صفحات العالمما يحدث في لبنان

الأمل في التسوية!

سليمان تقي الدين
لا أحد يملك أي معطى جدي يطمئن اللبنانيين على استقرارهم السياسي والأمني. كل الوقائع تشير حتى هذه اللحظة إلى عدم تلاقي المصالح والمواقف لتجنيب البلد تداعيات القرار الاتهامي للمحكمة الدولية. عاد الموقف الأميركي يدفع بالأزمة في وجه محاولات البحث عن تسوية لبنانياً وعربياً. الجميع يدرك أن ليس في نظامنا السياسي آليات لاستيعاب الأزمات السياسية وحلها بالوسائل الديموقراطية. فلا الأكثرية النيابية ولا حكومة أكثرية ولا حتى الأكثرية الشعبية تستطيع أن تحسم الخيارات الوطنية. لا يوجد حتى الآن ترسيم حدود سياسية بين الداخل والخارج، بين الدولة والطوائف، بين العام والخاص.
لم يجد اللبنانيون بعد صيغة تؤمّن التعايش السلمي والتوازن المستقر بين هذه التعارضات. البنية السياسية اللبنانية مفتوحة على الخارج من دون حدود. والخارج يستوطن الطوائف ويستخدمها.
في المواجهة اليوم تقف أطراف دولية وراء «المحكمة الخاصة» كإحدى وسائل الصراع. تنتفي فكرة العدالة أصلاً مع الخصوصية والاستنسابية والانتقائية فضلاً عن النتائج المحتملة لها. وقع لبنان في مصيدة «المجتمع الدولي» وتنازل عن دوره في إدارة العدالة وبالتالي الأمن. ليس القرار الاتهامي مجرد ضغط سياسي أو تشويه سمعة، بل هو مقدمة لقرارات دولية تطاول لبنان ودولاً في المنطقة بما صار يُعرف «التدخل الدولي لأسباب إنسانية». وتحت هذه اللافتة، وازدواجية المعايير والاستنساب جرى القفز فوق مبدأ سيادة الدول التي يمكن استهدافها.
يبدو النصف الثاني من ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما متجهاً إلى مغادرة سياسة الانفتاح والحوار واستعادة نَفَس المواجهة.
ليست الحرب الشاملة هي الوسيلة الوحيدة لذلك، بل هناك إدارة الأزمات وتصعيدها وتغذية الحروب الأهلية كأبرز أدوات الضغط لتطويع الدول والمجتمعات وإخضاعها. تحت هذه المظلة الأميركية تدور أزمة العراق والسودان واليمن وفلسطين ولبنان. كما تدور حروب باردة في الخليج يستثمرها الأميركيون في سباق التسلّح وتجارته وفي لعبة الخوف والحماية. لا تشتغل السياسة الأميركية من خارج فقط. هناك دول وشعوب وجماعات تسيطر عليها نخب سياسية واقتصادية مرتبطة عضوياً بالمرجعية الأميركية. من باب أميركا و«المجتمع الدولي» خسرنا فلسطين والعراق، ومن باب أميركا نبرّر عجزنا، ومن باب أميركا أَسقط معظم النظام الرسمي العربي عداءه لإسرائيل وانزلق إلى صراعات عربية وإقليمية أخرى. لكن هذا الخلل الأساسي في الوضع العربي الرسمي كان وما يزال يغرف من وعي سياسي مشوّه يقوم على تحييد أميركا أو قراءة الأحداث السياسية بأفكار قاصرة على السطح السياسي، أو في اختزال إيديولوجي. علينا أن نعترف ونفهم أن كفاحنا الوطني من أجل الحرية والاستقلال والتقدم كان ينقصه الوعي والبرنامج والأدوات لبناء المجتمعات الحرة المستقلة القابضة على وسائل التقدم.
كانت المفارقة التاريخية وما تزال أن حوّلنا الصراع إلى صراع هويات قومية أو دينية، وننزلق اليوم أكثر في هذا المسار بدل أن نجعل منه مواجهة حول مضامين الاستقلال السياسي والتقدم ومرتكزاته الاجتماعية والإنسانية. وها نحن نقبل ونمارس بردة فعل صراع الحضارات والثقافات بينما تنجح شعوب أخرى في بناء استقلالها وقوتها على التنمية أو حتى على النمو الصناعي. ونكاد ننقسم على أنفسنا اليوم ونحن نسأل لماذا ننجز الكثير في المقاومة الميدانية ونعجز عن مراكمة إنجازات لا يمكن الارتداد عليها أو محوها!؟
طردنا الاحتلال الإسرائيلي وانقسمنا حول الدفاع عن هذا الإنجاز. كسرنا شوكة «الانعزال» وعدنا نواجه «الانعزال» لأنه في أساس نظامنا الطائفي وليس صفة تلصق بجماعة أو طائفة. تحرّرت الأرض ولم تتحرّر الإرادة. أعدنا إنتاج نظام تابع لأن السلطة التي قامت هي سلطة قوى تابعة. تستّرت الطوائف على بعضها لأن قوى الطوائف تتشارك في بنياتها الاجتماعية وتتشابه نخبها وتتعاون.
علينا أن نفسّر للبنانيين لماذا خطر الفتنة والحرب الأهلية هو آلية التغيير. ولماذا يبقى التغيير عند حدود إطاحة حكومة أو طاقم سياسي لإعادة إنتاج طاقم حديث للمصالح نفسها. لقد آن لنا أن لا نعطي وكالات حصرية عن مصيرنا لأحد. آن لنا أن نعطي ولاءً مشروطاً لهذه أو تلك من القوى والتيارات. وآن لنا أن نذكّر باستحالة إنتاج دولة واستقرار بالعدالة وحدها وبالمقاومة وحدها وقطعاً بالعنف الذي لا يقدم للناس مشروع حياة أفضل. ولأنه لا أفق من أي نزاع أهلي نريد التسوية بأي ثمن وبأية تنازلات من جميع الفرقاء حيث لا مكان لتغيير يضع البلد على طريق الاستقرار.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى