أكرم شلغينصفحات مختارة

شكر وتساؤل للأستاذ برهان غليون

أكرم شلغين
نشر موقع الحوار المتمدن اليوم مقالاً للأستاذ العزيز برهان غليون بعنوان: “الأزمة العربية بين الهوية والتحول” تضع الإصبع على الجرح فيما يخص الإجهاض الذي تعرضت له الشعوب العربية وسببه الأوضح الاستعمار كما تُبيّن، بحق، وفيما أحتسب، مثل ما يرد في المقال المذكور، أن الاستعمار هو المسؤول الأول عما حصل للمجتمعات العربية، لا أستطيع إلا أن أطرح السؤال الأهم، ومن زاوية أخرى، حول تحديد المسؤولية الذاتية لهذه المجتمعات! هذه المجتمعات التي تحررت من نير الاستعمار (بشكله التقليدي على الأقل) ولكنها ابتلت بأنظمة ديكتاتورية ـ إن لم تكن مرتبطة بالضرورة فهي تعرف أن وجودها واستمرارها مشروط بمعايير وأسس وخطوط حمراء معروفة مسبقاًـ وهذه الأنظمة لا يعنيها من المسألة التحديثية والنهضوية شيئاً من جهة، ومن جهة ثانية فقضية العرب المركزية (الفلسطينية) وجودها ضروري لهذه الأنظمة لتحكم سيطرتها على شعوبها وتمنعها من التفكير أو السير بطريق الحداثة أو القيام بالمشاريع النهضوية التي تصل بها إلى مصاف أرقى في تصنيفات التاريخ بحاضره ومستقبله، وفي كل الأحوال، يعتبر وجود مشاريع حداثوية ونهضوية عامل خطر على هذه الأنطمة، وإن لم تتفطن إليه فلا يوجد تباطؤ إقليمي ودولي في تنبيهها لوجوده.
صحيح أن السلطات الدينية في مجتمعاتنا تبدو ضعيفة الصلاحية ولكن ما ترسيه مؤسساتها وأذرعها الممتدة إلى كل عصب في مجتمعاتنا من ثقافة وتربية تلعب دوراً تقويضياً يتوازى بحجمه وفعاليته مع دور الأجهزة التسلطية في تخميد و تركيد حركة شعوب المنطقة. أوليس في ما نراه في وقتنا هذا من تواجد للفكر الديني على الساحة وإلهائه لعقول شعوب المنطقة بمسائل صغيرة (سلوكية كانت أم فقهية) خير دليل على تحجيم العقل والإرادة لدى هذه الشعوب؟ أوليس انشغال رجالات الدين في هذا البلد أو ذاك على مدى السنوات الأخيرة في إصدار الفتاوي أو الأحكام والاجتهادات التي لا تخدم إطلاقاً ولاتفيد إلا بتحويل عقول العامة إلى خطر آخر (الإيراني) غير الخطر الأساسي والأول المتمثل بتبديل جغرافية وديموغرافية واسم وهوية فلسطين، ناهيك عن الأراضي العربية الأخرى المحتلة، هو خير دليل على الدور الهدام للمؤسسة الدينية في العالم العربي؟ أوليس الإنسان العربي أسيراً لتجاذب، وتنابذ، قوى ليست معه في نفس القارب؟ أوليس من الأسلم أن تختزل المنظومة الدينية في العالم العربي نشاطها وأجنداتها لتبقى مكرسة لأشياء روحانية (لمن يشتريها بالطبع) بدلا من أن تدلي وتفتي في قضايا اجتماعية و سياسية لا تخدم إلا بتسطيح العقل العربي في نهاية المطاف وتبعده عن الحداثة والنهضة والتطور والإبداع؟ أوليست توجهات قادة المؤسسة الدينية في أكثر من بلد عربي تهدف إلى إشعال فتن طائفية في هذه الفترة؟
لاشك في أن الأنظمة التي ادعت القومية وأعطت توقعات للشعوب وأوهمتها قد لعبت دوراً سلبياً أيضاً كما هو موجود في المقال المذكور أعلاه ولكن لمسألة ابتعاد المجتمعات العربية عن الحداثة والتطور أكثر من بعد وتزاوج أكثر من عامل، وكما لايمكننا إلا وأن نبرز دور الاستعمار والاستبداد في سلبية واقعنا فإننا لا يمكن أن نبرئ ساحة أي فريق تنطح لقيادة هذه الشعوب أو إدارة دفة سفنها بشكل أو بآخر في الماضي والحاضر. المؤسسة الدينية ليست غائبة بل متواجدة وتلعب دوراً سلبياً فيما يخص تحرر وتقدم الشعوب في المنطقة عندما تتدخل ليس فقط في الأمور الروحانية بل الثقافية والاجتماعية والسياسية وتحاول فرض ما هو الصواب وما هو الغلط في كل المسائل متجاوزة دورها المفترض كمؤسسة دينية لتصبح سياسية بحتة.
إضافة إلى ما هو وارد من تشخيص للأزمة لابد وأن نتذكر أيضاً ما لتراجع دور، وغياب تدريجي ، للطبقة المتوسطة من المجتمعات العربية من ثقل يعجر عن حمله البقية، سواء بسوء أو حسن نية. فالطبقة المتوسطة كانت دائماً وفي معظم المجتمعات، بحكم تشكيله الاجتماعي الاقتصادي، هي المعنية الأساسية بقضايا الحداثة والتطور في المجتمعات.
بكلمة مختصرة، لايوجد بريء في ما وصلت إليه منطقتنا من غياب وتراجع إلا الشعوب نفسها التي لم تكن لتدير شؤونها بنفسها، وكما يتحمل المسؤولية التاريخية الاستعمار الخارجي والمستبد الداخلي، قومياً كان أو اشتراكياً بالاسم، فإن الأجهزة الدينية وامتداداتها ليست بريئة أيضاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى