صفحات أخرى

ملتقى «بيتشا كوتشا» عكاظ المبدعين السوريين

راشد عيسى
شهدت غاليري «تجليات» في دمشق أخيراً النسخة الثالثة من الملتقى الإبداعي الفصلي «بيتشا كوتشا». والاسم يعني في اليابانية «صوت المحادثة»، الذي بدأت فكرته من طوكيو العام 2003، ثم انتشرت في 357 مدينة في مختلف أنحاء العالم.
فكرة الملتقى، الذي ينظمه «فضاء التصميم الحر»، أن يعرض المصممون والمبدعون أفكارهم ومشاريعهم بقصد الترويج لها، أمام جمهور من المهتمين، من إعلاميين وأصحاب فعاليات ومؤسسات اقتصادية وثقافية، ممن يهمهم العثور على أفكار جديدة قد تسهم في تطوير أعمالهم. والمشاريع تتنقل بين الفن التشكيلي والتصميم الغرافيكي، تصميم الديكور، التصميم الصناعي إلى تصميم الأحداث الثقافية.
ومما يميز ملتقيات «بيتشا كوتشا» أيضاً طريقة التقديم ، فالوقت محدد سلفاً، حيث لكل مصمم 20 صورة فقط، عليه أن يشرح كلاً منها في 20 ثانية.
لكن الفكرة ليست مبارزة بين المشاركين، إذ غالباً ما ينتمي كل مشارك إلى اختصاص. إنها اختصار لطريق طويلة لوصول الفكرة أو المشروع. لا مجال هنا لـ«الفن من أجل الفن»، فالفكرة تطرح في السوق على الفور، حتى لو كانت من مستوى ثقافي رفيع. المشروع، الذي ما زال مجرد أفكار ورسوم على الورق، سيجد نفسه في قلب السوق، وهو الاختبار والمحك. هل يمكن الحديث هنا عن عملية تسليع للثقافة والفن، خصوصاً أننا نجد فنانين وكتاباً يطرحون أفكارهم كما لو أنها بضاعة (لعلها واحدة من مرات قليلة أن يدفع الناس ثمن تذكرة لحضور فعالية من هذا النوع). لكن قد يكون الأمر على العكس تماماً، بمعنى أن يكون دخول فنانين ومبدعين إلى السوق إضافة لمسة إبداعية تستلهم ما تشاء من التراث أو الحداثة. يتذكر المرء هنا ورشة تدريبية أقامها «فضاء التصميم الحر» أخيراً حول تصميم واجهات المحال التجارية، الأمر الذي من شأنه أن يطور المشهد الجمالي، وذائقة المدينة، التي لا بد ستصبح عندها أكثر تطلباً وتذوقاً.
توثيق
لكن جمهور «بيتشا كوتشا» ليس محلياً تماماً، فلعل المساهمة الأكبر هي في النشر والترويج على المستوى العالمي، حيث يصار إلى وضع مساهمات الفنانين والمبدعين على الصفحة الرسمية لـ «بيتشا كوتشا» على الانترنت ليراها جمهور «بيتشا كوتشا» في مختلف مدن العالم.
«بيتشا كوتشا» كان ضم في ملتقاه الماضي (تموز 2010) ستة مصممين، من بينهم عمر نقولا المتخصص في فن الكتاب، والمعماري ميشيل زيات، وعبير بخاري مديرة فضاء «الفن الآن»، ورسامة الأطفال نادين كعدان، والمهندس الطبي طلال حيدر الذي قدم اختراعاً في مجال الصف الالكتروني لتعليم المكفوفين.
أما الملتقى الأخير فقد ضم تسعة مصممين هم هشام زعويط، وهو مصور فوتوغرافي، الذي قدم مشروع «الوكالة السورية للصورة»، وهو يهدف يطمح لأن يكون المشروع وطنياً، يسعى إلى توثيق التراث الثقافي والحضاري، كما نقدم فيه بلادنا من وجهة نظرنا لا كما اعتاد السياح أن يقدموها كما قال. وأشار زعويط إلى تجربته في مشروع كتاب «أنا أنت هم» الذي يبحث في مفهوم المواطنة سوريا ثم مشروع «سوريا من السماء» الذي جاء في إطار المشروع الكوني المعروف «الأرض من السماء».
تقديم الذات
أما وسيم قطب، وهو طبيب وعازف بيانو أراد أن يجمع بين اختصاصين فقدم مشروع العلاج بالموسيقى، وعرض تجربته خصوصاً في علاج ذوي الاحتياجات الخاصة. كما قدم عمرو حاتم مشروعاً لمحطة تلفزيونية تختص بالموسيقا وعرض كيفية ومراحل العمل على هويتها البصرية واللوغو الخاص بها. وتحت عنوان «إحساساتنا بالقماش» قدم مصطفى عاشور مشروعاً في العمارة يستلهم من تاريخ العمارة وتصميم الأزياء.
معظم ما قدم في الملتقى هذه المرة غلب عليه تقديم الفنان لذاته أكثر من تقديم مشروع أو سلعة للترويج، بل إن بعض هذه المشاريع كان «مبيعاً» سلفاً، كما في مشروع «الوكالة الوطنية للصورة» الذي تبنته الهيئة السورية للتنمية في إطار مشروع الحاضنة الثقافية. وكذلك مشاريع الفنان علي محمود الذي عرض بعض مشاريعه في الإعلان والتسويق وصياغة الهوية البصرية، لمؤسسة كما في عمله مع «دمشق عاصمة الثقافة العربية» التي صاغ هويتها البصرية.
كذلك قدمت الفنانة التشكيلية إيمان الحاصباني تجربتها في معارض وملتقيات وورشات عمل، وأبرزت مفردتين اشتغلت عليهما هما عقد الإيجار وحقيبة السفر، قالت إنهما كل ما يربطني بهذه المدينة. وتحدث وائل أبو عياش، الذي يعمل في التلفزيون السوري، عن تجربته في ديكور الأعمال والبرامج التلفزيونية وفي صعوبات البحث عن الاكسسوار. وقدم زكريا الطيان رؤيته لفن السنوغرافيا وبعض تجاربه في عروض مسرحية أو سينمائية.
أما مداخلة عبد الله الكفري، وهو صحافي وكاتب مجتهد، التي وقعت تحت عنوان «الكتابة المسرحية: تمارين عن الذاكرة» فبدا بالنسبة إلي الأغرب بين ما قدم، فهو لم يكن مشروعاً واضح المعالم، بل أقرب إلى درس في ورشة عمل اختصاصية في الكتابة المسرحية.
هذه المرة خشيت قليلاً على «بيتشا كوتشا»، وشعرت بأن المفهوم الأصلي للملتقى، من حيث هو عرض لمشاريع وتصاميم ومنتجات افتراضية، يفلت قليلاً من صناعه، ليتحول من عرض للإبداعات إلى عرض للمبدعين. ورغم ذلك يجد المرء أن تحولاً واضحاً بدأ يصيب المدينة ومفاهيمها الثقافية التقليدية، و«بيتشا كوشتا» من أبرز علامات هذا التحول.
(دمشق)
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى