صفحات العالمفايز سارة

… عن الحروب ضد «القاعدة!»

فايز سارة *
بدت المعارك التي شنّها الجيش الموريتاني في صحراء مالي ضد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي» فصلاً جديداً ومتواصلاً من الحرب على القاعدة، التي دخلتها موريتانيا في تموز الماضي، واتسم هذا الفصل من الحرب بالشدة والاتساع من حيث تنوع استخدام الاسلحة البرية والجوية ومن ناحية الخسائر البشرية التي وقعت في صفوف قوات الجيش وعناصر القاعدة في حرب وصفتها المصادر العسكرية الموريتانية بالقول إنها تندرج في إطار مكافحة هذه العصابات الإرهابية التي تعيث فساداً في منطقة الساحل والصحراء وتهدد الأمن والاستقرار على طول الحدود الموريتانية.
والعمليات العسكرية الموريتانية ضد تنظيم القاعدة في موريتانيا، تمثل بعضاً من حروب مباشرة بين قوات مسلحة حكومية وجماعات القاعدة، تتوالى في الكثير من بلدان العالم ولا سيما البلدان الاسلامية، حيث خاض الجيش اليمني ويخوض، وقبله الجيش السعودي، معارك ضد عناصر القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ومعقلها الرئيس في اليمن، كما كان العراق مسرحاً لمعارك تلاحقت بين القاعدة في بلاد الرافدين وقوات عراقية وأميركية على مدار الاعوام الماضية.
وأهمية المعارك العسكرية ضد القاعدة وتنظيماتها مع قوات نظامية، انها تمثل محاولات اقتلاع للقاعدة بالحد الاقصى من العنف المسلح، وهو احد انواع الحرب على القاعدة، يتواصل مع حروب اخرى، منها الحرب الامنية في مواجهة تنظيمات القاعدة، والتي لا تقتصر كما هي الحرب العسكرية على بلاد محددة، بل تكاد تشمل العالم كله بما يحيط بها من تعاون امني وكثافة امنية في المستويات الاقليمية والدولية، اضافة الى ما يجري في المستويات المحلية من تعاون بين الاجهزة والمؤسسات الامنية… وتتواصل في اطار هذا الجانب عمليات جمع المعلومات وتبادلها، ثم ملاحقة رموز القاعدة وعناصرها لاعتقالهم، وقتلهم في اغلب الاحيان، بحسب ما تشير الأخبار والتقارير الإعلامية.
وبين الحروب القائمة على تنظيمات القاعدة وجماعاتها، حرب سياسية – اعلامية، تتواصل فصولها على المستويات كافة، وتتشارك فيها الحكومات ووسائل اعلامية، اضافة الى جماعات ومنظمات سياسية واجتماعية ومراكز ابحاث ودراسات على امتداد العالم كله، يتم في خلالها كشف الاساس الايديولوجي والسياسي للتطرف وفضحه، وحشد الرأي العام ومنظماته الاهلية والمدنية ضد التطرف ودعاته، ونقد قاعدة التطرف الديني والحد من انتشاره، والحشد ضد ما يتم القيام به من اعمال متطرفة، وتترافق مع هذا النوع من الحروب ضد القاعدة حرب مالية، اساسها حصار تنظيمات القاعدة مالياً من خلال السعي لكشف مصادر او مسارات تمويلها، والحد من تدفق الاموال على تنظيماتها وعناصرها.
وعلى رغم توافر مستويات عالية الأداء في الحروب القائمة على تنظيمات القاعدة، فإن النتائج تبدو محدودة، او غير حاسمة، وهو ما تؤكده وقائع خلاصتها، ان القاعدة وأخواتها ما زالت حاضرة وفاعلة، بما تقوم به من اعمال ارهابية ودموية، وما تبثه من افكار متطرفة، وما تتركه من آثار وتداعيات سلبية في كثير من البلدان وعلى مستوى العالم كله.
وطبقاً للمعطيات المحيطة بالحروب على القاعدة وأخواتها، ولما تبدو عليه الصورة في ضوء نتائج تلك الحروب، فإن ثمة حاجة الى التدقيق في مجريات الحروب، وتقويم ثمار السنوات الماضية في نتائجها، وتلمس الصحيح والخطأ بما جرى، ثم الانتقال نحو استنباط أشكال وطرق جديدة أكثر تأثيراً في الحروب ضد القاعدة وأخواتها.
غير انه وقبل المضي في تلك المسارات، يبدو من الضروري التوقف عند بعض النقاط التي تبدو وثيقة الصلة بالحروب على القاعدة، وما صارت اليه من نتائج.
النقطة الأولى، انه وفي اطار الحروب ضد القاعدة، أُقرت في اغلب الدول بما فيها الدول الديموقراطية قوانين، ووضعت اجراءات ادارية، ادت الى تقييد حريات المواطنين والقادمين الى تلك البلدان، مما أوجد اوضاعاً مأزومة واستثنائية، ما لبثت ان تحولت الى «أوضاع عادية» تماثل ما صارت عليه قوانين الطوارئ في البلدان العربية.
والنقطة الثانية، ان الحروب ضد القاعدة، لم تركز على الاهداف المحددة فقط، بل وسعت دائرة استهدافاتها، فصارت حرباً ضد «الاسلام» احياناً، وضد طائفة بذاتها، ووضعت في قائمة استهدافاتها بلداً أو بلداناً معينة.
وثالثة النقاط تتمثل في ان جو التطرف الذي تشيعه القاعدة، وجد له صدى في انحاء مختلفة من العالم في ظهور تطرف مماثل… وتعبيرات التطرف المقابل لتطرف القاعدة، تمكن ملاحظتها في مستويات شعبية وحكومية في كثير من البلدان، وبينها بلدان متقدمة ومحورية في الحرب ضد القاعدة.
وتمثل النقاط الثلاث السابقة بعضاً من ملامح البيئة، التي تتواصل فيها الحرب، والتي تؤدي في جانب منها الى خلط الاوراق، وتهميش بعض نتائج الحرب، الامر الذي يؤشر باتجاه الحاجة الى تغيير بيئة الحرب، قبل اعادة النظر في مسارات تلك الحرب ومستوياتها، التي لا بد من انها تحتاج هي الأخرى الى تدقيق وتمحيص أكثر. فهل تتغير بيئة الحرب على القاعدة وأخواتها في المرحلة المقبلة؟

* كاتب سوري.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى