صفحات سورية

عن اعلام حكومة العطري الذي لا أمل ولاشفاء منه

null
خير الله اليوسفي
اخيرا، وبعد مرور قرابة الشهر، رد اتحاد الصحافيين السوريين على الهجوم الشتائمي الذي انطلق من صحيفة ‘البعث’ بحق الصحافيين السوريين من مراسلي وسائل الاعلام الخارجية. ردت لجنة المراسلين (12 تشرين الاول (اكتوبر) الجاري) في الاتحاد على ما قاله صحافي ‘البعث’ حسن حميد (17 ايلول (سبتمبر) الماضي)، وهو من كان ‘ضابط ايقاع’ اهزوجة الشتائم. ردت على كلام حميد، لكنها لم تتطرق الى جهة هبوب هذا الكلام ولو بالاشارة. قالت انه من غير المقبول تناول المراسلين بلهجة القدح والذم والتشهير التي تحدث بها صحافي البعث. لكنها لم تلتفت الى من هو ‘الملهم’، ومن أعطى لتلك الاهزوجة لازمتها، من سوغها واعطاها دفعا، ومن ثم جعل صفحات جريدة ‘البعث’ مسرحاً لها، على اساس انه ‘الرأي الشخصي’؟! لكن رد الاتحاد تجاهل، مضطرا او مواربا، غضب رئيس مجلس الوزراء السوري على المراسلين السوريين إياهم. غضبه الذي تسرّب الى صفحات الجرائد الشهر الماضي. وقتها كان رئيس الحكومة صادقا مع نفسه عندما ‘شنّع’ بصحافيي بلده. ما نقل عنه من تحديد نوعين من الصحافيين السوريين (الصحافيين ‘المصلحجية’ و’المعادين’) غير نوعه ‘الوطني’ المفضل، لم يكن شططا عن افكار الرجل. على الارجح، كان السيد ناجي العطري يستشعر مودة، ودفء لقاء، في لقائه مع صحافيي جريدة ‘البعث’ لسان حال الحزب الحاكم، وبجانبه عضو قيادة قطرية في الحزب ووزير الاعلام. من هناك خرج غضبه على المراسلين. وغضبه اسقاط لافكاره، والتسريبات عن لسانه ليست الا تعبيرا عنها. انها قصته وحكومته مع الصحافة، وهي ليست قصيرة. لن نستغرق في القبضة الامنية، فهذه جعلها، أكثر وأكثر، من الحكومة وفيها.
كانت 2006 سنة ‘ورمت’ فيها أحلام الصحافيين السوريين. آنذاك خرج مسؤول في وزارة الاعلام، وقال ان قانون الاعلام السوري الجديد ‘على الابواب’. مشروعه جاهز، ‘يروتشونه’ وما هي الى ‘عضة كوساية’ (على ما يقول السوريون عن امر في حكم الحاصل) وينعم الصحافيون بانجازاته المفترضة. طبعا التي كانت تروج عنه، ووجدت جرعة مصداقية من تسريب اسماء صحافيين محترمين كانوا في لجنة اعداد المشروع ونقاشه. قانون سينظم العمل بطريقة عصرية، ويحمي الصحافي، ويعيد الاعلام الالكتروني ‘الداشر’ الى محددات القانون والمهنة. كانت حاجات يفتقدها الصحافيون، ومناخا غريبا تواكب والضغوط الدولية على سورية بعيد اغتيال الحريري. كانت آمالا أيضا اصابها فيروس ‘استشعار الرغبة في التغيير’، ولذلك ‘ورمت’. لم تكبر، أو تنمو، أخذا من نسغ موضوعي: انها التربة، وهي الاساس. يعلم الله ما الذي حلّ بمشروع القانون ذاك. مثل اخبار المدن النائية، يرد عنه خبر في المتفرقات.
كان عاما ورمت فيه الاحلام. في يوم منه، استشعر مجموعة صحافيين سوريين، من مراسلي وسائل الاعلام الخارجية، أملا فهمّوا الى مشروع، لو تمّ لكان ‘فتحا’ في مجتمع الصحافة السورية الكاسد من زمان. أمل صحافيين بجمعية أهلية مدنية لمراسلي وسائل الاعلام الخارجية. هؤلاء الذين تمسكهم وزارة الاعلام من اليد التي توجعهم (ورقة اعتمادهم كمراسلين وموعد ‘الحساب’ عند تجديدها السنوي). كان مشروع جمعية المراسلين طموحا و’انسانيا’: صندوق لدعم الصحافيين ماديا، من اشتراكات اعضاء الجمعية وتبرعاتهم. محامون للدفاع عنهم وملاحقة قضايا محاكماتهم. نظام يدعم تقاعدهم، ويد ممدودة لعون زملاء قد يقعون في ملمّات رؤوس الرقابة غير المأموني الجانب. السيدة ديالا الحاج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، وملكة مشاريع القوانين الرجعية، نامت على مشروع الجمعية. قالت وزارة الاعلام انها وافقت عليه، وصار على مكتب الوزيرة. وتعال الحقهم من وزارة الى اخرى، وهيهات ان تعرّي الخيط الابيض من الاسود، وكأن الوزارات السورية صارت خصوما!! يعلم الله اين صار ذلك المشروع. في ذلك العام أطلقت اول فضائية سورية خاصة (فضائية ‘شام’). وكان مشروع ايضا لمدينة اعلامية، قالت وزارة الاعلام عامذاك انه يهيئ لاستقبال الفضاء التلفزيوني الخاص. لا المدينة الاعلامية رأت النور، وقناة ‘شام’ انطفأت سوريّا بداعي عدم حصولها على التراخيص اللازمة، ثم تبعتها الى نفس المصير، وتحت ذات الحجج، قناة ‘المشرق’ منذ أشهر. زاد احكام القبضة الامنية على ناشري الاعلام الاكتروني، وكثيرون منهم عن طيب خاطر، بينما صفّيت مواقع آخرين لم يحسنوا اللعبة. واذا سئل من يحترم نفسه من الناشرين، سيقول ‘بسخرية’ من هو ‘رئيس تحرير’ جميع المواقع الالكترونية العاملة من سورية. وزارة الاعلام وزميلتها الاتصالات، ونظريتهما العمل… هؤلاء عند حكومة من يعملون؟
صحيح ان تقدما طفيفا طرأ في كلام الصحافة، لكن ‘الفضل’ فيه يعود للمحددات المتغيرة في لعبة سياسة الخارج، والاهم منه كلام سلطات عليا. الرئيس الاسد هو من قال ان الصحافة ‘تستطيع ان تنتقد الحكومة’، ولا احد غيره. وعندما يقول الرئيس ذلك، يعلم متوسطو النباهة ان المعنى: انتقدوا الحكومة اذا أوتيتم المناسبة. واذا كان السيد عطري غاضب من الصحافة، فليتكلم مع الرئيس، فهو من قال للصحافيين يمكنكم انتقاد الحكومة. لكن العطري لم يوفر جهدا في محاربة الصحافة، ضمن حدود سلطته. حجب تراخيص، وتخزين مشاريع قوانين وجمعيات. واخيرا جاءت درره عن تصنيف الصحافيين، في الاجتماع شبه الحزبي في جريدة ‘البعث’، حيث تسرب لبعض وسائل الاعلام تصنيفه الصحافيين الى: ‘اعلاميين ملتزمون واوفياء لقضايا الوطن ومصلحته، واعلاميين غير ملتزمين الا لمصلحتهم الشخصية ويتنقلون بين القطاع العام والخاص ويكتبون بطريقة متناقضة، اضافة إلى الإعلامي المعادي الذي لا يوجد أي أمل منه’. ومن لدن كلام العطري، يمكن فهم قصده بالنوع الاول، ومنه، على الارجح، الاقلام التي تنكبت استكمال كلام رئيس الحكومة بهجومها المخجل على المراسلين. الهجوم الذي اتى من على صفحات جريدة ‘البعث’، وفحواه يدور في فلك ما تسرب ايضا من كلام العطري بانه يقرأ ‘العديد من المقالات والتحقيقات الصحافية تسعى إلى ترسيخ الإحباط لدى الشعب’ وتسودها السوداوية والتشاؤم. سحب صحافيو البعث من حيث كلام العطري عن السوداوية، وشنعوا أكثر بالمراسلين والصحف التي تنشر لهم. أورد انهم ‘مخبرون’ صحافيون، محاولا خلق التباس وكأنهم ‘عملاء’. وتحدث عن قلة وطنيتهم وانسانيتهم، وانهم اقرب الى كتبة التشاؤم والسوداوية المصدرة للخارج. لكن من الكتبة هنا؟ من هو الذي تملّق رئيس الحكومة، واعتبر كلامه سندا ليشتم ‘زملاء’ مهنة. لكن الرأي الفيصل يبقى للمواطن. فالصحافة، والحكومة، هما معيار محاكمتها الاول. هو يستيطع ان يقول من المحبط؟ والمواطن هو من يتحدث ان كان محبطا من فوضى ‘اقتصاد السوق’ التي تستثمر ضده على احسن وجه. المواطن هو ايضا من يتكلم عن مشروعي قانونين جديدين، لا خير فيهما الا على رؤوس المال الجديدة، واصحاب العمامات (مشروع قانون العمل، والاخر للاحوال الشخصية). المواطن هو من يحدد من المعادي لمصالح عيشه: الاعلام، والمراسلون، ام حكومة العطري. اما كلام الاخير بحق المراسلين، فلا يغبّر على كلامهم: هم الذين يعلمون انهم في ظل اعلام العطري، مقيمون (بالاذن من فواز طرابلسي) في اعلام لا أمل و’لا شفاء منه’… فتلك التربة، وهي الأساس.
كاتب سوري مقيم في اوروبا
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى