صفحات الناسهيام جميل

في سورية ،القاعدة القانونية الوحيدة هي التمييز !!

null
هيام جميل
لاشك أن الوظيفة الأهم لجميع القوانين هي تحقيق العدالة بين جميع المواطنين دون تمييز، وهذه وظيفة لا تتم دون تطبيق هذه القوانين على جميع أفراد المجتمع، دون تمييز أيضا.
وبالنظر إلى القوانين في سورية يبدو هذا الكلام نظريا جدا، إذ لا تكاد تجد قانونا عاما، في أي مجال من مجالات الحياة يطبق على الجميع.
وبدءا من القانون العام للأحوال الشخصية، فإن كلمة “للمسلمين” تلحق به، إذ يطبق بالتزامن معه مجموعة من القوانين الطائفية هي قانون الأحوال الشخصية للسريان الأرثوذكس، قانون الأحوال الشخصية للروم الأرثوذكس، قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية، قانون الأحوال الشخصية للمحاكم المذهبية الإنجيلية في سورية ولبنان، كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية للموسويين، والأحكام الخاصة بالطائفة الدرزية.
إذ أن قانون الأحوال الشخصية وضع ليميز المسلم من غير المسلم، وليتبع فيه المسيحي أيضا قانونا تمييزيا طائفيا خاصة بمذهبه فيما يخص أحكاما هي بالأصل مدنية كالزواج والحضانة والطلاق والنفقة وسواها.
كما أن قوانين الأحوال الشخصية جميعها تمارس تمييزا مزدوجا على المرأة فيها، أولها تمييز على أساس المذهب، وثانيها تمييز على أساس الجنس، وللذكر فيها جميعها حق الولاية عليها وفقا لإرادته الصرفة بدءا من عقد الزواج مرورا بحق الإرث وحضانة الأطفال وانتهاء بالطرق المهينة التي يحق وفقها للزوج تطليق زوجته بشكل تعسفي.
وكذلك فإن قانون العقوبات السوري يحتوي على العديد من المواد التمييزية على أساس الجنس، أبرزها المادة 548 الخاصة بالقتل بداعي ما يسمى بـ “الشرف”، حيث يمكن للرجل وحده معاقبة المرأة وتطبيق حكم الإعدام بها في “فورة دم”، ويمنح بالنظر إلى جنسه فقط العذر المخفف.
أما قانون الجنسية فيوسع دائرة التمييز فيه، على أساس العرق، كما على أساس الجنس، إذ يمنح الرجل السوري الجنسية لأطفاله أيا تكن جنسية زوجته وفي أي مكان في الأرض ولدوا وأيّا تكن لغتهم، فيما لا تستطيع المرأة السورية منحها لأطفالها حتى إن ولدوا وتربوا وتعلموا في سورية ولم يكن لهم أية جنسية أخرى لجهة الأب، فكم من نساء سوريات هرم أولادهن في سورية، وبقوا دون عمل أو تعليم، دون أن يستطعن منحهم جنسية بلدهم.
كما أن قانون الجنسية يحجب هذا الحق البديهي عن المواطنين الأكراد، الذي ولد أجدادهم وآباؤهم وهم أيضا في سورية وتحدثوا لغتها، فيحرمون، وفقا لحرمانهم من حقهم في الجنسية، بالتالي من حقهم في التعليم، والحقوق المترتبة عليه كإيجاد فرص عمل.
وبالانتقال إلى حقوق مثل حق التملك ونقل الأملاك والانتفاع بها، فإن التمييز على أساس العرق يتبدى مرة أخرى، إذ يقيد المواطنون السوريون الأكراد دون سواهم من بقية القوميات في سوريا فيما يخص هذه الحقوق وفقا للمرسوم 9 لعام 2008 حيث ينص على منع وضع أي من إشارات الدعاوى والرهن والحجوزات والقسمة والتخصص على صحيفة العقار في المناطق الحدودية، سواء أكان العقار ضمن المخطط التنظيمي للمدينة أو خارجه، إلا بعد الحصول على الترخيص القانوني من وزارة الداخلية.
أما فيما يخص الأطفال الأكراد السوريين فإن التمييز يصبح مضاعفا، لكونهم أطفالا، كما لكونهم أكرادا، محرومين من الجنسية والتعلم، فضلا عن التمييز الذي يتساوون فيه مع جميع الأطفال السوريين نتيجة لحرمانهم من كافة الحقوق التي تمنحها لهم الاتفاقيات الدولية كاتفاقية حقوق الطفل، والتي لم يتم تعديل القوانين السورية حتى الآن بما يتواءم معها تبعا للمصادقة السورية عليها عام 1996.
والأطفال، ذوو الاحتياجات الخاصة منهم على وجه التحديد، يعانون تهميشا غير اعتيادي حيث يتم تجاهل تطبيق قانون إلزامية التعليم بخصوصهم، فيتركون منسيين دون أن تقوم وزارة التربية بتطبيق القانون فيما يخص تعليمهم، ولا ترغم آباءهم على تأهيلهم ولا تسهم في ذلك، وكذلك تهمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أوضاعهم الصحية والمعاشية المتردية لهم ولأسرهم دون تقديم أية مساعدات جدية تتصف بالاستدامة وتستهدف تأمين أبسط الحقوق لهم كحقهم في المشي بأمان في الشوارع، التي تخلو من المنحدرات اليوم، لا بل تصادف فيها حفر خطيرة، بل أيضا وأيضا يصل الإهمال فيا يخصهم حدا مريعا إذا علمنا أن الاستمارة الخاصة بالتعداد السكاني في سورية تخلو من أية إشارة لذوي الاحتياجات الخاصة.
وأمام هذه الاستثناءات التي تشمل عينة من القوانين السورية الأساسية التي تمس وجود المواطنين السوريين يتبدى بشكل واضح كيف تصبح القاعدة استثناء وتضيع الحقوق في زحمة هذه الاستثناءات المقوننة، لتفقد كل هذه القوانين جدوى وجودها، ألا وهي العدالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى