صفحات ثقافية

الشعر العشوائي

null
عبد الكريم الميناوي
فاجأني صديقي خالد، المتيم بكتابات عبد الفتاح كيليطو، والعاشق لعوالم ألف ليلة وليلة، وهو يتحدث عن “الشعر العشوائي”.
لم أملك إلا أن أنفجر ضاحكاً من طرافة “المفهوم”، خاصة وأنه يـُشـَـبه القصائد الرديئة، التي ينشرها بعض “الشعراء”، بالبنايات، التي تنبت، في ضواحي المدن، من دون جمالية أو نظام.
ومما زاد التشبيه إثارة أن النقد العربي القديم رأى في البيت الشعري شكلا متآلفاً مع بيت السكن، حيث “البيت من الشعر كالبيت من الأبنية : قراره الطبع، وسمكه الرواية، ودعائمه العلم، وبابه الدربة، وساكنه المعنى، ولا خير في بيت غير مسكون، وصارت الأعاريض والقوافي كالموازين والأمثلة للأبنية، أو كالأواخي والأوتاد للأخبية”.
ومما زاد مفهوم “الشعر العشوائي”، وعلاقة “بيت الشعر” بـ”بيت السكن”، طرافة، أن هناك توجها، من طرف المسؤولين المغاربة، هذه الأيام، نحو هدم العشرات من الأكواخ الإسمنتية العشوائية، في مختلف مدن المملكة. ولذلك طرحت سؤالي الضاحك (على خالد) إن كان على المسؤولين، في المغرب، أن يفكروا في هدم بيوت “الشعر العشوائي”، وتقديم بعض “المسؤولين” الثقافيين إلى المحاكمة، كما حدث مع بعض المنتخبين ورجال وأعوان السلطة، ممن صدرت في حقهم قرارات بالعزل والتوقيف، نظير تساهلهم وتواطئهم !
والملاحظ أن “الشعر العشوائي”، كما “السكن العشوائي”، يبقى ظاهرة كونية، تزداد حدتها، أكثر، في البلدان السائرة في طريق النمو (!)، فضلا عن أنها ظاهرة قديمة. وهذا، على الأقل، ما تؤرخ له “حكاية نقدية” و”نكتة قديمة”، تلخصان حاجـَتنا المتجددة إلى إبداء الرأي الصريح في شأن ما يكتب وينشر من “إبداع”.
تقول “الحكاية” إن شاعراً جاء بشار بن برد، فأنشده شعراً ضعيفاً، وقال له : “كيف تراه ؟”، فقال له : “أحسنتَ إذ أخرجته من صدرك، لو تركته لأورثك الفالـِج”.
وتقول “النكتة”، إن الخليفة “المأمون” أنشد قصيدة أمام مدعـُويه وحاشيته، وكان جالساً بينهم الشاعر أبو نواس. وبعد أن انتهى من إلقاء القصيدة، نظر إلى أبي نواس، وسأله : “هل أعجبتك القصيدة يا شاعر ؟ أليست بليغة ؟”،  فأجابهُ أبو نواس : “لا أشمّ بها أية رائحة للبلاغة !”.

غضب المأمون وسَـرّها في نفسه، ثم مالَ على حاجبه، وقال له : “بعدما أنهض وينهض المدعوون وينفضّ المجلس، احـْـبـسوا شاعـرَنا في الإسطبل مع الخراف والحمير”. وقد كان !
وظل أبو نواس محبوساً في الإسطبل شهراً كاملاً، ولما أفرج عنه وخرج من الإسطبل، عاد إلى مجلس الخليفة، وعاد الخليفة إلى نظم الشعر. وقبلَ أن ينتهي من الإلقاء، نهضَ أبو نواس، وهمّ بالخروج من المجلس، فلمحـَه الخليفة، ثم سأله : “إلى أين يا شاعر؟”، فأجابه أبو نواس : “إلى الإسطبل يا مولاي !”.
وكما أن “البناء العشوائي” يقام من دون مخططات تنظيمية، فإن “الشعر العشوائي” يكتب من دون مخططات تنظيمية، أيضاً، الشيء الذي يـُـشعر القارئ بالاختناق، تماماً كما يحدث حين تنعدم شروط السكن اللائق، جراء تلوث الهواء بغبار الشوارع والأزقة غير المعبدة، وتعرض مياه الشرب للتلوث، جراء تداخل شبكة المياه الصالحة للشرب مع شبكة “الواد الحار”.
وفي الوقت الذي يسوق فيه البعض مبررات وذرائع مقنعة، للدفاع عن حق الناس، وخاصة منهم أصحاب الدخل المحدود، في السكن، وامتلاك الدور السكنية، فإن المدافعين عن الحق في “الشعر العشوائي” وامتلاك الدواوين الشعرية، يجدون صعوبة في استقطاب المتعاطفين، وتبرير ما يقترفه بعض المدعين من تفاهات.
كاتب مغربي، مراكش
خاص كيكا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى