صفحات سورية

قمة الاعتراف بالمصالح

سليمان تقي الدين
لا يقوم نظام دولي مهما كانت طبيعته إلا على قاعدة الترابط مع الأنظمة الإقليمية. لم تبلغ العولمة حتى الآن المستوى الذي يلغي معطيات السيادة القومية للدول والمصالح الخاصة لأمنها القومي والمدى الحيوي الضروري في محيطها القريب. إن أبرز ما واجهته الولايات المتحدة في محاولة تشكيل النظام الدولي من حول قيادتها المنفردة للعالم هو عدم أخذها في الاعتبار لمصالح دول في الاتحاد الأوروبي وروسيا والشرق الأوسط. الحراك الحاصل الآن على المستوى الدولي، لا سيما الرد الروسي في جورجيا والمبادرات الفرنسية، يعبّر عن تجليات مصالح الدول ذات الفاعلية إقليمياً مستفيداً من الانكفاء الأميركي الراهن وعدم المبادرة سواء بسبب الانتخابات الرئاسية أو بسبب المراجعة الضمنية للسياسة الخارجية وارتباكها.
الاهتمام المشترك الذي يجمع أطراف القمة الرباعية في دمشق هو دون شك مطلب الاستقرار والحد من الحروب وكبحها بعد ظهور ملامح فوضى دولية مع الحروب الاستباقية الأميركية وفشلها.
لا أحد طبعاً يستطيع أن ينسب لهذه أو تلك من المبادرات صفات تشكل محاور دولية جديدة تقود إلى الحرب الباردة كما كانت من قبل، لكن الدول القوية تسعى جادة في الدفاع عن مصالحها وأمنها الإقليمي ومن أجل بناء توازن دولي ينطلق من قاعدة الأنظمة الإقليمية نحو صياغة جديدة للنظام العالمي.
هذا التحوّل في المناخ الدولي الذي ينطوي على حد من الاعتراض على السياسة الأميركية لم يكن ممكناً لولا الاختراقات الواسعة للمظلة الأمنية الأميركية في العديد من المواقع، من أفغانستان إلى العراق، ومن فلسطين إلى لبنان، ومن جورجيا إلى باكستان.
في مطلق الأحوال إذا نحن استبعدنا احتمالات سلوك الإدارة الأميركية طريق المغامرة غير المحسوبة، فالإدارة المقبلة مضطرة لاعتماد سياسة مستوحاة من توصيات لجنة »بيكر هاملتون«. عملياً لن تكون هناك حروب أميركية مباشرة دون أن يعني ذلك تخلي الولايات المتحدة عن سياسات الحروب الإقليمية أو التي تتم بواسطة النزاعات المحلية. لكن الواضح أن الإدارة الأميركية مقبلة على تحديث إدارتها للسياسة الخارجية وعلى تحديث الأنظمة الحليفة لها ولو اضطرت إلى تبديل حلفائها الأساسيين أو التعاون مع دول سبق أن وضعتها على قائمة التغيير.
إن ما يميّز السياسة الفرنسية الآن في انفتاحها على دمشق وفي تعاونها الواسع لمعالجة قضايا إقليمية من بينها لبنان هو الارتكاز إلى الاعتراف بالمصالح الحيوية للدول. لا يمكن الطلب من سوريا التعاون في لبنان من دون ضمان مصالح سوريا، خاصة الأمنية والسياسية فيه، والمقصود هنا المصالح المشروعة.
ومن الطبيعي أن يرتاح اللبنانيون إلى علاقات لبنانية سورية يضمن الجانبان فيها كلٌ منهما أمن الآخر ولا يهدده بأي صورة من الصور. في واقع الأمر إن أمن لبنان واستقراره حاجة لسوريا والعكس صحيح أيضاً. ولا يجوز أن نستغرب إلحاح دمشق على معالجة الأمن في الشمال وعلى معالجة ظواهر التطرف السياسي والديني. فمن حسن حظ لبنان أن سوريا ما زالت دولة تلتزم خطاباً ونظاماً علمانيين وإلا دخلنا في سياق من العنف والفوضى الشاملين. إذا اطمأن اللبنانيون بوعي لهذه الحقيقة فإن طبيعة العلاقات الأخرى يحددها الجانب اللبناني فعلاً، فهي إما أن تكون »أخوية مميزة« أو »ندية« طبيعية ولكن فاترة. هذا ما قاله المسؤولون في سوريا لرئيس الجمهورية اللبناني. إذا خرج اللبنانيون من عقدة »التفوّق« وعقدة »الخوف« المزدوجة في نظرتهم إلى سوريا، فإنهم سيختارون العلاقات »الأخوية المميزة« لأن لبنان يستفيد من العمق السياسي والاقتصادي والأمني السوري القوي وليس العكس. على بعض اللبنانيين أن يخرجوا من واقع الصدمة التي أحدثتها عودة سوريا لممارسة دورها الإقليمي وأن يضعوا أقدامهم على الأرض بعد الكثير من الأوهام والهواجس.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى