صفحات أخرى

المخرج السوري نجدت أنزور يتحدث الى “النهار” بعد تعرضه للتهديد:

مسلسل “ما ملكت أيمانكم” يهدف الى المكاشفة المنطقية
ويجب ألا يختبئ أحد خلف إسلامه ويشعل الحرائق ثم يقول إنه مسلم
أكد المخرج السوري نجدت أنزور في حديث مع “النهار” انه يعيش حياته بشكل طبيعي لكنه بات اليوم اكثر حذرا بعد تهديدات مباشرة تمس حياته وفنه من خلال التحريض ضده من احد كبار علماء الدين الاسلامي في سوريا الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي على خلفية اخراجه مسلسل “وما ملكت أيمانكم” الذي تبثه فضائية “المستقبل” اللبنانية التي يملكها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري.
وقال المخرج أنزور “لا يوجد أي نص ديني – لا في القرآن الكريم ولا في الحديث الشريف – يمنع استخدام مفردة أو جملة وردت في القرآن الكريم كعنوان لكتاب أو مؤلف ما، سواء أكان مصوراً أم مكتوباً. والقرآن الكريم من الرحمة والسعة والروعة بحيث أنه يحوي اللغة العربية كلها بأعظم صورها. في هذا المعنى اذا كان الاعتراض على الاسم من هذا المدخل، فأعتقد أنه اعتراض لا يستند لا إلى الدين ولا إلى المنطق”.
كلام أنزور جاء في حديث مع “النهار” ردا على رسالة تحذير ومناشدة كان اطلقها رجل الدين الاسلامي رمضان البوطي وهو استاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق، قائلاً: “المحطات الفضائية التي تبث في محيطنا الإسلامي، إخواني وأخواتي المؤمنين بالله ورسله في شرقنا الأوسط، إنني لست متنبئاً بغيب، ولست من المتكهنين بأحداث المستقبل. ولكني أحمل إليكم النذير الذي رأته عيني، إنها غضبة إلهية عارمة، تسدّ بسوادها الأفق، هابطة من السماء وليست من تصرفات الخلائق. إنها زمجرة ربانية عاتية تكمن وراء مسلسل السخرية بالله وبدين الله، الفياض بالهزء من المتدينين من عباد الله، إنه المسلسل الذي أبى المسؤول عنه إلا أن يبالغ في سخريته بالله وبدينه، فيقتطع من كلام الله في قرآنه عنواناً عليه، ويسميه ساخراً: “وما ملكت أيمانكم”. أما سوريا فقد تبرأت إلى الله منه ومن الاعتراف به، ومن بثه، وأما الإخوة القائمون على المحطات الفضائية التي تبث في محيطنا الإسلامي، فإن سبيل صرف هذه المصيبة المرعبة عنا، أو إنزالها بلاءً ماحقاً علينا، رهن بموقفهم من هذا المسلسل الإجرامي المهلك. إنني أناشدهم الخوف من مقت الله، والرحمة بإخوانهم عباد الله، أن لا يتورطوا في بث شيء من هذا المسلسل. إن الغضبة الربانية التي رأتها عيني، معلقة الآن بالأفق، فاصرفوها جهد استطاعتكم عن محيطنا، ولا تكونوا سبباً في إطباقها علينا. أللهم اشهد أني قد بلغت، أللهم لا تحرقني ولا من يلوذون بي، ولا بلدتنا المباركة هذه ولا القائمين عليها في ضرام مقتك هذا”.
وقال أنزور تعليقاً على ذلك: “ماذا لو سميت أحد مسلسلاتي “التين والزيتون” أو “طور السنين” أو “سبأ” أو “مكة المكرمة”؟ إضافة إلى ذلك أنا انطلق من كوني أحمل ثقافة اسلامية اعتز بها والاسلام العظيم ليس ملكاً لفرد أو لجماعة. انه أرث الأمة الباقي إلى أبد الدهر. في اعتقادي أن الاتهام من هذا المدخل يدل بشكل واضح على الاستهداف الشخصي ومحاولة استعداء الجمهور سلفا. الأمر واضح في الشكل والمضمون”.
واضاف المخرج الذي خاض العديد من المعارك الفكرية وعايش تجارب صعبة خرج من معظمها منتصرا على كل من ناصبوه العداء او كمنوا له: “مع احترامي الشديد، فأنا في كل أعمالي السابقة، التاريخية والمعاصرة، حرصت على ابداء أكبر قدر من التقدير للاسلام ديناً وثقافة ورجالاً: “صلاح الدين”، “فارس بني مروان”، “سقف العالم”، و”الحور العين” لكن البعض لا يفرّقون بين الاسلام كدين عظيم متسامح وبين بعض المسلمين الذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على الدين، وهذا لا يحق لهم أصلاً. أنا كفنان أتعامل مع مجتمع إسلامي بألوان لوحته كلها. لقد قدمت رجل الدين النموذج الأمثل وقدمت آخر يحاول تحقيق مشروعه السياسي من طريق الدعاوة الدينية في المجتمع الإسلامي. منقبات ومحجبات وسافرات، ليس لي موقف مسبق من أي منهن. سلوك المرأة وحركتها هما اللذان يعنينانني كفنان. أعرف محجبات رائعات ثقافة وسلوكاً وإيماناً ورقياً وأعرف أخريات لسن كذلك. أمي محجبة وقريباتي محجبات، وهذا أمر طبيعي وفطري. لكن من غير الطبيعي أن يتم استثمار هذا الأمر لتحقيق مشاريع سياسية، والأهم من ذلك كله أننا أمام لوحة حركية تحوي عشرات بل مئات الجماعات السياسية الاسلامية الجهادية والدعوية والصوفية، وكل جماعة لها رأي يخالف الآخر وأحياناً يتناحر معها. الأمثلة من الصومال الى لبنان والعراق وافغانستان. أرحمونا يرحمكم الله. حينما أنجزت “سقف العالم”، دافعت بضراوة عن الثقافة الإسلامية والدين الاسلامي في عمل فني ترك تأثيراً أكثر من كل ما كتب في الانترنت ووسائل الإعلام. انطلق المسلسل من نقطة مركزية وهي الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه الهجمة الصهيونية. غريب! ينسون ذلك ويهاجمونني لأنني أتحدث عن مجتمعي. هذا هو مجتمعي، فيه العلماني والمتدين والمتطرف، والذين ذهبوا في التطرف إلى وجه القتل العمد، وفيه المحجبات والسافرات، وفيه رجل الدين النموذج، وفيه المتسلق على الدين، وفيه الفاسد المستعد لتحويل الدين الحنيف استثمارا، وتحت الطاولة يمارس كل أشكال الفساد والرذيلة. مهلاً! العمل الدرامي هو انعكاس للمجتمع. أنا لا أدين نموذجاً. أنا أعرف نماذج كما هي في الواقع بجمالية فنية ودرامية خاصة”.
وقال: “أرجو أن يكون الحوار الموضوعي هو مدخل أي نقد وليس تسليط سيف الاستفزاز والاتهام، وأود أن أذكّر البعض بأن الخليفة العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أخطأ عمر وأصابت امرأة. الرجال العظام يقبلون النقد من امرأة عادية والبعض في زماننا لا يقبلون نقداً حتى من نخبة الأمة. اقترح عليهم بعض التواضع والعودة إلى تراث هذه الأمور وهذا الدين العظيم ليكونوا أكثر تسامحاً واتساعاً”.
وكشف انزور لـ”النهار”: “مسلسل “ما ملكت أيمانكم” يهدف الى مكاشفة منطقية ويجب ان لا يختبئ احد خلف اسلامه ويشعل الحرائق ويبيح المحرمات ثم يقول إني مسلم، لا احد مسلما اكثر من احد، كلنا مسلمون. لا يخفى على أحد الآلام المبرحة التي عانت منها مجتمعاتنا بسبب التشدد والتطرف وفتاوى القتل، ولا أريد أن استفيض في هذا الأمر. الاسلام الحنيف يسع الأرض ومن فيها حتى قيام الساعة ولكن ثمة من لا يتسع صدره لعرض شيء من الحقائق. وأود هنا أن أذيع سراً صغيراً، هذا الخط في المسلسل هو مذكرات شخصية لأحد الجهاديين وهي موثقة. وأكتفي بذلك. السيناريو حوّل المذكرات مشاهد، وحذف منها الكثير من القصص القاسية والمؤلمة التي قد تفهم خطأ. لا أحد فوق النقد. قليل من التواضع أيها الإخوة، لستم أكثر حرصاً مني على الإسلام ومن حقي أن أقدم وجهة نظر مختلفة. لا أوحي من أعمالي بإدانة أحد أو الترويج لأحد، فأنا فنان معروف بما يكفي لكي لا أتوسل موقعاً، لكن أعتقد أن لكل منا دوراً وأتمنى أن اسمع نقداً موضوعياً، أو بالتي هي أحسن فإنني سأشكره، لكن أن تمتلئ المواقع الالكترونية لبعض الجهات بالشتائم والاستفزازات فأعتقد أن هذا ليس من أدب الإسلام ولا من أدب الحوار وهو لا يؤدي إلى أي نتيجة. أنا لا موقف سلبياً لي من أحد مسبقاً، إنما أتعامل مع ظواهر، ومهمتي كفنان أن أكون شاهداً على عصري، ومعظم أعمالي إن لم تكن كلها هي بعض شهادتي على العصر الذي أحيا فيه، وإلا فما هو دوري كفنان؟ هل دوري فقط أن أجري خلف الأموال السهلة أو المشبوهة؟ لو كان الأمر هكذا لهان الأمر ولرأيت الكثير ممن يشتمونني الآن يدورون حولي. ليس هذا دوري ولن أخون هذا الدور. وأعتقد أن هذا حق المبدع وواجبه”.
وختم أنزور حديثه بالقول: “كما ترون انه يهدر دمي ويستبيحني”.
يذكر أن هالة دياب كتبت السيناريو والحوار، أما التمثيل فيشارك في بطولته عدد من الفنانيين السوريين ابرزهم عبد الحكيم قطيفان (وهو معتقل سياسي سابق)، سلافة معمار، مصطفى الخاني، قيس الشيخ نجيب، وديما قندلفت.
وكان الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي قد رفع من وتيرة انتقاده للمسلسل مؤكدا انه رأى فيه وباء نازلا من السماء بمظهر مادي مرعب، ذي بقع سرطانية حمراء تبعث على التقزز والاشمئزاز، ومع هبوطه السريع نحو الأرض أخذت تنفصل منه حيوانات كثيفة وكثيرة طائرة راحت تنتشر وبسرعة فوق دمشق، وقد علمت أنها جراثيم لوباء خطير متجه للتغلغل داخل البلد، مشيرا إلى أن هذه الرؤية استقرت في ذهنه بهذا الشكل، ولم يكن له في ذلك أي اختيار.
وقال البوطي في حوار له على موقعه “نسيم الشام” إنه لم يقم بتكفير المخرج نجدت أنزور موضحا “لا أذكر أنني كفّرت مسلماً طوال حياتي، وليس لي أن أنزع منه صفة الإسلام الذي يعتز به وينتمي إليه. ولكني على يقين أنه تورط في هذا المسلسل في أخطاء وانحرافات كبيرة، لا سيما إطلاق الكلمة القرآنية ذات الإيحاءات المعروفة في أذهان كثير من الحداثيين والعلمانيين والملحدين، وهي “ما ملكت أيمانكم”، ونحن لم نفهم من هذا الإطلاق إلا السخرية بالكلمة القرآنية”.
وأشار البوطي إلى أن “غلطة” أنزور تعتبر معصية، والمعاصي كبرت أم صغرت لا تستلزم في حد ذاتها الكفر، بل في تاريخنا الغابر والحاضر كثير من الذين توغلوا في أكبر المعاصي، تحولوا فأصبحوا من أقوم الناس دينا وأفضلهم صلاحا وسلوكا، مضيفا “وإني لأرجو أن يكون مآل هذا المخرج إلى مثل مآل هؤلاء الذين تحولوا فأصبحوا من أصلح الصالحين، على أن المسؤولية ليست مسؤولية المخرج وحده، بل هناك المؤلفة، ولعلها تتحمل من ذلك القسط الأكبر”.
وردا على قول أنزور إن المشاهد السلبية في المسلسل، ما هي إلا صور لأحداث واقعة فعلاً، وليست افتئاتاً على أشخاص، أكد البوطي أن مجتمع المتدينين والمتدينات فيه أشخاص من قد تتغلب عليهم أهواؤهم ورعوناتهم فيتورطون في الانحراف، وهذه سنّة ربانية ماضية في المجتمعات والعصور كلها، حتى في عصر الصحابة الذي هو أفضل العصور.
وتساءل في الوقت نفسه: “من الذي يبرر أن نلطخ بياض الاستقامة البالغ 80 في المئة من المجتمع المتدين بسواد 20 في المئة منه؟! من الذي يبرر أن نستعلن بهذه الأخطاء ونخرجها أمام الأبصار بطريقة مغرية، تشجع الشباب على اقتحامها، وتهون أمامهم من خطورتها، دون أن نبرز مظهر الاستقامة والمستقيمين، ونجعل منه مشجعا للسير في طريقه”.
وختم حديثه بالقول إن أحدا لا يستطيع إصلاح ما أفسده المسلسل “ولكن الذي نملكه هو أن نوصي الناس بأن يعرضوا عنه، وهذا ما لا يروق لأفراد الفريق وفي مقدمهم السيد نجدت أنزور”.

دمشق – من جوني عبو
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى