صفحات العالمغسان المفلحما يحدث في لبنان

الحريرية لم تعد سؤال الدولة اللبنانية

غسان المفلح
كنت قد كتبت أكثر من مقال عن مشروع الراحل رفيق الحريري، بما هو مشروع الدولة اللبنانية المافوق طائفية. واحتراما وتقديرا لهذا المشروع الذي ذهب الرجل ضحيته، ما كان للشيخ سعد الحريري أن يتولى رئاسة وزراء لبنان، قبل أن تعرف ملابسات الجريمة السياسية هذه، ومن يقف وراءها ومن نفذها، إن قبول سعد الحريري بتولي رئاسة وزراء لبنان الحالي، هو إنهاء لمشروع الحريري الأب، ولكن الطاقم الموجود حول الحريري الابن، طاقم مناصبي أكثر منه طاقم صاحب مشروع.
إنهم جميعا يعرفون الحقيقة، ويعرفون ما الذي دار ويدور في أروقة السياسات الدولية والإقليمية، والأهم من ذلك هم يعرفون أن السياسة في النهاية موازين قوى، وليست شعارات تطلق.
وإن عبر سلوكهم عن شيء فهو عبر عن أنهم لم يكونوا على قدر من المسؤولية ليس تجاه الراحل كشخص، بل كمشروع سياسي واجتماعي. الشخص يذهب ويأتي غيره كي لا نعطي للراحل قداسة ما، لأننا في الحقيقة لا نريد إغلاق هذا الملف ويبقى عرضة للبحث والتقصي، تحسبا لأن تكون قراءتنا لهذا الملف كلها خاطئة، ولكن مشروع الدولة اللبنانية إن ذهب فلا أحد يعلم متى يطرح ثانية!
المشكلة لدى هذا الطاقم ولدى الشيخ سعد، ليست مع النظام السوري، ولا مع حزب الله، بل مشكلتهم، أن حزب الله والنظام السوري لديهم شرط واحد وواضح” إنهاء مشروع الدولة، ولكونهم من المفترض أنهم حامليه، ولكونهم حاولوا أن يكون جزء من هويتهم ونشاطهم وحركتهم، فإن إسقاطه وإن كان قد بدأ منذ أكثر من عامين ونصف، ولكن مطلوب منهم إعلان علني عن سقوطه، وهذا يجعلهم أقل قدرة على مساومة بقية الأطراف اللبنانية، لأن بقية الأطراف تقليديا لبنانيا هم أقوى منهم، من رفعهم هو مشروع الحريري الراحل، وليس لأنهم رموز لها ثقلها في الشارع اللبناني تاريخيا، سواء طائفيا أو سياسيا.
ربما فؤاد السينيورة هو الاستثناء الوحيد، لكنه كوفئ بإبعاده، لا يحتمل مشروع حزب الله- عون، ولا معادلة س- س قيام دولة لبنانية ما فوق طائفية. حتى رفيقنا النائب الياس عطا الله كأنه لم يعد موجودا هو ويساره..!
المعادلة المطلوبة الآن هي ثلاث سينات وليس أثنتين” سورية- سعودية- سعد الحريري” وعندما يتم برمجة هذه المعادلة الجديدة، يصبح وجود الطاقم السياسي لتيار المستقبل نافلا على المستوى اللبناني، وإن بقي لديه نفوذا على المستوى السني، وهذا النفوذ على هذا المستوى، ليس مهما بالنسبة لحزب الله أو للنظام السوري.
وبعد أن تبرمج هذه المعادلة سيبقى سعد الحريري رئيسا للوزراء عقد او عقدين من الزمن، وهذا ما يريده طاقمه السياسي فقط.
حزب الله من حقه المطالبة بإلغاء المحكمة الدولية، بعد تسريب خبر إدانته لوحده، وهذا التسريب المفتعل، ربما يكون وراءه الطاقم السياسي والإعلامي لسعد الحريري، وربما يكون النظام السوري لجعل المعركة حول المحكمة الدولية محض لبنانية- لبنانية! نقول ربما، لإبعاد المصالحات الحريرية- الأسدية عن الأنظار..وتمرير تراجع الحريري عن اتهامه للنظام السوري كاتهام سياسي. والملفت في الموضوع، أن الاتهام الحريري لم يكن لسورية، بل كان للنظام السوري، أما إعلان التراجع عن خطأ الاتهام جاء بلغة واحدة” كان خطأ اتهامنا لسورية! فأصبح النظام السوري هو سورية.
أليس من حق حزب الله بعد كل هذا أن يطالب بإلغاء المحكمة الدولية؟ إيرانيا على الأقل!!!
يجب أن تبقى صفحته نظيفة من أجل إيران..حزب الله لا يستوعب قيام الولائم في دمشق، على السحور لدى السيد الرئيس بشار الأسد، وعلى الإفطار لدى السيد رستم غزالي، والتسريبات تتحدث عن اتهام حزب الله بمقتل الحريري ومن معه.
الحريرية كمشروع دولة ماتت منذ تسلم الشيخ سعد الحريري رئاسة الوزراء. الحريرية الآن أصبحت تيار المستقبل السني، تماما كتيار حزب الله الشيعي، والاختلافات كثيرة…لكنها تتمحور الآن حول نقطتين رئيسيتين الأولى: حزب الله إعادة نظام الوصاية بغطاء إيراني- سوري، أما تيار المستقبل فيريده غطاء عربيا ومن ضمنه سورية. والثانية: حزب الله لأنه الأقوى لبنانيا وسوريا فمهمته أسهل من تيار المستقبل، لأن لحلفاء تيار المستقبل حسابات أخرى غير لبنان، وهم أضعف داخليا*…
ونحن نشكر دولة رئيس الوزراء الشيخ سعد الحريري لأنه برأ سورية من جريمة اغتيال والده!
أربعة ملايين شاهد زور عدد سكان لبنان، كما يقول الكاتب راجح خوري…هؤلاء شهود زور لأنهم غير معنيين بحسابات حزب الله وتيار المستقبل الولائية على الصعيد الإقليمي أو الدولي..
*هامش: أجرى تيّار «المستقبل» اللبناني قبل أيّام استطلاعاً للرأي داخل صفوفه، في إطار التقويم الداخلي للتيّار، ولاستكشاف اتجاهات الرأي داخل الشارع السني. ومن الأسئلة التي طُرحت على المستطلَعين: من هو أضعف رئيس حكومة عرفه لبنان؟ وحسب صحيفة “الأخبار” اللبنانية التي حصلت على نسخة من نتائج الاستطلاع التي لم تخرج للعلن، فإن معظم الأجوبة قالت إن الرئيس سعد الحريري هو أضعف رئيس حكومة، وخصوصاً أنه قدّم تنازلات تجاه سوريا وحزب اللـه، فيما حظي الرئيس فؤاد السنيورة بأوسع تأييد داخل التيّار بسبب مقاومته لسوريا وحزب اللـه، كما أتى في أجوبة المستطلَعين من أعضار التيار الذي قالت الصحيفة إنه يُعاني أزمة ماليّة وتبايناً في الرأي تجاه الموقف من سوريا، وهو ما يبدو جلياً في تناقض تصريحات أعضائه وقياداته.
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى