زين الشاميصفحات الناس

أشياء تسيء

null
زين الشامي
يبدو أن المسؤولين في بلدنا لا يعرفون صورتهم في الخارج، وما الانطباعات التي تتشكل عند الآخر البعيد منذ أن يسمع كلمة «سورية» أو «النظام السوري»؟ يحاول أبناء سورية في الخارج أن يشرحوا مطولاً أن بلدهم جميلة وشعبهم طيب، لكنهم غالباً ما يفشلون في تغيير الانطباعات المتشكلة على مدار عقود طويلة.
المسؤولون السوريون لا يقرأون ما يكتب عن بلدهم، وإن قرأوا فهم غالباً ما يردون الكتابات المنتقدة إلى نظرية المؤامرة والنوايا غير الحسنة والاستهداف للموقف السياسي السوري في القضايا العربية، وبالتحديد لموقفه من القضايا الإقليمية، مثل موقفه من القضية الفلسطينية، وموقفه من دعم «حزب الله» و«حركة حماس» وموقفه المناهض للوجود الأميركي في العراق، وغير ذلك.
لكن هذا ليس صحيحاً، لأن الانطباعات والأفكار المسبقة عن دولة أو نظام ما، غالباً ما تحددها الأوضاع الداخلية وطرائق تعامل النظام مع أبنائه، وقضايا حقوق الإنسان، والحريات، ومستوى الرفاهية، والدليل على ذلك أن تركيا على سبيل المثال، تتخذ مواقف متعاطفة مع الفلسطينيين، وهي لم تسمح باستخدام أراضيها أو اجوائها للقوات الأميركية عشية غزو العراق، إلا أن أحداً لم يقل أن هناك نظاماً قمعياً في تركيا وبسبب طبيعة هذا النظام فإن أنقرة اتخذت مواقف مشرفة ومتعاطفة مع العراق أو الفلسطينيين.
ان المواقف السياسية السورية التي تخص قضايا الشأن الإقليمي، وبغض النظر على ماهيتها وصوابيتها، أو عدم صوابيتها، ليست هي العامل الأول في تشكيل الانطباعات عن النظام أو صورته في الخارج، سواء كانت صورة إيجابية أو سلبية. كما قلنا طرائق ونهج التعامل مع القضايا الداخلية يعتبر محدداً أساسياً وربما هو المحدد الأول، فمثلاً لا تلغي المواقف «العروبية» أو «المشرفة» أن هناك فساداً مستفحلاً في الإدارات السورية، ولا تلغي المواقف السورية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، أو مواقف دمشق من لبنان، أن هناك قمعاً يستهدف أصحاب الرأي الذين هم بدورهم يحملون مواقف مشرفة وعروبية وقومية.
في هذا السياق، تناولت منذ أيام وسائل الإعلام العربية والدولية، وبعض منظمات حقوق الإنسان قضية المعتقلة الشابة «طل الملوحي» التي اعتقلت العام الماضي على خلفية كتابة قصيدة، أو ربما لأنها عبرت عن رأي ما على مدونتها الالكترونية، وكم كان محزناً قراءة الرسالة التي ناشدت خلالها والدة «طل الملوحي» النظام بإطلاق سراح ابنتها، قائلة عنها انها «لا تفقه شيئاً» في السياسة. إن مثل هذه الممارسات هي ما تترسخ في رؤوس المتابعين والمراقبين للشأن السوري وليس الموقف من قضايا الشرق الاوسط الكبرى، لأن المواقف السياسية هي بالنتيجة تحصيل حاصل وتعبير عن مصالح الدولة والنظام فيها، وهي غالباً لا ترسخ في العقول كونها مواقف متغيرة حسب تغير الظروف الإقليمية والدولية وموازين القوى، وغيرها من العوامل، أما قمع الناس وسجنهم، فهو نهج يحفر بعيداً في ذاكرة الناس، ويجعلهم يخافون كثيراً فيما لو فكروا في زيارة سورية، لأنهم سيتذكرون دائماً المئات من الناس الذين اعتقلوا لمجرد ممارستهم حقوقهم العادية.
الشيء نفسه يمكن قوله عن منع فريق قناة تلفزيونية سورية من العمل داخل سورية لمجرد أن صاحبها يحمل توجهاً استقلالياً ولا يريد مشاركة أحد من أبناء النظام في عمله، والشيء نفسه يمكن قوله عن سجن الناشط والحقوقي الثمانيني المحامي هيثم المالح، الذي يقبع في السجن لمجرد التعبير عن الرأي وانتقاده الفساد القائم والموجود. إن مثل هذه الممارسات في حق المواطنين يسيء كثيراً لصورة الدولة في الخارج، فاليوم لا توجد إلا سورية، وبعض الدول القليلة على مستوى العالم، التي تسجن الناس لمجرد تعبيرهم عن الرأي.
ونحن نقول ذلك، من المهم أن نستذكر الدراما السورية والمسلسلات التي عرضت في شهر رمضان والتي تعرض على مدار العام، لنقول، كم تلعب هذه المسلسلات دوراً مهماً في إيصال صورة حقيقية وطبيعية عن أوضاع الناس ومشاكلهم وهمومهم، أو بالأحرى الحياة الطبيعية للسوريين بما تحمله من إيجابيات وسلبيات، وما تكتنزه من غنى ووفرة على الصعيد الجمالي والثقافي، لكن حينما نسمع باعتقال شاب، أو فتاة، أو كهل، لمجرد أنهم كتبوا تعليقاً على الانترنت، أو نشروا مقالاً هنا أو هناك، أو حتى قصيدة متعاطفة مع أهل غزة، مثلما فعلت الشابة «طل الملوحي»… فإن ذلك يهدم ما تبنيه المسلسلات السورية الشيقة في لحظة.
الآخرون البعيدون غالباً ما يحبون الدراما السورية، واللهجة السورية، والطعام السوري، والمدن والناس في سورية، لكن ثمة أخباراً تجعلهم يخشونها.
هل يعرف المسؤول في سورية ذلك؟
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى