أبي حسنصفحات الناس

تعليقاً على استطلاع منظمة الرأي العام العالمي

null
أُبيّ حسن
في استطلاع للرأي أجرته منظمة “الرأي العام العالمي” في الفترة الكائنة بين 6 أيار المنصرم و10 حزيران الجاري, بخصوص درجة الثقة بما يفعله القادة بالشأن الدولي
أبدى 84 بالمئة من المصريين المستطلعين(بفتح العين) ثقتهم بما يقوم به الرئيس السوري بشار الأسد في الشأن العالمي, في حين كانت ثقة الأتراك بالقيادة ذاتها لم تتعد 14 بالمئة, وأكثر من نصف الأردنيين والفلسطينيين عبروا عن ثقتهم بالرئيس السوري, وهي الثقة ذاتها التي أولوها للإيرانيين بحسب التقرير الخاص بمنظمة الرأي العام العالمي.
كانت نسبة الإيرانيين الذين أبدوا ثقتهم بالسيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله 78 بالمئة. قبالة ذلك كان معدل عدم الثقة بالرئيس الأمريكي جورج بوش مرتفعاً نسبياً إذ وصل إلى 67 بالمئة, ولم يسبقه في هذا المنحى سوى الرئيس الباكستاني براويز مشرّف. في حين حصل السيد بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة على معدل عال من الثقة على مستوى العالم, تحديداً من الأوربيين.
بداية ينبغي القول انه لايمكننا الركون إلى استطلاعات الرأي أياً كانت, خاصة في دول العالم الثالث. إذ من المعروف أن الرأي العام يكون –في بعض جوانبه- متغير وآني, وحال لم يكن آنياً فهو كثيراً مايكون واقعاً تحت تأثير العواطف طويلة الآجل. ناهيك عن أن الغرائز هي التي تقوده أكثر مما يقوده العقل, وهو غالباً مايكون بعيداً عن المحاكمات المنطقية خاصة في دول العالم الثالث وبالأخص منها الدول العربية الإسلامية.
بالعودة إلى التقرير الذي اقتطفنا منه ماكنا به قد بدأنا, سنلحظ أن ثمة فجوات منهجية تعتريه, فالتقرير لايذكر عدد أفراد العينة التي استمزج آراءها في ما يخص درجة ثقتها بما يفعله القادة بالشأن الدولي, تماماً كما يتجاهل التقرير أن يضعنا في الخلفية الثقافية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لأفراد العينة! ناهيك عن معدل أعمار أفرادها. ومثل هذا التجاهل يزيد من عدم ثقتنا به, أو بالحد الأدنى لايمكننا الاتكاء عليه بغية محاكمته ومناقشته مناقشة من شأنها أن نخرج معها بنتائج قد تكون مرضية!.
في الحالات كافة, واستناداً إلى ما ورد فيه, لم نستغرب أن يحصل الرئيس السوري على نسبة مرتفعة من التأييد في كل من مصر والأردن وفلسطين, ونعتقد أن سبب تلك النسبة يعود بالدرجة الأولى لمواقف السياسة السورية الخارجية التي يقودها الرئيس بشار الأسد, وهي مواقف تنسجم مع الضميرين العربي والإسلامي ومصالحهما, تحديداً ما يتعلّق منها بمسألة الصراع العربي الإسرائيلي والحقوق العربية المغتصبة, إضافة إلى موقفه الشخصي من الحرب الأمريكية على العراق قبيل وبعد احتلاله أمريكياً, وأخيراً موقفه العلني الداعم لمقاومة الاحتلال بشكل عام, وبالأخص موقفه شديد الايجابية من حزب الله وحماس الخ… وهذه المواقف مجتمعة هي عملياً ما ينتظره الشارع العربي ذي الحقوق المغتصبة والكرامة التي يراها مُهانة, وقد يُعزز من تلك المواقف المؤيدة للرئيس الأسد ذلك النزوع المتزايد في ظاهرة التديّن الإسلامي. والحق هي مواقف تستند إلى حقوق مشروعة لا يمكن لمكابر تجاهلها أو القفز من فوقها. نسوق ما سقناه, بمعزل عن اتفاقنا أو اختلافنا مع السياسة السورية الرسمية بشقيها الداخلي والخارجي, وإن كنا نعتقد أن القيادة السياسية في سوريا لا تزايد في القضايا الخارجية التي تتبناها ولا تتاجر بها.
وكدليل يُضاف إلى أن الرأي العام خاضع لمنطق الغريزة أكثر من خضوعه لمنطق العقل, نجد أن الآراء ذاتها في الدول العربية (مصر, الأردن, فلسطين) إضافة إلى إيران, أظهرت عدم ثقتها شبه الكاملة بمعظم الزعماء العالميين قبالة نزوعها للثقة بقادة إقليميين, من قبيل الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز, والرئيس الفلسطيني محمود عباس, والرئيس السوري بشار الأسد. وبحدود علمنا, أن الموقف الرسمي السعودي وطوال عقود من الزمن هو في جوهره لم يكن في خدمة أي من القضايا العربية والإسلامية الحقة التي تطالب بها الغالبيتين العربية والإسلامية قدر ما هو موقف, مرة أخرى في جوهره, يصب في خدمة المصالح الغربية الأمريكية والأوربية. وما نراه من مواقف رسمية سعودية إيجابية قد تبدو للوهلة الأولى في خدمة المصالح العربية, لكنها في حقيقة الأمر ما هي سوى فتات الموائد السعودية بما في ذلك الفتات دعمهم الخجول للفلسطينيين(ليس من قبيل المبالغة القول إن أطفال غزة يموتون بأموال سعودية وان كانت الأسلحة أمريكية والقتلة صهاينة). وما يُقال في السعودية قد يقال بشكل أو بآخر بالرئيس الفلسطيني, وان كان لهذا الأخير ظروفاً موضوعية تحكمه وهي ظروف لا تنطبق للظرف السعودي.
ماسبق ذكره, لاينفي بحال من الأحوال أن الرئيس السوري قد يستحق تلك النسبة المرتفعة في ما يخصّ موقفه من القضايا الخارجية, لكن ما نود قوله إن مجرد حصول الآخرين من عرب “الاعتدال” على النسبة ذاتها يجعلنا نشكك بأهلية المستطلعين(بفتح العين), بدليل التباين الواضح بين الموقفين الرسميين السعودي والسوري من حرب تموز 2006على سبيل المثال لا الحصر. وهو في الوقت نفسه يجنح بنا للاعتقاد أن نتائج ذلك الاستطلاع, ناجمة بمجملها عن نزوات عاطفية بدليل عدم حيازة السيد بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة على أي نسبة معتبرة, علماً أن الرجل, بالرغم من الهالة التي تحيط بمنصبه, عبارة عن مجرد موظف يخضع للإرادة الأمريكية.
كانت غالبية الآراء المستطلعة في دول أوربية تحجب الثقة عن معظم قادة العالم الغربي والعربي, وشتان مابين رأيين غربي وشرقي!, والآراء ذاتها منحت ثقتها للسيد بان كي مون, وكما يبدو أن منحها الثقة لأمين عام الأمم المتحدة قبالة حجبها عن القادة الآخرين يخضع-من وجهة نظرنا- لاعتبارات ثقافية وعقلية ومنطقية أين منها الاعتبارات الخاضعة للعاطفة في الشرق الأوسط(كلامنا لا ينفي الحقوق المشروعة لأبناء الشرق)!؟.
كان لافتاً في التقرير, أن لا يحوز السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله إلا على نسبة 78 بالمئة من آراء الإيرانيين(قبالة غياب آراء الآخرين من العينة ذاتها في مصر والأردن وفلسطين فيه), وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على وجود تناقضات وتعددية(صامتة) في المجتمع الإيراني, وهذه التناقضات وتلك التعددية هي دلالة على حيوية ذلك المجتمع(إذ لم يستطع آيات الله –على مايبدو- مسخه بالصورة التي يريدون) من جانب, وهو ما يؤكد أن حزب الله ليس حزباً إيرانياً لا بالمعنى السياسي المحض ولا بالمعنى الشامل للكلمة من جانب آخر.
وأيضاً كان مدعاة للغرابة حقاً أن تكون نسبة الآراء التركية التي أولت ثقتها بالرئيس السوري منخفضة جداً فهي لا تتجاوز 14 بالمئة, ومكمن الغرابة أن علاقات طيبة تجمع راهناً بين البلدين(سوريا وتركيا) سواء أكان على المستوى السياسي الرسمي أم على المستوى الشعبي, وسبب الانخفاض في تلك النسبة لم نجد له تفسيراً.
من جانب آخر, إن قول ستيفن كولن مدير الجهة المنظمة للاستفتاء, “إن عدم الثقة بالرئيس الأمريكي جورج بوش قد خلق فراغاً في القيادة العالمية, لكن قائداً بديلاً لم يظهر على الساحة ليملأ هذه الفجوة”, فيه الكثير من المبالغة, فإذا كان الرئيس الأمريكي يشكو من الخيبات تلو الأخرى في سياسته الخارجية(من وجهة نظر عالم ثالثية), ونسبة الغباء السياسي مرتفعة لديه من وجهة نظر أبناء شرق المتوسط وبعض الصحافة الديمقراطية في أمريكا, فهذا لايعني بالضرورة انه رئيس فاشل من وجهة نظر تحقيقه لمصالح بلاده الإستراتيجية على المدى البعيد! بدليل أن انتخابه رئيساً صار مرتين, ولا نظن أن الشعب الأمريكي ومؤسساته تنقاد إلى غرائزها أثناء إدلائها بأصواتها, إذ هي ببساطة تنقاد إلى مصالحها المفترض أنها تعرفها جيداً أو بالحد الأدنى تدركها أكثر مما ندركها نحن بالنيابة عنها!.. نعم ببساطة المفترض أن النخب الأمريكية تعرف مصالحها أكثر مما نعرفه نحن وسوانا من المعادين لسياسة الرئيس جورج يوش في الشرق الأوسط.
لا أخفي القول, إن تعقيبي على التقرير قد يكون مبتسراً, والسبب في ذلك, أعتقد أني أوضحته عندما وضعت ملاحظاتي عليه في بداية قراءتي التي أرجو أن تكون أقرب إلى الحياد في ظل افتقار التقرير إلى المنهجية الواضحة كما بدا لنا.

أُبيّ حسن: ( كلنا شركاء ) 21/6/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى