اسرائيلالتفاوض السوري الإسرائيليصفحات العالمقضية فلسطين

الصمت السوري

قليلة هي المعلومات التي تسربت عن اللقاء الذي عقده السناتور جورج ميتشل مبعوث الادارة الامريكية الى المنطقة مع الرئيس السوري بشار الاسد اثناء زيارة الاول الى العاصمة السورية امس، فالتصريحات الصحافية التي ادلى بها المبعوث الامريكي جاءت مغرقة في العموميات، وتكرار احاديث امريكية سابقة حول التزام الولايات المتحدة بالسلام الشامل دون تقديم اي مقترحات عملية لتحريك المسار السوري الاسرائيلي مجدداً.
اللافت ان زيارة السناتور ميتشل الى دمشق بعد بيروت جاءت في تزامن مع تواتر تقارير امريكية واسرائيلية عن استعداد نتنياهو لعقد صفقة سلام مع سورية تؤدي الى الانسحاب من هضبة الجولان مقابل ترتيبات امنية وتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
القراءة المتأنية لمجمل الوقائع والتحركات الدبلوماسية والسياسية على الارض لا توحي بوجود اي مفاوضات سرية او علنية، مباشرة او غير مباشرة بين الطرفين السوري والاسرائيلي. فمن الواضح ان القيادة السورية ترفض كل العروض الامريكية والفرنسية الحالية لفتح قناة مفاوضات اخرى غير القناة التركية.
صحيح ان الولايات المتحدة الامريكية تبذل جهوداً كبيرة لابعاد سورية عن ايران تمهيداً لعزل الاخيرة عربياً ودولياً، وتصوير اي حرب قادمة ضدها على انها حرب بين ايران الفارسية وبين الولايات المتحدة وحلفائها العرب والاسرائيليين.
فمثلما ادى انضمام التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشيل عون الى تحالف معسكر المقاومة بزعامة حزب الله الى تغيير قواعد اللعبة في لبنان، والغاء الصفة الطائفية السابقة للصراعات السياسية على ارضه، اي بين مسلمين ومسيحيين، فان وجود سورية في المحور الايراني يحول دون طموحات امريكية ـ اسرائيلية بخلق صراع فارسي ـ عربي، او سني ـ شيعي في المنطقة.
المقارنة هنا نسبية، فمكانة سورية في اطار محور الممانعة كبيرة واساسية دون اي شك في ذلك، والدور السوري في منطقة الشرق الاوسط اساسي لا يمكن القفز عنه، خاصة فيما يتعلق بعملية السلام في المنطقة التي تقودها الولايات المتحدة، وعلى المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي بالذات.
السناتور ميتشل يقوم بزيارة مجاملة الى دمشق لتأكيد اعترافه بهذه المكانة، ومحاولة تجنب تخريب الحكومة السورية للمفاوضات المباشرة التي يجمع معظم المراقبين على تعثرها.
فلم يكن غريبا ان يطلب السناتور ميتشل دعم سورية لتخفيف حدة المعارضة التي تتبناها الفصائل الفلسطينية التي تتواجد قياداتها في دمشق. ولعل السناتور ميتشل قد ادرك ان الحكومة السورية قدمت هذه المساعدة منذ اليوم الاول لانطلاق المفاوضات المباشرة، فقد كانت حدة المعارضة لها في حدودها الدنيا على اي حال، سواء من جانب قيادات هذه الفصائل او من قبل المسؤولين انفسهم.
صحيح ان بعض الصحف السورية نشرت افتتاحيات تعارض هذه المفاوضات المباشرة وتشكك في جدواها وفرص نجاحها، ولكن الصحيح ايضا ان ايا من المسؤولين السوريين، الكبار منهم او الصغار، لم يدن هذه المفاوضات في تصريحات رسمية، وكأن اتفاقا جرى التوصل اليه داخل دائرة صنع القرار في سورية بالتزام الصمت الكامل تجاه هذه المسألة.
السؤال هو عن المقابل الذي حصلت عليه الحكومة السورية من الادارة الامريكية او حلفائها العرب مقابل جهود تخفيف المعارضة للمفاوضات المباشرة؟
من الصعب اعطاء اجابة جازمة في هذا الاطار، ولكن من الممكن التكهن بان الحكومة السورية، وهي تدرك خطورة الاوضاع في المنطقة، وتزايد احتمالات الحرب على احتمالات السلام فيها مثلما قال الرئيس الاسد اكثر من مرة في تصريحات صحافية، قررت التهدئة وعدم اثارة الغضب الامريكي، خاصة انها تعرف ان هذه المفاوضات المباشرة لن تؤدي الى اي اتفاق بسبب حصول الرئيس عباس على التفويض الشرعي او الدعم الفلسطيني، وعدم استعداد نتنياهو في الوقت نفسه لتقديم اي تنازلات على صعيد الاستيطان والمطالب الفلسطينية الاخرى.
الصمت السوري قد لا يطول كثيرا، واذا طال فهذا ربما يعني وجود استعداد امريكي لفتح قناة التفاوض بين سورية واسرائيل حول الجولان، ولعل انهيار المفاوضات المتوقع يرفع عن الحكومة السورية حرج هذا الصمت.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى