صفحات الشعر

وديع سعادة – مختارات

null
جمال العابر

العابرون سريعًا جميلون. لا يتركون ثقلَ ظلّ. ربما غبارًا قليلاً، سرعان ما يختفي.
الأكثر جمالاً بيننا، المتخلّي عن حضوره. التارك فسحةً نظيفة بشغور مقعده. جمالاً في الهواء بغياب صوته. صفاءً في التراب بمساحته غير المزروعة. الأكثر جمالاً بيننا: الغائب.
قاطعُ المكان وقاطع الوقت بخفَّةٍ لا تترك للمكان أن يسبيه ولا للوقت ان يذرّيه. مُذَرٍّ نفسه في الهبوب السريع غير تارك تبنًا ليبدره ولا قمحًا لحقل سواه. المنسحب من شرط المشي للوصول. المنسحب من الوصول.
العابر سريعًا كملاكٍ مهاجر. غير تارك إقامة قد تكون مكانًا لخطيئة. غير مقترف خطيئة، غير مقترف إقامة.
سريعًا تحت شمس لا تمسُّه، تحت مطر لا يبلّله، فوق تراب لا يبقى منه أثر عليه. سريعًا بلا أثر ولا إرث ولا ميراث.
لم يُقم كفايةً كي يتعلَّم لغة. لم يُقم كي يتشرَّب عادات. لا لغة له ولا عادات ولا معلمين ولا تلاميذ. عابرٌ فوق اللغة، فوق العادات، فوق المراتب والأسماء والاقتداء.
بلا اسم، فوق النداء والمناداة.
وفوق الإيماءات، إلا إيماءة العبور.
وبلا صوت، لأن الصوت ثقلٌ في الهواء.
لأن الصوت قد يرتطم بآخر. قد يسحق صوتًا آخر في الفضاء. قد يزعج النسمات.
وبلا رغبة. لأن الرغبة إقامة، ثبات.
العابرون سريعًا جميلون. لا يقيمون في مكان كي يتركوا فيه بشاعة. لا يبقون وقتًا يكفي لترك بقعة في ذاكرة المقيمين.
الذين أقاموا طويلاً معنا تركوا بقعًا على قماش ذاكرتنا لا نعرف كيف نمحوها.
بقعٌ مؤلمة، أينما كان على المقاعد، بحيث لم يعد يمكننا الجلوس.
المقيمون طويلاً يسلبون مقاعدنا. يحوّلون أثاث بيوتنا إلى قِطعٍ منهم. بحيث نجلس، إذا جلسنا، على ضلوعهم، على عظامهم.
يسحق المقيمون المقيمين. أما العابرون فلا يسحقون أحدًا ولا أحد يسحقهم. لا يطأون على كائنات ولا يُثقلون خطوًا على أرض. حتى الهواء لا يلمحهم غير لحظة.
بلا قلق ولا ندم ولا آلهة ولا أتباع. إيمانٌ واحد لهم: العبور.
المتخلّون عن الأمكنة والأوطان والآباء والبنين. كاسرو القيد. مخرّبو المشنقة المصنوعة من حديد المكان والزمان والانتماء.
إنهم يتساقطون، الواحد تلو الآخر، المتشبثون بالإقامة. يتساقطون بأوطانهم التي صارت وهمًا. بانتماءاتهم التي صارت كذبًا. بأبوَّتهم التي صارت عبئًا. بايماناتهم التي تقتلنا، وتقتلهم، وتقتل الحياة.
العابرون لا ضحايا لهم. هل لذلك بات علينا، كي نمجّد الحياة، أن نمجّد عبورها بسرعة، أن نمجّد الانتحار؟
بخفَّةِ خفقة الطير وانفتاح النسمة للجناح. بخفة انفتاح هواء العبور واندمال هواء الانطلاق.
عابرون سريعًا، كلحظة انقصاف.
لهم من العصفور صوت، من الغصن نظرة، من الزهرة شميمٌ خاطف.
عصافيرهم للغناء والرحيل، لا للسجن في أقفاص أو تأبيدها محنَّطةً في واجهات. طيورهم الروح المسافرة، لا الريش المقيم.
وزهورهم العبق الشارد خارج الإناء.
سوى المرتحلين، واللامبالين، والعابثين بالإقامة، والممسوسين، والموتى، مَن كان سيكتشف جمال العبور؟
وأيّةُ لحظة تكتشف الحياةَ أكثر من لحظة الغياب عنها؟
هل لذلك تجب مصادقةُ الرحيل أكثر من مصادقة الإقامة؟
وهل، لذلك، على حياتنا أن تكون، فقط، تمرينًا على جمال الرحيل؟
أجملنا الراحلون. أجملنا المنتحرون. الذين لم يريدوا شيئًا ولم يستأثر بهم شيء. الذين خطوا خطوةً واحدة في النهر كانت كافية لاكتشاف المياه.
أجملنا الذين ليسوا بيننا. الذين غادرونا خفيفين، تاركين، بتواضع، مقاعدهم لناس قد يأتون الآن، إلى هذه الحفلة.
حفلةٌ سخيفة، ورغم ذلك لا يترك المتشبثون بالإقامة مقعدًا!
لكن لِمَ المقاعد، ما دام المحتفلون يبدأون ضيوفًا وينتهون أعداء؟
لنمضِ إذن، بخفَّة، قبل أن تلتهمنا الخناجر، قبل أن نصير طبَقَ الوليمة.
لحظةُ الوصول إلى الاحتفال هي كلُّ جمال الاحتفال. وبعدها، سريعًا، يصير الجمالُ هو المغادَرة.
الخطوة المغادِرة، هي الأجمل دائمًا.
الراحلون يمتزجون بالنسيم. وإذ نقف نحن، لتشييعهم، فلنشيّعْ معهم ذكراهم أيضًا. لأن الذكرى تعيق رحيلهم، تعيدهم إلى مكانهم، تجعلهم جمادًا.
الذاكرة تعيق الراغبين في الموت. وتجعل الراغبين في الحياة موتى.
فلندفنها إذن.
لندفن الذاكرة ونحن نغنّي.
إنها حفلة سخيفة في إية حال، ولكن بما أننا وصلنا، فلنغنِّ ونرقص.
ثوانٍ، قد نكون فيها جميلين.
لكن أجملنا سيبقى: الغائب.

يدٌ أخرى

الذي كانت له يدٌ بقبضةٍ وأصابع
وتريد أن تلتقط كلَّ الأشياء
له يدٌ أخرى الآن
ترفع مزهوَّةً
قبضةَ فراغها.

ذكرى هواء

لا يعرف من أين
في غياب الهواء
يأتي لهاثه،
ربّما هي ذكرى هواء
تمرُّ الآن في رئته.

الذكرى تمرُّ في الرئة أيضاً
واللهاثُ أحياناً ليس هواء
بل ذكرى
والداخلون والخارجون مع لهاثه ليسوا أهله ولا
مقيمين بل زوَّارٌ عابرون
ولا يُقيم في لهاثه بل
في عبورهم.

لا يعرف من أين يأتي لهاثه ولا أين يقيم
الهواءُ عَبَرهُ
وهو
عَبَرَ المقيمين فيه.

لم يرَ

الذي أخذه إلى الطريق وَصَل قبله
والذي أخذه إلى الحافَّة تأخَّر عنه
يمشي وحده ولا يعرف
مَنْ أَخَذَه ومَن رماه
اجتازَ الطريقَ واجتازَ الحافَّة
ونَظَرَ من الطريق ونظر من الهاوية
ولم يرَ أحداً.

المسجَّى أمامي

الميت المسجَّى أمامي قطعةٌ منّي
رأيتُه ذات يوم صدفةً وقال: أنتَ قريبي
وأراه الآن بعد غياب طويل
مسجّىً على سريري.

قال: قريبي
وما كنتُ رأيتُه قبل القول ولا رأيتُه بَعده
لكنَّ قوله جعلني منه
وصرتُ مذ ذاك
قطعةً من غائب.
قال ومشى
واستمعتُ ومشيت
وكانت خطواتنا مشياً في غياب
أطأُ على غيابه ويطأ على غيابي
حتى التقينا:
قطعتين
من غياب
مسجَّاتين على سرير.

… واغلقِِ الرموش

ولا تأخذِ العينَ في نزهة
فهي تضيع أيضاً ولا تعود تراك
تتبع عابرين مسرعين أو
تدخل في حدقة أعمى
تنبش ذكريات رؤاه التي
أنتَ لستَ فيها
فلا تكون في الحضور ولا في الغياب.

دعْ عينك في مكانها
واغلقِ الرموش
قد ترى عابرين كثيرين على جفنك
وكوناً بأكمله
في عماك.

سَعَلَ ومضى

سَعَلَ ومضى
وجرى سعالُه وراءه
حاملاً تاريخاً من الدخان
تاريخاً من هواءٍ كان يختاره
هو
لحياته.

جرى سعالُه وراءه كي يذكّره
بصمتِ أنفاسٍ أخرى كانت تخرج مع سعاله
وكي يقول له
إنَّ لثغاً ما خرج من ذاك الصمت
لا يعرف ما هو
لثغٌ خرج هكذا فجأةً من أنفاسٍ رحلتْ
فما عاد نَفَساً
ولا صار كلمة.

جرى سعاله يبحث عنه
لكنه سَعَلَ
وغاب.

أغنية الحافَّة

وَضَعَ قدمه على النقطة الأخيرة للحافَّة وراح يغنّي
لنسمة العدم الأولى التي ستمرُّ على جسده
وللفضاء الذي كان فارغاً
وسيمتلئ به الآن.

وَطَأَ على النقطة الأخيرة وراح يغنّي:
في الفجر تطلع الشمس وفي المغيب تغيب
والسنةُ فصولٌ أربعة
فيا للحياة الجميلة،
النهارُ ضوءٌ إنْ لم تكن غيوم
والليل عتمة
فيا للحياة الجميلة،
وللناس بيوت
والساكنون فيها مهما مشوا
لا يصلون إلى الباب
فيا للبيوت الجميلة.

وَضَعَ قدمه على الحافَّة وغنّى لمِزق ثوبه
التي لمح فيها ذات يوم ابتسامةً للفجر
وثغراً كاملاً للغروب
ولحياته التي رآها مثل حريق
شبَّ فجأةً في نزهة.

وَضَعَ قدمه على النقطة الأخيرة للحافَّة وراح يغنّي
للخطوة التالية.

الصوت

بودّي أن أكتب رواية عن صوت، خرج ذات يوم من فم وضاع في الفضاء، وصاحبُه يجري وراءه علَّه يعثر عليه.
يقال إنَّ الصوت لا يموت، يخفت في الهواء رويداً رويداً، لكنْ لا يموت.
عن ذاك الذي لا يزال فيه بعضُ حياة هناك، بودّي لو أكتب رواية
وعن هيام صاحبه
للقائه مرّةً أخرى.

ذات يوم قال شيئاً غريباً
وتموَّج قولُه في الفضاء وضاع
وضاعَ هو وراءه
طبقةً بعد طبقةٍ مرتطماً بهواء وبقايا أصوات
ممحوّاً وراء قوله
غير عارف أين صوته
ولا عارفاً ماذا قال.

الصرخة

بودّي أن أكتب رواية عن صرخة ٍ خرجت من فمِ شخصٍ وهو يموت، وهامتْ في الفضاء ثمّ عادت تبحث عنه
صرخةٍ تريد الرجوع إلى الفم الذي خرجتْ منه
إلى رحمها، نبعها الجافّ.
بودّي أن أكتب عن صرخة تعود إلى صاحبها الميت وتعرف ماذا كان يريد أن يقول
بودّي أن أعرف ماذا يقول ميتٌ لصرخته
وماذا تقول الصرخة للفضاء.

الورقة

كتب شيئاً على ورقة، كي لا ينسى
شيءٌ ما كان يريد أن يفعله
ولا يتذكّره الآن.
كتب شيئاً بأحرف كبيرة، ووضع الورقة حيث كان يجلس.
يريد أن يعود ويقرأها
يريد أن يفعل ذاك الشيء
أو يعرف على الأقلّ
ما هو.

نظرته

نظرته الأخيرة ظلَّت هناك، عالقةً على شيء لا يتذكّره
ربّما امتصَّها روحُ مكانها
أو حطَّ طيرٌ ونَقَدَها،
بودّه أن يتفقّدها ولكنْ
الفضاءُ الشاسع الرهيب، البؤبؤ البعيد أيضاً وفي مكانٍ آخر، والكائن المجهول الذي قد تكون صارت مُلكه.
قديماً كان يرى أمواتاً يعودون، ويتمشّون أمام بيوتهم
يتلمّسون أحجار الجدران، جذوع الشجر
ومثل كأنّهم يسقون الزهور، ويقتلعون العشب الذي نما في غيابهم.
لو انَّ أحداً يراه عائداً
ويتلمّس مكانَ نظرته
أو
لو يبقى الطقس معتدلاً هناك
فلا ترتجف نظرته من البرْد
ولا تيبس من الحرّ
وإنْ أمطرتْ فخفيفاً
لئلاّ تغرق.

ذبابة الطريق

بقي منسيّاً هناك
ومشى، وهو منسيٌّ، الطريقَ كلَّه
عَبَرَ المسافة كلَّها من دون أن يبرح مكانه
وتسلَّى طوال الطريق
مع ذبابة.

النبع

حين سألوه عن الماء تحت قدميه
قال إنّه عَرَقُ التعب
فهو من زمان يبحث عن نبع
ولم يجدْه إلاّ
في جسده.

مكان الحائط

بودّي أن أكتب عن صورةٍ لميت، مزَّقوها قطعاً قطعاً ورموا كلَّ قطعةٍ في مكان، فعادت وجمعت نفسها صورةً كاملة.
بودّي أن أكتب عن صورةٍ تمزَّقتْ نتفاً، وعاد صاحبها من الموت كي يلحمها،
توزَّع في أمكنة كثيرة
كلُّ نتفةٍ منه في مكان، تبحث عن نتفة منه، لكي يجمع نُتَفَهُ ويعودَ صورةَ جسدٍ كاملة.
يمدُّ يدَ وَهْمٍ هنا، وَهْمَ عينٍ هناك
يمدُّ نُتفَ أوهام، ليجمع جسدَ وهمٍ كامل.

جَرِّدوا الحائط من كلّ الصور، قال، ومزِّقوها، فهي ستلتحم، وتعود كلّها إلى الحائط
نتِّفوا أسلافكم وارموهم قطعةً قطعة، سيبقون مقيمين فيكم.
قال هذا، ومضى يجمع نتفةً من هنا ونتفة من هناك
معيداً لحْمَ الصورة
وعارفاً تماماً
مكانَ الحائط.

صدفة

هكذا صدفة
رجلٌ مبلول يقف على الساحل
رجل عاد أخيراً
من محاولة يائسة لشفاء النمور
من داء الغابات
قرصان
أراد الاستيلاء على النحاس
ومداواةَ حيواناتٍ منقرضة
هنديٌ أحمر
يتذكَّر صيحات
وريشاً ملَّوناً،
هكذا ببساطة
رجل يعوّض خساراته
بالوقوف قليلاً
أمام دكَّان مقفل.

الليلة

الليلة
ثيابٌ نظيفة تأخذ وجهةٌ مخطئة
وبحرٌ يتوارى
كسبَّاح.

هذه الليلة
الشبيهة بجبلٍ يفرُّ من الأرض
كم من الحيوانات كانت ستنتسب إلى رائحتي
وكم كنتُ
سأعضُّ الفجر.

الحفلة

بما أني أصبحت جاهزاً للأعراس
مثل إوزَّة على طبق
فلتبدأِ الحفلة الآن
ليرقصِ القتلة و اللواطيون
مع الملوك و القديسين
ولتباركِ العاهراتُ هذا العرسَ بدلاً من الكهنة
ليكون لهذه الليلة نسل جميل.

لتبدأِ الحفلة
فأنا جاهز تماماً
كالصناديق.

دعوة إلى الرقص

أرغبُ أن يخرج من هذه القصيدة كلب
أتملَّقه بعظم، بحلمة راقصة
أغريه بحرف ناعم، بواو كذنب كلبة تستعدُّ للمضاجعة، بصور أكثر الكلبات شبقاً في التاريخ
كلب أو أية تسلية أخرى حتى نهاية القصيدة
ماذا يمكن أن أفعل غير هذا؟
أجذب الرب من رقبته وأدعوه إلى الرقص؟
أحيك زوجاتِ السفراء ملابسَ داخلية؟
أبني مصنعاً لدعم الاقتصاد الوطني؟
مطبعةَ مستندات سرية لخدمة الحكومة؟
أم أطلّق زوجتي؟
اسمعْ، أيمكن أن يطلّق الرجل امرأته اذا كتب قصيدة وخرج منها كلب؟
أرغب إذن أن يخرج كلب
ففي قصيدة سابقة خرج العالم
أقنَعته بالعودة إلى المصحّ
وَعَدَني، ولم يذهب
واستعملتُ كلَّ الكلمات البحرية ولم تعلق سمكة
بماذا يفيد الورق
فليخرج الكلب.

كمين أخير

لن أتوقَّع شيئاً
فليذهبِ القطار
كلُّ شيء باقٍ
حتى صراخُ طفلي بين الجدران،
هناك جارٌ يزورني
لشرب القهوة أو
لإبادة النهار
وبعد ذلك جميلٌ
أن أذهب إلى النوم.

خاتمة

هذا كلُّ ما أردتْ أن أرسله في يومٍ محتشد:
قنينة وقبَّعة
لرجل
مات قبل لحظة.

أعشاش عالية

الذين ألِفناهم شجرًا باسقاً
صاروا قشًّا حين حزنوا

ونزلت العصافيرُ ورفعتهم
بمناقيدِها.

غيوم

الذين جرفتهم المياه إلى الوادي
ارتفعوا غيومًا،
لم يمطروا
وقفوا فوق
نظروا إلى الأرض
وتبدَّدوا

إرث الموتى

طلعوا من تحت التراب
وعادوا

فقط ليرسموا ابتسامة
نسوا أن يتركوها لنا.

تكوين

بالفضاء النحيل الباقي بين يديه
حاولَ أن يعيد كونًا،
رسَمَ بدمعة نجمة
بنظرة قمرًا
شمسًا بلمسة

وحين أغمض عينه مشى الناس
إلى أعمالهم
على رصيف جفنه.

بَلَل

رَحَلَ هازئًا
كمن يتبلَّل في شتاء
ويخلع نفْسَه
عوض أن يخلع قميصه.

أحلامٌ أخرى

أعطيَ روحُه أن يبقى أربعين يومًا فوق جسده
كي يحقّق في فضائه الأخير
أحلامًا خابت على أرضه

لكنه
رفرفَ لحظةً
ومضى.

زهور

وضعتْ زهرةً في وسط الدار
وزهرةً في الزاوية
وأخريات على الجدران
في الممشى في غرفة الطعام في المطبخ في غرف النوم

وذات يوم على السرير
نبتت زهرة غريبة
لها عينان مغمضتان
وفمٌ نصف مفتوح
ينتظر قطرة.

زهرة سريّة

قبل أن يأخذها النوم
إلى ساحاته الصامتة
قلَّمتْ اظافرها
ورمت نثراتها في حوض الزهور

وفي الصباح
نبتت في الحوض
يدٌ صغيرة.

رغبة

كانت فقط مجرَّد رغبة
أن نحمل مظلاّتنا ونبتسم تحت المطر
أن نلعب قليلاً في الشوارع
ونتركَ على الرصيف نثارًا
من زجاجة العالم.

استعادة شخص ذائب

هذه البحيرة ليست ماء. كانت شخصًا تحدثتُ إليه طويلاً، ثم ذاب!
ولا أحاول الآن النظرَ إلى ماء بل استعادةَ شخص ذائب.
كيف يصير الناس هكذا بحيرات، يعلوها ورق الشجر والطحلب؟!
قطرةً قطرة ينزل الموتى على بابي
ومركبٌ يتوقف من أجلي تحت الشمس
وجالية فقيرة من الرعشات تعود إلى الرمل.
لم أرتجف. لكني جُننت. الماء بارد لكني لم أرتجف. فقط ارتعشتُ قليلاً. ثم جُننت.
على سطح البحيرة ورقة، كانت عينًا. على الضفَّة غصن، كان ضلعًا بشريًا.
أحاول الآن جَمْعَ الأوراق والغصون. أحاول جمع شخص كنت أحبُّه.
لكن مرَّ كثيرون من هنا، جمعوا ورقًا وحطبًا ليشعلوا مواقدهم.
لن يتمَّ أبدًا جمْعُ شخص. لن يتمَّ جمع أعضاء كاملة. كثير منها احترق.
مع ذلك لا بدَّ من أن أعيد شخصًا كنت أحبّه. على الأحبَّاء أن يعودوا إذا ناديتهم. عليهم أن يعودوا ولو كانوا ماء. لو كانوا أمواتًا. لو كانوا طحلبًا… على الطحلب أن يصير إنسانًا حين تستدعيه. ويأتي لو مبلَّلاً، لو مترهّلاً، لو عفنًا. عليه أن يعود صديقًا ولو مات منذ ألف عام.
يجب أن تكون هناك طريقة ما لجمع الناس عن الضفاف. طريقة لإعادة الأوراق والأغصان الطافية على البحيرات، بشرًا.
لم أرتجف. الأعضاء ارتجفت. وكان عليَّ أن أسدَّ الفراغ بين مفاصلها كي أوقف ارتجافاتها وتهدأ.
ولكن، كم طويلةٌ المسافةُ بين مفصلين! وكم أحتاجُ إلى ردم لسدّ الفراغ بينهما!
كم هي طويلة المسافة بين ضلع وضلع!

أجري بطيئًا، مثل آخر نقطة ماء نزلتْ، وتأخرتْ عن السيل.
أجري بطيئًا زاحفًا للالتحاق بالجريان، وأتبخَّر رويدًا رويدًا.
لن أصل. بعضي سيصير في الفضاء. وبعضي سيغرق في الأرض.
تأخرتُ عن رفاقي ولن أصل. أزحف لكني لن أصل.
قطَعٌ مني أفقدها، وقطعٌ ترافقني منهَكَة، وقطع تصير هباء.
حتى إذا وصلتُ، أيُّ شيء مني سيصل؟!
حولي عشب وحصى وتراب. طيرٌ ينقدُ بعضي. ونملٌ يأكل بعضي. وبعضي للعشب والحصى والتراب.
أجري بطيئًا وفوقي يصعد خيطٌ مني، وتحتي ينزل خيط مني. أجري بطيئًا بين إبرتين، تخيطان عدمي.
نزلتُ آخرَ نقطة. كنتُ في غيمة ونزلتُ. هل أنا الباحث عن شخص ذائب أم أنا الذائب؟ أم أني، من كثرة البحث عن ذوبانه، ذبتُ مثله؟
وصرتُ، عوض أن أبحث عنه، أبحث عني!
أرى على الطريق أشخاصًا عابرين. بعضُ ما بقي مني يرى أشخاصًا. هؤلاء، على الأرجح، لم يفقدوا شخصًا أحبُّوه. أم أنهم فقدوه، ومع ذلك يكملون الطريق؟!
لا أعرف كيف لا تتوقف أرجلنا عن المشي حين نفقد شخصًا نحبُّه. ألم نكن نمشي لا على قدمينا بل على قدميه؟ ألم تكن النزهة كلها من أجله؟ ألم يكن هو النزهة؟
كيف يمشي واحدٌ إذا فقد شخصًا! أنا، حين فقدت شخصًا، توقفت. كان هو الماشي وأنا تابعه. كنت الماشي فيه.و حين توقَّف، لم تعُدْ لي قدمان.

تأخرتُ وزاحفٌ وأتبخَّر. كيف إذن سأُعيد شخصًا ذاب؟ أليس عليَّ بالأحرى أن أعيد أولاً نفسي؟ أن أعود على الأقل قطرةَ ماء كاملة، تنزل على ورقة، على عين، على ضلعٍ على ضفَّة؟
أليس عليَّ، لكي أُخرج من الطحلب شخصًا، أن أكون على الأقل من ماء البحيرة؟
تأخرتُ ولن أصل. كلُّ ما أفعله أني أرى، أرى من بعيد. رؤيةٌ مشوَّشة من عين شيء لا هو غيمة، ولا هو ماء، ولا جماد ولا بخار.
إني، إذن، لا أرى.
كلُّ هذا مجرَّد خيال. عتمةٌ تستجدي عتمة. ولن أرى ولن أصل ولن أستعيد شخصًا ولن أعيده…
إني، فقط، أحاول أن أزحف. أحاول أن ألحق برفاقي.
لكنهم صاروا بعيدين، بعيدين جدًا.

ربما كنتُ في الماضي شخصًا يبحث عن شخص ذابَ أو ربما كنت أنا الذائب. الآن، حتى ولا قطرة. وفيَّ تماهيَّ المرعب بين الماء والبخار والشخص، أبحثُ عن إسمٍ أعرّفُ به نفسي حين ألتقي النمل والعشب والطير. أنت الزاحف مثلي، ستتوقَّف حتمًا على نتوء. ارسلْ لي من هناك نداء، وبه سأسمّي نفسي.
متماه بين ماء وجماد وبخار. مع ذلك لي مفاصل!
ومفاصلي بينها فراغات. ترتطم المياهُ بها، ترتطم الرياح بها، ويرتطم الناس.
ناسٌ كثيرون يعبرون الآن بين مفاصلي. لا أعرف من أين يأتون ولا إلى أين يذهبون. لكنهم يرتطمون بعظامي.
ناسٌ التقيتُهم مرَّة، ناسٌ التقيتُهم مرات، وناس لم ألتقِهم… لكنهم يتدفَّقون الآن، ويدقُّون على عظامي.
عليَّ أن أفتح هذه العظام لكي يدخلوا.
لو كانت هذه العظام بابًا!
من أين جاؤوا؟!
أظنُّ أن الذين ننظر إليهم يدخلون في أجسادنا عَبْرَ عيوننا ويصيرون دمًا و لحمًا.
وبعضهم يصير من المارة التائهين بين مفاصلنا.
… ونستمرُّ، هكذا، نسمع طَرقات على عظامنا.

إني أسمع الآن دقَّات ماء
وعليَّ أن أفتح.

أحاول

أحاول
باليد التي خرجت مني إلى ذراعٍ أخرى
أن أوقف سيارة تأخذني في هذا الليل
إلى بيتي.

المتعبون

المتعَبون يجلسون في الساحة
ينصتون إلى عبور النسمات، التي كانت في الأرجح بائعين متجوّلين
أو متسكّعين، فقدوا أقدامهم

للمتعبين ساحة
بلاطاتها، مع الأيام، اكتسبت صفات إنسانية
حتى أنها إذا غاب واحدٌ منهم
تبكي.

المتعبون في الساحة، وجوههم ترقُّ يومًا بعد يوم
وشَعرهم يلين
في هواء الليل و الأضواء الخفيفة،
وحين ينظرون إلى بعضهم ترقُّ عيونهم أيضًا
إلى درجة أنهم يظنون أنفسهم زجاجًا
وينكسرون.

مقعد راكب غادر الباص

وداعًا أيها الله، إني أمشي ناظرًا إلى قدمي، ذاهبًا إلى المقهى للقاء الأصدقاء
وداعًا، إني أشيخ، المقهى في الساحة، أصعدُ درجتين وأجلس
سمعتُ كارمينا بورانا ومشيت، المسجّلة تغني الآن وحدها،
قرب الشبّاك المغلق
مطر خفيف على الزجاج، مطر خفيف على الميناء المقابل
وداعًا، الساعة الرابعة، معي موعد مع أصدقائي
أصعدُ درجتين، وأجلس
نضحك فاتحين فمًا على فم، ورديين خارجين من البرَّاد
من الأسكيمو مع الدببة، من الأسكيمو مع زحَّافات تجرّها الكلاب، مع جلود الماعز
فمًا على فم، كمتناكحين
متزوجين الضحكات الإلهية، الكلمات غير المفهومة، الأجنحةَ التي لبستها الملائكة، وطارت
متزوجين خمسة سنتمترات من الهواء
تسبح فيها أفواهنا، ملائكةً جديدة، طيارين ساقطين بمضادات
اوراقًا روحية ممزَّقة، قطعًا من الأشباح، آلهة متروكة على الأدراج
نتحدَّث ساحبين من أفواهنا إبرَ الكلمات، الخيوط من عروقنا المنسوجة بقياسات عير دقيقة
ونذهب في الشوارع منشرحين اننا تحدَّثنا، ورمينا برتقالاً من النوافذ، وسمعنا الصمت المرتجف للطرقات
أننا تعاركنا مع صاحب المقهى، تعاركنا مع سائق الصهريج، تعاركنا مع الله، وخرجنا
شارل بلحيته الشقراء ككوز تين، ببنطلونه المصنوع ليتَّسع لناس آخرين لا يجدهم
عباس برأسه المصبوب في المعتقلات
ماري بجسدها النازل من جبال الثلج، وعلى وشك أن يذوب
عبده بغرفته الجديدة، هاربًا من حميدة العجوز، ليستمني بحريَّة
عقل بحبه الضائع، بإيزادورا، بوجع ظهره، بالـ “آر. بي. جي” التي سقطت أمامه
ضاحكين ضاحكين ضاحكين
نرفع أيدينا في الفضاء، نخفضها إلى الأرض، نعيدها إلى جيوبنا
نصبُّ على أنفسنا الماء لنستفيد من أجسادنا
سجَّاداتٌ تحت الشتاء، وبرٌ ناعم يتحدَّث مع المارَّة،
قاطرات منبثقة من العورات
ونصرخ معًا: وصَلَ الباص الإلهي، وصلت حقائبنا
حقائب حقائب حقائب، حقائبنا ضائعة بينها فلندخل المقهى
نُجلس معنا على الطاولة وبر أجسادنا، نجلس لحانا،
معاركنا استمناءاتنا غلَّة نهارنا من بيع قطع مغشوشة من التخيُّلات
ممالك بيضاء تغنّي على النوافذ
أبديةٌ في الممشى، أبدية مربوطة بخيط
ونُرجع الكرسيَّ قليلاً ليمرَّ الهواء،
وداعًا
وداعًا أيها الله
بالهواء الذي يمرُّ بيننا، بالماء الذي دلقتَه عليَّ، وداعًا بعينيك اللتين تترصدانني من وراء الباب، بفمك الأزرق، بنظَّارتيك المصنوعتين عند “نظَّارات الحكيم الطبية”،
ويديك اللتين تقولان لي: هذا هو الطريق
وداعًا بمعصميك الجميلين، بساعتك التي تشير إلى وقت مجهول، السابعة الرابعة الآن، وداعًا
شبطين، 6 كانون الأول 1962، أبي –هيكلٌ عظميٌّ محروق يُسند ركبتيه بيديه، وكنبةٌ يخرج منها الدخان
شعاع قمر يدخل من الكوَّة
وعلى المائدة سمكة غير ملموسة، قنينة عرق فارغة، ورقة لوز أمام الباب
كنت أزن 40 كيلو مع الورقة التي أكتب عليها الشعر
40 كيلو مع ابتسامتك، مع نظرتك، مع يدك على كتفي،
مع سمكتك على الطاولة، مع لحمك المحروق
40 كيلو مع دخانك
جواد الجنّة ينطلق، نقطةُ عرَق على جبهته
“صان بوت” تبحر إلى لارنكا، تمشي على البحر قرب السمك، “صان بوت” الشمس الخشبية المسافرة
تودّعها يدٌ يتحرك خنصرها قليلاً، ويعود إلى مكانه
نتحرَّك في مقاعدنا، نمرّر أصابعنا على شعرنا، نضرب دماغ الوقت قبالتنا على الحائط
مرتدين قمصانًا مفتوحة على الصدر، ننظر إلى بعضنا ونبتسم
ننظر إلى العابرين الذين يشبهوننا
جالسين وسط دخان السكائر، جالسين أو واقفين أو عابرين آكلين حجارة الشارع، آكلين الشرفات من أمام السيارات، من أمام عربة التوقُّعات التي توقفت عندنا
حاملين رأس المحبة عاليًا وصارخين
شرايين محطَّمة، أمعاءُ أرض طويلة مرمية على حوافي الطرقات
حاملين سواحل، أبراجًا، قطعًا هوائية، هياكل سفن أيدي وأرجلاً وصدورًا تلبس القمصان
وقدمُكِ يا أمي التي تقيس 20 سنتمترًا
حذاؤكِ الذي صنعه لكِ شقيق أبي سنة 1957، ولا تزالين ترتدينه الآن
أظافركِ الطويلة وأنت تنتظرين أن يبتسم وديع لتسأليه: هل تقصّها لي؟
ركبتاك الزاحفتان على الشوك والحجارة نحو ضريح قديسة،
ليتوقف أبي عن السكْر
فستانك الوحيد كأنه لاصق بجسدك، جسدك المترهل الذي خرجتُ منه ذات يوم حاملاً عينين صغيرتين وأصابعَ بالكاد تحتمل الهواء
مادًا يدي تحت نقاط المطر لسيارات سريعة
ذاهبًا إلى باريس بالأوتوستوب
أقنع صاحب المقهى بلغة فرنسية ركيكة
Une bouteille d’Arak extra
لقاء ترويقة مجانية
نائمًا تحت مواقف الباصات في ثلج كانون الثاني
نائمًا في مأوى العجزة، مع مئة وخمسين عجوزًا يسعلون طوال الليل ويذهبون بالدقائق إلى المراحيض
على نهر السين، مع ورق الشجر على المقاهد
على الطريق مع حقيبة كبيرة، راميًا أغراضها قطعة وراء قطعة، وقارئًا على جذوع الشجر: “الصيد ممنوع”
في هندايا، بيدين فارغتين أخيرًا على الحدود الإسبانية،
وينقصني 20 بيزيتا للوصول إلى مدريد
وداعًا
الكنبة قرب الباب، القنينة على الطاولة، الله في السماء، أبي في القبر، الثلج على الجبل
الوقت مغمىً عليه في الشارع، الحياة جالسة مع صديقها وراء الصخرة، غناءٌ يصل إليَّ من مكان بعيد
نمشي حاملين أجسادنا، ملفوفين بضمَّادات عتيقة من الضلوع، ملفوفين بعروق مسروقة، بجلود ناعمة ناجية من الحروب
نضع جسدًا أمام جسد ونحدِّق في الحيطان
هاي، لويس، أعطنا كأسًا أخرى
سركون سيكتب الليلة مئة قصيدة، جاد سيكتب رواية كاملة عن الحرب اللبنانية ويهاجر غدًا صباحًا إلى ملبورن
أعطنا كأسًا يا لويس
الدماغ سيتحوّل بعد قليل إلى قطة لطيفة، العميات سيبصرون، الأبدية ستدلّي أثداءها وتقول خذوا، الله أخيرًا سيقدّم شفتيه، هذه الكرة الأرضية ستصبح من مسروقاتنا الخاصة
سأصبح ملكًا يا لويس اعطني كأسًا
برجي هو برج السرطان، عندما أستيقظ أجد نفسي في العالم من جديد وأنظر مليًا في عورتي
أمشّط شعري وأخسر منه عشر شعرات تقريبًا
برجي هو برج السرطان، برج بلا شَعر، بيد صغيرة بالكاد تزحف على الأرض، بعينين شبه مرئيتين تؤديان خدمتهما الإجبارية على الصخور
أحتفظُ بمنظر سفينة تبتعد، بأصداف ابتسامات غريقة،
بعيون عميان منسية على الرمل
أحتفظ بليالٍ فقيرة تأتي إليها الرياح بالصدفة
ولكن يا لويس أنتَ لا تفهم كل هذا
فقط قلْ لي: لماذا لا تدع صديقي يسند قدميه المتعبتين على زجاج مقهاك وهو بعد قليل سيتابع المشي كل حياته
اسمعي يا أمي مريم العذراء اسمعي يا أمي فرنجيه، أنا لا أحب لويس
الياس صديقي، شعيا صديقي، لكني لا أحب لويس
المطر ينزل على النافذة
في الخارج أواني زهور، كنبةٌ أعتقد أنها تبلّلت
على المقعد كتلة صغيرة، أعتقد أنَّها هرَّة
واقف في شارع صغير، أمدُّ يدي للمارَّة
أنت تعرف يا جاد، كان ينقصنا ربع ليرة للوصول إلى ساحة البرج
مبسّطٌ في شارع الحمراء، مبسّط أمام كلية الآداب، قرب بائع فستق سوداني، أبيع “ليس للمساء إخوة”
وبعد ذلك المعامل في أوستراليا، النهوض في الرابعة صباحًا
وانتظار الباص، والوقوف تسعة أشهر أمام آلة في مصنع هولدن لتجميع تذكرة العودة إلى بيروت
ثم 1975
وحقيبة أمشي بها بين قرية وقرية بائعًا الاسعافات الأولية للمسنّين
قوموا نبحث عن مقهى آخر
“داون تاون” بناء حجريّ جميل، فيه كراسٍ تطلُّ على البحر
نجلس
ونضع إصبعين على البار،
وداعًا إني أشيخ
معي في صدري ضلوع ضعيفة، كانت ترغب يومًا أن تلعب الجمباز
معي رأس بكامل تجاويفه
معي يدان صامتتان أرافقها كل النهار، ثم نتصافح ونذهب إلى النوم
ماذا يفعل كسولٌ على مدى أربعين عامًا بهذه الأعضاء؟
وداعًا
القمر على الماء، رَجُلٌ على الطريق، وشاحنة مسرعة
نمشي كتفًا على كتف، مصطدمين بأنفاس عمياء
راكضون راكضون راكضون
حاملون الحقائب، حاملون الأولاد والنساء، الطاولات والكراسي و المزهريات، وراكضون
متسابقون بأقدام نحيلة، بجذوع أشجار مكسورة، وما الداعي؟ مناسبة متواضعة: الحياة
وداعًا، النافذة أمامي تطلُّ على الميناء، ومغلقة منذ البارحة
المطر خفيف وجميل، الكنبة في الخارج، الأبدية في الممشى،
يدي على الطاولة
قَدَمُ أمي تقيس 20 سنتمترًا
وداعًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى