صفحات سورية

جاهلية “استرخاص” الحياة

null
كلوفيس مقصود
في التوافق بين شهري ايلول ورمضان المبارك، تبدو صورة العالم واوضاع شعوبه في حالة مرتبكة تتميز بمفارقات مستجدة وتحديات معقدة وتطورات واعدة من جهة، وحالات تستنزف ما تبقى من تفاؤل واحتمالات تقدم وتصحيح لأمن الانسان والانسانية. ففي حين نجد كيف ان الاكتشافات التقنية والعلمية تؤول الى تسهيلات في مجالات تعزيز المعرفة وتوسيع آفاق الحرية وتلبية حاجات الانسان وتطويق انتشار الامراض وانجازات خارقة في معالجة امراض مثل السرطان والانفلونزا والايدز والسكري وغيرها، نجد في الوقت نفسه بالتوازي مع هذه التطورات الايجابية التي من شأنها تمديد حياة الانسان، كيف ان الارهاب بكل اشكاله وتجلياته يستحضر اي ذريعة من اجل تبرير القمع والتهميش والاقتتال، بحيث يكون اي تباين او اختلاف او حتى تنوع مدخلا لتبرير التخلي عن التعاون او الغاء اي احتمال للتعاون ناهيك بالتعايش او تأكيد المواطنة في المجتمع الواحد. كل هذا يؤدي بدوره الى استرخاص مخز للحياة.
***
في هذا الشهر تبدأ الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها الـ63 بمراجعة احوال القارة الافريقية المتفاقمة نزاعاتها وامراضها. ففي هذه القارة يصل الامن الانساني الى ادنى مستوياته.
ومن هذا المنظور سوف تعالج القمة – او بالاحرى تتدارس ما آلت اليه حالة التنمية الانسانية بعد انقضاء ثماني سنوات على اعلان الالفية الثانية. وهنا لا مفر للقمة الدولية المنعقدة في الامم المتحدة من ان يشارك القادة العرب في التقويم المطلوب كي  تتبين شعوب العالم، ونحن منهم، مقدار التطابق في مجالات التنمية والامن الانسانية بين ما اعلن من اهداف القمة وما انجز منها: ان تكون هذه المشاركة في التقويم الموضوعي فرصة لاكتشاف النواقص في الانجاز داخل الاوطان العربية، خصوصا كما اكدنا في الماضي كوننا امة غنية وشعوبا فقيرة؟ اليست هذه المراجعة مهمة بالنسبة الى الاوضاع العربية لنستحضر بدورنا الاسراع في اعداد دراسات عاجلة تمكن القادة العرب من المشاركة عمليا في القمة المنوي عقدها هذا الشهر بالامم المتحدة، وايجاد حافز لاكتشاف الاعطاب المتكاثرة في البنى التحتية. وهنا تحضرنا الكارثة التي حصلت في القاهرة بالامس، اذ ان بطء التجاوب ادى الى مزيد من الضحايا ومعظمهم من الفقراء والمحرومين حق الحياة الكريمة نتيجة حالة الاغتراب بين السلطة والمجتمع في مصر وفي غيرها، وهذا ما نعنيه بـ”استرخاص الحياة”. ولكن هناك نماذج اخرى في هذا الاتجاه نشاهدها في العراق حيث لا تزال آثار الاحتلال جاثمة ناهيك بالحالة المزرية للاجئين الفلسطينيين في العديد من مخيمات البلدان العربية خصوصا المجاورة لفلسطين ولاجئين داخل وطنهم. كما ان ما نشاهده في احد معاقل العروبة في طرابلس بلبنان من فقر وأمية واهمال يؤدي الى عدم الاستقرار، كل هذا يستدعي استمرار التعبئة لقياداتها والتوجه الى ذوي المؤهلات حتى نكون نموذجا لمعالجة الحل اللبناني بحيث يكون التوجه للمعالجة جماعية يتجاوز الفروق الحزبية والمذهبية والتقليدية.
واذا كانت الامم المتحدة في هذه اللحظة تبدو وكأنها مرشحة لمزيد من التراجع والتهميش نتيجة المستجدات في العلاقات الدولية الحاصلة بسبب الاستفزازات المتبادلة خصوصا في اعقاب وصول نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الى جورجيا واوكرانيا عارضا ادخال كلا الدولتين في الحلف الاطلسي وبالتالي زارعا بذور انشطار خطير في اوكرانيا يؤدي الى حروب اهلية كما تشجيعه للرئيس الجورجي في سياسات الاستفزاز التي تستولد استفزازات متبادلة مع روسيا وحلفائها في بعض دول الاتحاد السوفياتي سابقا. ان التهميش الحاصل للمنظمة الدولية يجب الا يكون على حساب ما تقوم به المنظمات المتخصصة في الامم المتحدة في قضايا الصحة والتنمية ومكافحة الايدز كما في البيئة والامن الغذائي والثقافة وحفظ السلام. من اجل هذه المنظمات عليها ان تبقى بمنأى عن احتمال التهميش السياسي لأنها تأكيد لثقافة الحياة في جبه عبثية من يسترخص حياة الانسان.
في هذا الشهر سوف يستذكر العالم يوم 11 ايلول الذكرى السابعة للاعتداء الذي قام به ارهابيون على نيويورك وواشنطن، وستكون هذه مناسبة يقوم بها المتربصون بصورة العرب والمسلمين بجعل الحادث الارهابي وكأنه غلط في حين انه واقعيا وفي الحقيقية شطط غريب عن جوهر حضارة الاسلام وثقافة العروبة. هذا يستدعي الاستعداد للرد والتفنيد من خلال تأكيد ان الحضارة السائدة عربياً واسلامياً قائمة على ثقافة الحياة وان ما يحصل في هذا المضمار يشكل استنزافا لالتزاماتنا الاخلاقية ومقومات الروحية وتطلعات شعوبنا لإنجاز حقوقنا لتقرير مصائرنا بما يؤمن لنا استقلالية الارادة والقضية وحقوق وحاجات الانسان في كل مجتمعاتنا.
من هذا المنظور علينا التأكيد ان الرد على سؤال ساد بعد احداث 11 ايلول في المجتمع الاميركي: “لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟”، وعلينا الرد بشكل حاسم “بان الاكثرية الساحقة للعرب المسلمين لا تكره، بل الكثير الكثير من العرب والمسلمين غاضبون”. هذا ما اجبنا عنه بعد ايام قليلة من احداث 11/9/2001، ثم اكدنا تورط الحملة الرئاسية المحتدمة بين مرشحي الرئاسة اوباما وماكين ان الغضب استدراج للحوار، بينما الكره هو تدمير كامل للحوار. وان العرب يحاولون استدراج الطاقم الحاكم بشقيه الديموقراطي والجمهوري الى حوار مجد وجدي للتباحث في وتيرة التحيّز الذي يبدو احياناً مقفلاً على الحق العربي، وخصوصاً الحق الفلسطيني. ونقول هذا لان الغضب له شرعية كاملة حيث يسعى لمعالجة اسبابه وبالتالي استقامة العلاقات الثنائية منها والعامة ايضاً. كما ان الدول العربية كلها وافقت في اجتماعات الامم المتحدة في عام 2001 على ادانة العملية الارهابية بالاجماع كما كل الدول الاسلامية، وقلنا جميعاً ان للولايات المتحدة حق الدفاع عن نفسها بموجب المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة لكن هذا التأييد يزيل الالتباس بين الكره والغضب ويمهد بالتالي لحوار منتج. ونؤكد ان ما فرط بهذه الشرعية التي رافقت تأييد حق الولايات المتحدة بالدفاع عن نفسها هو غزوها غير المشروع وغير القانوني للعراق والذي بدوره افرز غضب معظم فئات الشعب الاميركي، والذي بدوره ادى الى ترشيح اول اميركي – افريقي له حظ كبير في ان يكون رئيسا للولايات المتحدة.
يبقى المهم في هذا المضمار ان يكون العرب على استعداد للاجابة الفورية اذا استغل المحافظون الجدد وبعض اليمينيين هذه المناسبة للقول كما يحصل يومياً في الخطابات الانتخابية ان زيادة اسعار النفط تعود الى الدول النفطية العربية علما ان المصدر الاكبر للنفط للولايات المتحدة هي كندا، ثم المكسيك، وان مجمل ما تستورده من الدول العربية لا يتجاوز 13 في المئة.
امام هذه المتغييرات على الساحة الدولية، والتي تجد اخطارها في ما هو حاصل في فلسطين المحتلة حيث ان اسرائيل اذنت بالامس لـ900 بندقية هجومية  للسلطة الوطنية وافرجت بمناسبة رمضان عن 200 اسير فلسطيني “تمكينا لسلطة الرئيس محمود عباس”، امام هذا المنهج لزرع بذور حرب اهلية فلسطينية في هذه المرحلة، لا بد من الاصرار على اعادة الحياة الى اتفاق مكة، على الاقل راهناً.
كما ان التجسس على رئيس وزراء العراق عدنان المالكي هو استفزاز لاعادة الوحدة العراقية حتى يتمكنوا من توفير المناعة المفترضة للحيلولة دون المزيد من المآزق التي قد تحصل اثناء مفا وضات “الانسحاب” الاميركي وما تشكله قضية كركوك من تهديد لكيان العراقي حاضرا ومستقبلا، ناهيك بدارفور والصومال.
***
افاد تقرير البنك الدولي عن حالة الفقر ان ملياراً وربع مليار من سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر الشديد (اي اقل من دولار وربع في اليوم) وهذا نوع من الاختزال للثنائية القائمة في العالم بين الاختراقات الواعدة لتعزيز حياة الانسان واسترخاص الحياة بالشكل الذي يعيدنا الى جاهلية عاتية بكل ما يعززه المتقدم والعلم من مقاومة للجهل والجاهلية. هذا الشهر جدير بمتابعة احداثه فلا نتقوقع في اهتمامات محبطة، بل نسعى لمزيد من الوعي كي نبقى على ديمومة الالتزام لثقافة الحياة… الكريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى