صفحات سوريةموفق نيربية

تحوّرات محور النظام العربي

null
موفق نيربية
أعلن العراق الحرب على ألمانيا النازية منذ مطلع عام 1943، ولم يكن ذلك مجرّد تأثير مباشر للوجود البريطاني فيه، وإلاّ لأعلن الحرب منذ بدايتها، فقد كان بين الناس تعاطف مع الألمان، ساعد على «ثورة» رشيد عالي الكيلاني المُنَسّقة معهم، والتي كان للإنكليز دور رئيس في إفشالها.
موجة إعلان الحرب اتّسعت فجأةً أوائل 1945، بعد أن أصبحت الهزيمة الألمانية محسومة. (لنتذكر أن في تاريخنا الحديث انتصاراً كبيراً للعرب غير هزائمهم اللاحقة، إذ «قهروا» آنذاك ألمانيا العظمى!).
ففي 24/2/1945 أعلنت مصر الحرب، وفي 26 سورية، وفي 27 لبنان، وفي 1/3 السعودية… تركيا أعلنت مثل هذا في الثالث والعشرين من الشهر نفسه.
في العام السابق على هذا الأسبوع، كان ما يميّز الحالة العربية محادثات تأسيس النظام العربي في اجتماعات القاهرة، من دون التوصّل- بعد- إلى نتيجة، كان يميّزها أيضاً يأس عربي من انتصار ألماني محتمل (وأسلحة فتاكة سرية)، الأمر الذي كان يداعب عواطف بعض النخب والشرائح الشعبية، بما في ذلك قيادات سياسية في سورية، ومثل ذلك في مصر، يزيد عليه توجّهات الملك نفسه… قبل إدارة النظر باتّجاه الولايات المتحدة كمنافس متميّز للاستعمار الأوروبي، لكن لذلك التاريخ حبكة درامية أكثر تسارعاً، قد تكون مهمة لرؤية الوضع وتلمّس أساساته.
فبعد اجتماع يالطا الشهير على البحر الأسود، بين روزفلت وتشرشل وستالين حول طاولة تأسيس النظام العالمي ما بعد الحرب، طار روزفلت إلى مصر، وأقام في الطراد الحربي «يو إس إس كوينسي» في البحيرات المرّة في قناة السويس، وابتدأ صلاته واجتماعاته.
اجتمع روزفلت مع الملك فاروق ومع الملك عبدالعزيز، وجاء الرئيس السوري أيضاً. كما اجتمع هؤلاء مع تشرشل الذي لحق بروزفلت تنسيقاً بشكلٍٍ رئيس، ومنافسةً ومحاولةً لتحصيل ما يمكن تحصيله من نفوذٍ لبريطانيا الخارجة من الحرب مثخنة بالجراح.
بعد ذلك بأسابيع تمّ توقيع ميثاق الجامعة العربية، وكانت تلك الدول من المؤسسين للأمم المتحدة، كمنظمة للمنتصرين في الحرب، ولعالم جديد مختلفٍ عمّا سبقه.
غير ذلك، كان شكري القوتلي قد زار السعودية لأداء فريضة الحج منذ عام 1937، واجتمع بالملك عبدالعزيز، واتّفقا على مدّ الخط الحديدي بين المدينة المنورة ودمشق، وكان الخبراء «الأشوام» يحيطون بالملك منذ بداية مشروعه، ويشكّلون جزءاً مهماً من طاقمه وعدّة تأسيس المملكة وتطويرها.
وكان فاروق على علاقةٍ ممتازة بالملك السعودي، يتفهّم معه أهمية سورية، كضلع ثالث يحب أن يبقى بعيداً عن الأسرة الهاشمية في العراق والأردن، وحاجز أمان أمام تركيا، وخزاناً عاطفياً للعروبة البازغة، وصمام عدم رجوع للأخطار اللبنانية المحتملة.
لقد قامت المسألة على التحضير لأيام الحرب الباردة من جهة، وعلى ضمان المصالح الغربية بالنفط ثانياً، وعلى الوعد الأميركي بالاعتدال في حلّ القضية اليهودية بالتفاهم المسبق. وقد أخلّ هاري ترومان فيما بعد بوعود روزفلت حول المسألة الأخيرة لحاجته للأصوات اليهودية، وجنحت بريطانيا إلى التخاذل والمزايدة على الأميركيين بالاستجابة للضغط اليهودي. لكن النظام العربي قام على ذلك الأساس، وبقيت سورية نقطة ضعف محوره تحت ضغط الصراع عليها والانقلابات التي لاحقتها بعد حرب فلسطين 1948.
اختلّ هذا النظام وذلك المحور أحياناً لهذا السبب، لكن من دون أن يهتزّ بالمعنى الاستراتيجي، إلاّ قليلاً باتفاقات كامب ديفيد، ومع محطات من حرب لبنان، وكان حافظ الأسد اللاعب الماهر على أوتار الحرب الباردة، والنجم السوري الأبرز في تاريخ المثلث بعد القوتلي.
ثمّ انتهت الحرب الباردة، وأخذت المسألة الفلسطينية الإسرائيلية شكلاً جديداً. ودخلت أميركا إلى العراق، وتغيّرت أدوار إيران وتركيا، وكان لا بدّ من أن تلاحق متطلبات التغيير ذلك النظام العربي القديم، ومحوره الفقري المرافق، إلاّ أن الأنظمة لم تعد كما كانت كلّها، وبعضها مازال لا يتقن إلاّ العزف على الربابة الأولى.
خالد بكداش قال في اجتماع حزبي إن الرئيس حافظ الأسد عندما كان يريد أن يتخذ قراراً سياسياً مهماً، يأخذ بالحسبان خصوصاً رد فعل دولتين: الاتحاد السوفييتي والمملكة العربية السعودية.
الآن: إذا كان ما يجري محاولة لبعث المحور السعودي المصري السوري كما كان قد تأسس قديماً، في ظروف اضمحلال قوة النظام الاستعماري الأوروبي للمنطقة، واستعداداً للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فسوف يكون ذلك خطأً كبيراً. أما إذا كان تأسيساً لحالة جديدة من العقلانية والاعتدال وتقاطع المصالح في الظروف الإقليمية والدولية المتغيرة، فربما يستطيع أن يحقق شيئاً لدولنا، أو لتأسيس نظام عربي جديد متكيف مع متغيّرات العالم.
* كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى