صفحات العالم

أي أوباما لأي شرق أوسط؟

سعد محيو
ماذا سيجد الرئيس الأمريكي أوباما حين يحط الرحال بعد أيام في الشرق الأوسط؟
سيجد أولاً وأساساً القليل من الاستقرار والكثير من الركام . ركام ماذا؟
المشاريع المتعددة لإقامة نظام إقليمي للشرق الأوسط، بدءاً من البريطانيين والفرنسيين في أوائل القرن العشرين، إلى المصريين ثم السعوديين في منتصفه، ثم “الإسرائيليين” في أواخره، وأخيراً الأمريكيين أنفسهم في أوائل القرن الحادي والعشرين .
كل هذه المشاريع تحطمت الواحد تلو الآخر، وفشلت في تحقيق “الأحادية القطبية” في المنطقة . وهذا ما أسفر عن ولادة تعددية قطبية في الشرق الأوسط لابد أن يعترف بها كل من يريد أن يحوّل هذه المنطقة الاستراتيجية من ساحة حرب إلى واحة سلام .
هل أوباما مستعد للقيام بهذا الاعتراف الذي قد يقلب تاريخ المنطقة رأساً على عقب؟
سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل . قبل ذلك، وقفة تاريخية أمام تجارب إقامة الأنظمة الإقليمية في الشرق الأوسط؟
يرى الباحث الاستراتيجي اللبناني بول سالم أن أسباب تحوّل نظام الشرق الأوسط العثماني إلى مجموعة من الدول الضعيفة والخاضعة لسيطرة قوى دوليّة، تعود إلى بدء انهيار السلطة العثمانيّة خلال القرن التاسع عشر . في تلك الحقبة، كانت القوى العظمى نجحت في تقسيم معظم أجزاء القارتين الأفريقية والآسيويّة، وكانت تسعى إلى بسط نفوذها على الإمبراطوريّة العثمانية وبلاد فارس وأفغانستان . ومع تراجع قوّة الإمبراطوريّة العثمانيّة، تمحور السؤال الأبرز في الشرق حول كيفيّة التعاطي مع مشكلة “رجل أوروبا المريض” .
هذا الوضع انهار مع الحرب العالمية الأولى . وحين أبرمت حكومة الجمهورية التركية الفتيّة تحالفاً مع ألمانيا، تحرّكت بريطانيا بدورها وبدّلت السياسة التي اتّبعتها طوال قرن من الزمن، فسعت الى تفكيك الإمبراطوريّة العثمانيّة والاحتفاظ بالمحافظات العربيّة لنفسها . وهكذا، ولد الشرق الأوسط المعاصر من بقايا وتناقضات الاتفاقات التي انطوت عليها فترة ما بعد الحرب العالميّة الأولى . وتقاسمت بريطانيا وفرنسا مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، ووُضعت الدول حديثة التأسيس المتمثلة بالعراق والأردن وفلسطين تحت الانتداب البريطاني . أما دولتا سوريا ولبنان الكبير حديثتا التأسيس هما أيضاً، فقد وضعتا تحت الانتداب الفرنسي، وبقيت مصر تحت سيطرة البريطانيين . من جهة أخرى، نجحت تركيا وإيران في تجنّب الخضوع للانتدابات الأجنبيّة المباشرة وتقدّمتا على باقي دول المنطقة في السير نحو بناء الدولة  الأمّة( الدولة القومية) . وعانت المحافظات العربيّة التي كانت أساساً ضعيفة، كونها لم تتمتع بحكم ذاتي منذ قرون عدة، من انعكاسات الانقسامات الجديدة ومن الدخول في مرحلة جديدة من الحكم الأجنبي .
وقد تميّز الشرق الأوسط خلال المرحلة التي تلت انهيار الإمبراطوريّة العثمانيّة بعدد من الخصائص، إذ فُصلت تركيا عن المناطق العربيّة بعد قرون من الترابط في ما بينها، وانبثق “شرق أوسط عربي” أخذ يتميّز بقضايا وظروف خاصة به ومختلفة عن قضايا دولتي تركيا وإيران الناشئتين . وقد ترسّخ فعلياً نتيجةً لرفض الحدود الاعتباطيّة التي فرضتها القوى الغربيّة المحتلّة وللسعي إلى قيام دولة عربية أكثر توحداً، بغية مجاراة تركيا وإيران، والتمتّع بنوع من المناعة ضدّ سياسة “فرّق تسد” التي اتبعها الأوروبيّون .
ويرى سالم أن الشرق الأوسط كان يفتقر في هذه المرحلة إلى نظام يربط بين دوله . وقد عمدت قوى الانتداب إلى توجيه السياسات الخارجيّة للدول العربيّة، فيما كانت تركيا وإيران حينها منكّبتين على تدعيم سلطتهما الداخليّة . وهذا ما جعل الترتيبات الإقليمية الأوروبية هشة وقابلة للانهيار .
هذه كانت المحاولة الأولى لإقامة نظام شرق أوسطي . فماذا عن الثانية؟
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى