صفحات ثقافية

أيّ كتاب، أيّ كاتب تنقذ لو شبّ حريق في مكتبة العالم؟

null
“ألف ليلة وليلة” أم “دون كيشوت”، شكسبير أم المتنبي
ماذا لو شب حريق هائل في مكتبات العالم كلّها، مثلا؟ ماذا لو لم يكن في وسعنا سوى انقاذ كتاب واحد من الحريق والتلف؟ فأي كتاب كنا لنختار من مكتبتنا المحترقة؟ ولماذا؟ توجهنا بهذا السؤال الى عدد من الكتاب والفنانين، وعدنا بحصيلة كتب وكتّاب نفدوا “بجلودهم” من النيران.
الشاعر بول شاوول يختار أعمال شكسبير “لأن كتبه لا تستنفذ، وقيمتها في لغتها وتركيبتها وكيميائيتها وغناها ودلالاتها”. فضلا عن أن أعمال شكسبير ذات قيمة مسرحية مهمة في رأيه، “لأن هذا الفنان تمكن من أن يوازي بين اللغة الشعرية واللغة الدرامية، وهذا صعب جدا. بالاضافة الى أنه طرح قضايا كبرى ما زالت معاصرة. شكسبير معاصرنا اليوم وسيبقى معاصر كل الأجيال، انه شاعر الشعراء وكبير المسرحيين في العالم”.
الف ليلة والمتنبي
الفنان أمين الباشا ينقذ كتاب “ألف ليلة وليلة” لأنه مصدر وحي بالنسبة إليه. ففي نظره هذا الكتاب يحوي كل شيء، وفيه باقة كبيرة من الخيال والحب. يحوي شحنة ايروتيكية باتت ممنوعة في القرن الحادي والعشرين ولكنها لم تكن ممنوعة آنذاك. في نظر الباشا يستطيع المرء أن يقرأ هذا الكتاب مرات من دون أن يمل، وكلما قرأه اكتشف فيه جديدا. “انني أشبه هذا العمل بأعمال كبار الرسامين التاريخيين مثل ليوناردو أو فيلاسكيث، هذا العبقري الاسباني الذي كلما رأيت لوحاته طالعني اكتشاف جديد”.
الشاعر حسن عبد الله ينقذ ديوان المتنبي لأنه “في هذا الكتاب وحده توجد حقيقة الشعر العربي في أصدق معانيها”. الأديب جورج جرداق ينقذ ايضا ديوان المتنبي نظرا الى أهميته الأدبية والابداعية: “انه من أعظم كتب الشعر في العالم”. الروائي حسن داوود يختار كذلك ديوان المتنبي ويقول إن له قصة مع هذا الديوان لأنه أول كتاب اشتراه وكان ذلك عام 1964، وكان عمره 14 سنة. ولا يزال يذكر كيف وافق والده على اعطائه المال لشرائه. كتاب المتنبي له مكانة خاصة عند داوود اذ تعرّف من خلاله الى الشعر عموما وحفظ أبياته. ويصف داوود المتنبي بـ”الشاعر العظيم”.
الشاعر يوسف بزي ينقذ معجم “لسان العرب” لأن المعرفة في نظره هي اللغة- العقل، “واذا اختفت المكتبة الافتراضية، فعلينا اعادة تأسيسها، أي حفظ العقل- اللغة. في هذا المعنى، القاموس هو الكتاب الذي يستحق البقاء”.
الشاعر زاهي وهبي ينقذ رواية “لمن تقرع الأجراس؟” لأرنست همنغواي. قال إنه قرأ هذه الرواية عندما كان مراهقا وأحبها حد اعادة قراءتها أكثر من عشرين مرة. وأعجب كذلك بشخصياتها الى درجة أنها غدت حاضرة معه في كل مكان حتى في المعتقل الاسرائيلي. فعندما أوهمه جندي اسرائيلي بأنه سيطلق عليه النار، حضر الى ذهن وهبي فورا مشهد مصرع الانكليزي الذي هو ختام الرواية.
الشاعر يحيى جابر قال انه ينقذ كتابا من كتبه لأن كتبه تحتل مكانة مهمة في كيانه: “انها أغلى شيء عندي”، أما الكاتبة سلوى النعيمي فتفضل مراقبة الحريق بدهشة: “صدمتني الفكرة وبدأت أتخيلها صوراً كما في الأفلام. حريق في مكتبة العالم؟ كتب مكدسة والنار تشتعل في صفحاتها؟ أي رعب! هذه جهنم. يمكن أن تكونها. لحسن الحظ أن هذا لا يحدث إلا في مخيلة الصحافيين. سأتفرج مسحورة حتى آخر كتاب، من بعيد. طبعاً لن يكون هناك اطفائيون في المشهد ولا من يلقي بنفسه في اللهب لإنقاذ كتاب”.
الكتب المقدسة
هذا السؤال ذكّر أيضا الكاتب ياسين رفاعية بحريق مكتبة الاسكندرية، الذي احترقت فيه آلاف الكتب والمخطوطات التي لا تقدّر بثمن. يرى رفاعية أن الاهتمام بالمكتبات غدا ضعيفاً جداً في هذه الأيام، وبات التلفزيون والكومبيوتر أهم من كل المكتبات والكتب. هو يحتار بين ثلاثة كتب تحتل مكانة مهمة عنده. “اذا صادف لا سمح الله أن كنت قريبا من حريق مكتبة ما، فإنني أختار كتابا قد لا أجده في مكتبة أخرى، مثل العهد القديم والعهد الجديد (التوراة والانجيل)، لأن أحب ما في التوراة اليّ نشيد الأناشيد، واذا أتيح لي أن أختار أيضا فأختار رواية “الساعة الخامسة والعشرون” لفرجيل جورجيو التي قرأتها وأنا شاب، ولم أعثر على نسخة ثانية بعدما استعارها نسختي محمود درويش ولم يعدها اليَّ… وقد أختار “رباعية الاسكندرية” لداريل. واذا بقي لي وقت لأختار كتابا واحدا فإني أختار الأعمال الكاملة لأنسي الحاج”.
الفنان التشكيلي اميل منعم يركض أيضا منقذاً التوراة بترجمتها العربية “لأن التوراة كتاب يجمع الأسطورة والسيرة والشعر والقصة والتراجيديا في آن واحد”. الكاتبة املي نصر الله تختار أيضا الكتاب المقدس، لأنه ساعدها كثيرا في بداية مسيرتها الأدبية: “يومها لم تكن كل الكتب متوافرة بسبب ندرة عدد المكتبات وكان هذا الكتاب هو الوحيد المتوافر في البيت. أذكر انني كنت أقرأه عندما كنت صغيرة من دون أن أفهم شيئا. كان هذا الكتاب منقذي من الأمية المطلقة”. الكاتب محمد علي فرحات ينقذ أيضا الكتاب المقدس لأنه في نظره يتضمن تاريخا وشعرا ودينا وعنفا، “وهذه العناصر الأربعة تمثل مأساة الانسان على هذه الأرض”. ويقول فرحات إن مقتني هذا الكتاب يمكنه أن ينطلق منه ليدوّن كتابات خاصة به تستلهم الالتباس الالهي والانساني لهذا الكتاب.
الشاعر محمد علي شمس الدين ينقذ القرآن لأنه في نظره “خزان للحكمة ومرشد للانسان في حياته”. الشاعرة والرسامة هدى النعماني تنقذ أيضا القرآن، وهذا السؤال ذكّرها بعمر بن الخطاب حين قيل له مكتبة الاسكندرية احترقت، فأجابهم “ما هم، ما دام لدينا القرآن”. وتقول “أنا كذلك أثني على كلام عمر بن الخطاب لأنني أجد في القرآن لا كتاب دين فقط بل كتاب فلسفة وتاريخ وأخلاق وطبعا لغة فوق كل اللغات. وان استطعت فسأحاول أن أنقذ من كتبي “خاطبني قال، هدى أنا الحق” الذي لم تعد طبعته متوافرة في الأسواق، ثم أنقذ كتب جميع الشعراء الذين أحب، فالشعر هو ملك الملوك”.
دون كيشوت
الشاعر غسان جواد ينقذ رواية “دون كيشوت”: “هذه الرواية تأسيسية وهي من أعظم الروايات في تاريخ البشرية”.
الناقد التشكيلي جوزف طراب يختار أيضا أن ينقذ رواية “دون كيشوت” لأنها “أهم رواية كتبت من حيث تركيبتها وعالمها وطريقة كتابتها”. يعتبر طراب أن ثرفانتس ورابليه هما اللذان اخترعا الرواية الحديثة، وأن الأعمال التي أتت بعدهما لروائيين آخرين “لم تضاههما إبداعا وفنا”. ويقول ان مهارة ثرفانتس الكبرى هي في تركيبة الرواية، فهي قصة ضمن قصة ضمن قصة ورواية تدور حول نفسها، وكذلك في الحس النقدي الذي يتغلغل فيها: “انه فعلا كتاب أستطيع أن أقرأه في كل عصر، وبالنتيجة ثرفانتس وصف لحالة مستمرة لها فاعلية دائمة”.
الكاتبة دلال البزري تنقذ هي أيضا رواية “دون كيشوت” لأنها “مسلية ومضحكة وكلما أعدت قراءتها أضحكتني بطريقة مختلفة. وكلما ازدادت تجاربي في الحياة، أكتشف معاني جديدة في هذه الرواية”. هي معجبة بشخصية دون كيشوت كونها تجمع الرقة والنبل وحب الحياة، والتوق الى المثل العليا التي انقرضت في عصرنا هذا. وأيضا هي معجبة بخادم دون كيشوت “شخصية طريفة وساذجة يكرر دائما الأخطاء نفسها ولا يتعلم من التجارب”.
الشاعر فيديل سبيتي يختار كتاب بول أوستر في “بلاد الأشياء الأخيرة” لأنه يقلب الواقع، وانه كخلفية المرآة. ويضيف: “أنتظر الوقت الذي أستطيع فيه أن أكتب مثل هذه الرواية”. الشاعر حسين بن حمزة يخالف رأي زملائه مختارا كتابا من الشعر الحديث وليس كتابا تراثيا. “اذا احترقت مكتبة العالم فسأستغل فكرة أن الآخرين سيحاولون انقاذ الأعمال والمجلدات الخالدة، وسأبحث عن كتاب “الوقت بجرعات كبيرة” لعباس بيضون لأنه الكتاب الذي قادني الى بيروت وقلب حياتي رأسا على عقب”.
أخيرا وليس آخرا، الكاتب عبيدو باشا ينقذ رواية “المخطوط القرمزي” لأنطوان غالان، “لأنها ملحمة عظيمة يروى فيها تاريخ الأندلس بطريقة غير زائفة”. ويعتبر باشا غالان روائيا كبيرا كونه يفتش عن الوثيقة التاريخية ليجدها لكنه لا يجدها فورا، بل يصفها قبل ذلك تحت مجهر النقد ثم يقرأها عبر تقنيات حصلها من تجربته الطويلة: “يتجاوز غالان الرواسم المتداولة ويروي قصة مختلفة تماما عن الشائع، مؤسسا اياها على مجموعة من اليوميات التي كتبها أبو عبد الله الصغير أثناء أسره. انها من أعظم الروايات في العالم”.

زهرة مروة
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى