاختلافات إلا عند تبدأ معاركهم الانتخابية، أو عندما تكون الأوضاع السياسية والاجتماعية في ازمة في بلد من هذه البلدان، ويراد تلميعها بصورة ما..هذا ما تشهده فرنسا منذ مجيء ساركوزي وزيرا للداخلية مرورا بوصلوله للإليزيه 2007 وحتى اللحظة تشهد فرنسا ذيول ازمة ساركوزي وطاقمه. من يلاحظ تشدد ساركوزي وقوانينه التي يريد تطبيقها في فرنسا، والتي تخص المهاجرين بالطبع، وآخر ما يعده هو ترحيل أي فرنسي من أصول مهاجرة إذا اقترف جريمة ما، السؤال” الفرنسي من أصول فرنسية إذا ارتكب جريمة أبشع لماذا لا يرحل أيضا؟ ولازال يخوض معارك خفت حدتها الآن، بعد تصدي النقابات والمعارضة له بان الأزمة الاقتصادية هي الأساس الآن في هذه اللحظة- مظاهرات ضخمة الأسبوع الفائت- وعليك كساركوزي أن تخرج من حرصك على الهوية الوطنية الفرنسية وأنت من أصول مهاجرة، وتلتفت لأوضاع الفرنسيين الاقتصادية.
****
هذه المعركة تطلبت على ما يبدو خروج رئيس دائرة مكافحة الارهاب الفرنسية برنار سكارسيني أكد” ان خطر وقوع اعتداء على الاراضي الفرنسية “لم يكن ابدا كبيرا كما هو اليوم”، مشيرا الى ان مصدر القلق الرئيسي هو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، وذلك في مقابلة مع صحيفة لو جورنال دو ديمانش. واضاف “نظرا الى الاشارات التي ينقلها الينا شركاؤنا الاجانب فضلا عن مراقباتنا الذاتية، ثمة اسباب موضوعية لان نشعر بالقلق. الخطر لم يكن ابدا كبيرا كما هو اليوم” واوضح سكارسيني ان “التهديد في فرنسا ثلاثي: الفرنسي الذي يتطرف وينفذ عمليته وحده، القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي التي ترسل مجموعة لتنفيذ اعتداءات في فرنسا، والجهاديون، هؤلاء الفرنسيون الذين يذهبون الى افغانستان او الى اليمن وغدا الى الصومال والذين يعودن سرا مدربين على القتال لمتابعة معركتهم على الاراضي الفرنسية” لكن سكارسيني نفى وجود اي تطرف كبير للمسلمين في فرنسا وقال “من اصل ستة ملايين مسلم في فرنسا، هناك على الارجح 300 شخص يتسببون بمشكلة” و”نحو ثلاثين” دار عبادة من اصل نحو 1800.
اعترافه في هذه الوقائع العنيدة، وبوصه الحارس الأول للمجتمع الفرنسي من خطر الإرهاب، هذا الاعتراف يجب أن يلتقي مع سياسية مختلفة تجاه هذه القضية.
لأن الصورة لازالت في فرنسا، تتعامل مع الستة ملايين مسلم على انهم هم ال300 إرهابي، تحت عنوان جوهري” الإرهاب الإسلامي”. هذا ما تظهره شاشات التلفزة في غالبية دول اوروبا الغربية على الأقل.
وبهذه الصورة يقدم خيرت فليدرز السياسي الهولندي، وبهذه الصورة يقدم القس جونز الذي أراد حرق القرآن*. ستة ملايين مسلم فرنسي ستفرض عليهم قوانين خاصة، من أجل 300 إرهابي، هذه هي الصورة.
****
بالمقابل نرى أنه على المسلمين عموما في بلاد المهجر، وبغض النظر عن أية تمايزات داخلهم سواء كانت أثنية أو طائفية، ألا يفكروا بالاندماج وحسب في مجتمعاتهم، بل عليهم أن يبدعوا في هذا الاندماج والعمل وفق آليات هذه المجتمعات من أجل أن يكونوا مواطنين بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، أن يخترقوا واقع الصورة هذا من أجل المساهمة في تغييره، ويبروزا صورة واقعهم في هذه البلدان، وأن يتعلموا الحرية ليكونوا سفراءها في بلدانهم الأصلية، لا أن يكونوا، سفراء لمشايخ، ومخبرين لسلطات بلدانهم الأصلية. هذه قضية وفق ما جرى ويجري تحتاج إلى عمل دؤوب ومثابر، تحتاج إلى استنفار فاعليات هذه الجاليات المنتشرة في أوروبا وأمريكا، دون الاستناد في عملها على سلطات بلدانهم الأصلية..وهنا تجدر الإشارة، كيف لهذه الفاعليات أن تساهم في هذه الحملات، وهي لازالت مرتبطة بسلطات بلدانهم تلمع صورتها الديكتاتورية والمتخلفة والفاسدة، بينما المفروض أن تكون سفيرة لما تعلمته من حرية واحترام لحقوق الإنسان في هذه البلدان ونقله لبلدانهم الأصلية. يكونوا سفراء حرية لا سفراء قمع وفساد وتخلف وفقر…
أما أن تذهب فاعليات هذه الجاليات لتلتقي برئيس عربي فريد من نوعه! أو ملك مفدى! وتعود حاملة ذلك كمفخرة، دون أن يخجلوا من ذلك! مادام رؤسائكم وملوككم على هذا القدر من المفخرة والاعتزاز، لماذا إذن تركتم بلدانكم؟ عندما يرى المواطن الأوروبي عمائم أوروبا وياقاتها المسلمة، تذهب لنجاد أو لحماس أو لحزب الله أو لقائد عربي ما..أن يصدق أن هذه الفعاليات يمكن أن تندمج في مجتمعه؟
كيف سيصدق الإعلام الأوروبي فعاليات هذه الجاليات وهي تتقاتل أحيانا، وتتبارز وتتنافس، من أجل أن تكون في وفد يريد تقديم الطاعة لديكتاتوري بلدانهم؟
أية مؤسسات تبنيها هذه الجاليات من أجل تغيير واقع الصورة هذا، ورسم صورة حقيقية لواقع الجاليات المسلمة في أوروبا؟ كيف ستشكل صورة تقول فيها” أن الإرهاب نسبه سياسي وليس ديني”
ثمة أمر آخر” هذه الخزعبلات لدى قطاع مؤثر من مشايخ السلطات العربية واتباعهم من الجاليات المسلمة، والتي يعبرون عن” فذلاكات” كلامية حول الإعمال الإرهابية واحداث سيبتمبر، يجب إدانة هذه الإعمال بلا تردد، وموضوعة الصهيونية وإسرائيل وسلوك أمريكا، وما تسببه للمنطقة لا علاقة له بوجوب إدانة هذه الإعمال، حتى وإن كان لها جانبا تفسيريا في بحث قضية الإرهاب، لأن الإدانة كفيلة مع غيرها من الفعاليات، أن تثبت أن الإرهاب ظاهرة سياسية وليست مرتبطة بدين معين.
****
هامش:
* ” كشفت قضية القس الأمريكي تيري جونز هشاشة العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي و الوضع غير الطبيعي والمتوتر الذي تمر به (العلاقة). بحسب موقع الدويتشه فيليه الالماني فان هذا القس المغمور و المجنون ، على حد تعبير وزير الخارجية الألمانية غيدو فيسترفيله، الذي لا يتجاوز عدد أتباع كنيسته خمسين شخصا، أصبح، وفي لمح البصر، مالئ الدنيا وشاغل الناس. فقد تمكن هذا الرجل من خلال هذا العمل المنفر ، أي التهديد بحرق المصحف، حسب تعبير المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من أن يسرق الأضواء ويصبح حديث الناس في كل أنحاء المعمورة…”
أليس هذا واقع الصورة الآن، ولنلاحظ المفاهيم والتحديدات التي تقولها لغة الصورة” الغرب من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى، أليس هذا التصنيف مضللا؟ وهل فعلا القضية أن هنالك جهتان كما يصور الأمر؟
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى