صفحات الناس

سعداء لا سعادين

null
سعاد جروس
قوة عقلك الباطن» طبع منه أكثر من مليون نسخة, وحقق أعلى المبيعات, وهو أحد كتب تطوير الشخصية, نقدم لك منه طبعة جديدة منقحة ومستفيضة
تأليف الدكتور جوزيف ميرفي الحاصل على درجة دكتوراه في الفلسفة والقانون. مراجعة دكتور إيان ماكماهان. «هذه المعلومات نقرأها على صدر غلاف كتاب بعنوان «قوة عقلك الباطن», أما على ظهر الغلاف, فهناك معلومات أكثر توسعا وتشويقا عن كتاب يعطي «المفتاح لأروع قوة كامنة في داخلنا». فهو على ذمة الناشر €مكتبة جرير€, الذي لم يذكر اسم المترجم, كتاب متفرد «ساعد الكثير من القراء في جميع أنحاء العالم على تحقيق ما كان يبدو مستحيلا من خلال تعلم السيطرة على قوة العقل الباطن». و«اكتشاف كيف تستخدم هذه القوة في الشفاء من الأمراض الشائعة النفسية والجسدية, وفي الحصول على ترقية في العمل, وتحصيل ثروة ومعرفة سر الشباب الأبدي, والكثير غير ذلك»… حتى يمكن اعتبار هذا الكتاب المثير والمدهش, الوصفة السحرية للسعادة, ويسدد من دون مجاملة ضربة قاضية لمقولة جبران خليل جبران: «وما السعادة سوى شبح يرتجى». فالسعادة كما يصفها الكتاب: «عادة وهي عادة جميلة جديرة بالتأمل».
إذا صحت المعلومات الترويجية أكون قارئاً من ألف بعد المليون الذين ابتلعوا الطعم, فقد اشتريت نسخة من الكتاب بالمبلغ المرقوم €470 ليرة سورية عداً ونقداً€, وهو ثمن بخس للحصول على السعادة الثمينة من كتاب بمتناول اليد, يباع من مكتبة تابعة لدار نشر مرموقة تعنى بنشر «الفكر».
الفضول القاتل لا بد أن يتحرك إزاء هذا الترغيب المثير, خصوصا وأن فهرس العناوين يقول للقارئ من حقك أن تكون غنياً! وبما أن فقرنا من نوع «القناعة كنز لا يفنى», ولا ينفع معه طب ولا دواء. بينما الغنى أمنية عزيزة وغالية, لا تنال ولو بشق الأنفس, أو بوسائل غير قانونية ولا إنسانية. لكنها بلا شك تستحق أن نروض من أجلها العقل الباطن. ان نقتني هذا النوع من كتب المعجزات, أمر لا غبار عليه, خصوصا وأن كثراً من موظفينا الصغار فجأة صاروا كباراً وأثروا ثراء فاحشاً. كانوا كحيانين منتوفين وفي غمضة عين نبت على أجنحتهم الريش الملون وطاروا عالياً, وصرنا نحتاج كي نراهم إلى مناظير ليلية ونهارية, ومن يدري ربما كانوا من عداد المليون قارئ الذين افادوا من أعاجيب هذا الكتاب, وليس كما يظن سيئو النيات, بأن الفساد هو السبب, بل قوة عقولهم الباطنة وفائض الثقة بالنفس الذي يتمتعون به. وبدل أن نحسدهم لنتعلم منهم, كيف ننمي في دواخلنا حب المال كي يبادلنا الحب, بحسب نصائح الكتاب الذي يصف الفقر بأنه «مرض عقلي»! أي نوع من الجنون, وهو اكتشاف نظنه سيسعد حكومتنا ويبرئها من تهمة العمل ليل نهار على إفقار المواطنين. ولأن الفقر نوع شائع من الجنون, يقول الكتاب «ليس هناك فضيلة في الفقر, إنه مرض عقلي مثل أي مرض عقلي آخر, وإذا لم يكن معك مبلغ من المال يتوفر بشكل ثابت في حياتك, فلا بد من أن يكون هناك خلل ما فيك»… رائع… مذهل… ارتفاع الأسعار بريء… الحكومات بريئة… كذلك السياسات الاقتصادية الدولية والمحلية جميعها بريئة…. بريئة يا ولدي, والحروب الأهلية والمجاعات كلها عبارة عن خطأ طفيف… فالعلة في عقول البشر المرضى.
أما الأصحاء, فهؤلاء هم الذين يعبدون المال, ويجيدون أكل الكتف والأبط والبطن والعجز وكل ما يطاوله ذكاؤهم المتقد, وجشعهم المتحرر من أي ضمير, ولا مغالاة في ذلك, إذا قرأنا الكتاب واتبعنا نصائحه في وجوب تطهير العقل من «المعتقدات الخرافية والغريبة» بشأن المال, وألا نعتبره مطلقاً «شراً أو شيئاً قذراً» لأنه إذا فعل المرء ذلك فإنه «يتسبب في إبعاد المال عنه», على أساس أن المال نازل على البشر مثل المطر, وهم يتعففون عنه.
لا يتوقف الكتاب عند هذا الحد من الاستخفاف بالعقل الظاهر والباطن, وتتفيه الغايات الشريفة والوسائل النبيلة, بل يمضي ليشرح كيفية سلوك الطريق الملكي إلى المال, ويقدم دروسا في تعليم التمرس بالكذب على الذات, والتبرير للتخلص من عقد الذنب وتأنيب الضمير, وكأن البشر بوضعهم الطبيعي في هذا العالم المتشقلب بالقيم البهلوانية تنقصهم هذه العلوم التي تبرر حتى جريمة القتل, فثمة نموذج عن شخص قتل عن غير قصد شخصا آخر, ولأنه لم يتلق العقاب على فعلته, ظل يشعر بتأنيب الضمير, لسنين طويلة, والنصيحة المذهلة التي قدمها الكاتب له, تعتمد على أساس أن خلايا الجسم البشري في حالة تبدل دائم, فكل 11 شهراً تتبدل كل خلايا الجسم, وبالتالي, فالشخص الذي قام بالقتل هو غير الشخص الذي يؤنبه ضميره بعد سنين طويلة, وعليه لا داع للشعور بالذنب. ويقول الكاتب, إن مريضه بعد سماع هذا الرأي تبدلت حياته وبات ينعم براحة البال!! على هذا الأساس, لا يجب على أمراء وملوك الحرب والكوارث أن يشعروا بأي ندم, وليقتلوا ما شاءوا من البشر, فبعد 11 شهراً بالتمام والكمال, يعودون كما ولدتهم أمهاتهم, بريئين من كل ذنب عظيم.
وبالمناسبة, ليطمئن السيد بوش الذي أعلن ندمه مؤخرا على الصورة التي سيتركها عن نفسه بأنه رجل حرب, لتسببه بكارثة العراق وحرب أفغانستان وخراب المنطقة, طوال ثماني سنين سوداء, بينما هو في حقيقته حمل وديع, انتابه ندم عارض لا لزوم له على جرائم عابرة, وهكذا فمن العجيب أن يتحول المسؤولون الاميركيون إلى حمامات سلام, وهم على وشك مغادرة مناصبهم, بينما بوسعهم تجديد لياقتهم التدميرية كل 11 شهراً!
نعم يفتقد العالم الاستهلاكي إلى هذه الكتب, وبالأخص المكتبة العربية, للتدرب على أساليب الضحك على اللحى, الذي يجب أن يبدأ من الذات, قبل ممارسته على الآخرين, فطنجرة المجتمعات العربية تنقصها هكذا بيتنجانة, فهي مجتمعات والحمد والشكر لا تجيد الكذب ولا تعاني من الازدواجية ولا من خلل في القيم, ويجب عليها تحصيل ما ينقصها من أفانين في الخداع النفسي, وبالتالي, الضرورة ملحة, لقراءة هذا الكتاب الذي باع أكثر من مليون نسخة, لنتأكد أننا سعداء لا سعادين نعيش في عالم سعيد لا سعدان, ونتلقن ثقافة غاية في السعادة لا في السعدنة.
الكفاح العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى