صفحات ثقافية

محترف للشعر؟

null
احمد بزون
ألا يمكن أن يكون «محترف كيف تكتب قصيدة» عنواناً لمحترف شبيه بما فعلته الروائية نجوى بركات، عندما أطلقت مشروعها «محترف كيف تكتب رواية»، وبرزت نتائجه جلية هذا العام، من خلال إصدار المحترف لثلاث روايات، أولاها رواية «صابون» لرشا الأطرش التي صدرت، تليها روايتا هلال شومان ورنا نجار اللتان تصدران قريباً.
نطرح هذا السؤال مع قرب انتهاء المدة المحددة للمشاركة في الدورة الثانية لمحترف بركات (آخر الشهر الجاري)، على أن المحترف سوف ينفتح هذا العام على الكتابة المسرحية والسينمائية، وقد يتوسع، في حال تحوله إلى مؤسسة تعليمية أوسع، إلى مجالات إبداعية أخرى، يشارك في التدريب عليها اختصاصيون آخرون.
السؤال الذي أطرحه هنا عن الشعر هل له مكان؟ هل يمكن أن يفكر أحدهم في تعليم الشعر، في وقت أكد فيه العديد من النقاد علمية الشعر، ونظروا إلى أي إبداع على أنه علم، فلا بأس بالقول علم الرواية، وعلم الموسيقى، وعلم الألوان، وعلم السينما، وما إلى ذلك من فنون شملتها العلوم بفعل التقدم العلمي.
مع ذلك لا يزال العديد من المهتمين بالأدب يرفضون اعتبار الشعر علماً يمكن أن يحول مكتنزه إلى شاعر، ويصرون على اعتبار الشعر موهبة يغرفها صاحبها من وادي عبقر، أو تحملها جنّيات الشعر إلى سرير التوليد الروحاني، أو اعتباره إلهاماً يتسقط على أصحابه من سماء بعيدة، على شكل نبوءة لا تقل عن نبوءة الأنبياء.
يحق لنا أن نضحك طويلاً على هذا الكلام، بعدما بات الكومبيوتر يستطيع كتابة الشعر، وبعدما استطاع النقاد تفكيك القصيدة إلى جمل تبرمج رقمياً، أو إلى عناوين علمية واضحة. فالمشكلة الموجودة في كتابة الشعر لا تتمثل بغياب الموهبة بقدر ما تتمثل بغياب المعرفة العلمية بالشعر. وكثيراً ما يكتب الشعر شغوفون به، ومَنْ يحملون موهبة، إلا أنهم يفشلون، وهذه هي حال العديد من كتَبَة الشعر الذين يصرون على خوض الشعرية من دون معرفة بعلم الشعر، والنتيجة تكون مراكمة أطنان من الكتب التي تلفظها المكتبات.
لو تجولنا في عالم المواقع الالكترونية لوجدنا منها من أطلق نداء لتعلّم الشعر العربي، وقد وقفت كلها عند حدود تدريس علم العروض، أو بحور الشعر النبطي، لكنها دعوة مجزوءة في أي حال، فتعليم الشعر لا يكتفي بهذه الحدود، بل لا يكفي تعليم الشعر بتقديم المعرفة المطلوبة، إذ هي موجودة في الكتب أساساً، بل إن تجربة المحترف هي الأساس في تطوير هذه المعرفة ومسك التقنيات واختبار حساسيات اللغة، فحتى الميكانيكي لا يصبح محترِفاً وحذِقاً، إلا عندما يبدأ عمل الاحتراف مع معلمه. والفنان لا يكتسب شخصيته الفنية ويتحول إلى مبدع إلا من خلال محترف.
ربما من الأفضل أن نستخدم الدعوة إلى تعلم كتابة القصيدة بدلاً من كتابة الشعر، لأن الشعر أعمّ وأوسع. فلماذا لا يفكر شعراء، أو نقاد مختصون بالشعر، في إقامة «محترف كيف تكتب قصيدة»؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى