صفحات العالم

أوباما، نتنياهو، خامنئي، أين خطاب العرب؟!

سليمان تقي الدين
بدأت الأزمة الإيرانية في الانحسار منذ خطاب المرشح الأعلى للجمهورية السيد علي الخامنئي. فهو دعم بوضوح شرعية الرئيس المنتخب محمود أحمدي نجاد وفتح الأبواب لاحتواء المعارضة مشيداً بأدوار أشخاصها في الثورة وخدمة الدولة والالتزام بالمصلحة العليا. لقد خص الرجل القوي الشيخ هاشمي رفسنجاني بالثناء وهو رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام والمرجع الذي كانت تستند إليه المعارضة. صحيح ان المرشح الرئاسي الخاسر ورمز المعارضة الأول مير حسين موسوي لم يستجب سريعاً للاحتكام إلى المؤسسات والخروج من لعبة الشارع، لكنه أعلن مشروعه كحركة تصحيحية لإثبات ان الإسلام لا يتناقض مع الجمهورية والديموقراطية وأن معركته هي في مواجهة الغش والكذب.
وبعد أن اندلعت أعمال عنف في الشارع صدرت تحذيرات عن قوات الأمن وباشرت التشدد مع المتظاهرين وأحكمت الطوق الأمني حول العاصمة وقامت باعتقال العديد من الناشطين وبينهم أنسباء للرئيس رفسنجاني والرئيس خاتمي. لكن التطور الأبرز كان الاتهام المتدرج الذي مارسه أركان النظام ضد أميركا والغرب واتهامهما بالتدخل المباشر وتسمية بعض الجهات الحزبية كمنظمة «فدائيي خلق» أو بعض المواقع الاعلامية والمؤسسات المدنية المتصلة بدول أوروبية بالتحريض وبتوزيع الأموال. بدأ الاتهام عاماً في خطاب الخامنئي ثم تصاعد مع تصريح نجاد وعلي لاريجاني إلى ان وصل ذروته في مؤتمر وزير الخارجية الصحافي (متكي). لقد كان الموقف الأميركي حذراً جداً من المبالغة في التوقعات إلى درجة أن الرئيس أوباما لم يجد فرقاً بين نجاد وموسوي. أما الأوروبيون (بريطانيا ـ فرنسا ـ المانيا) فقد استنفروا لدعم الحركة الاصلاحية ودعوا إلى حماية المتظاهرين وتعزيز الحريات وتصحيح الانتخابات.
هذا التدخل الغربي السياسي والمعنوي الأكيد كان وقعه سلبياً على المعارضة لأنها صارت في شبهة المشروع الانقلابي ولم تعد مجرد حركة تصحيحية. هذا ما ساعد على اقتراب احتمالات التسوية وإعادة جمع شمل القوى المتصارعة داخل النظام نفسه والاعلان عن توافق في معالجة ذيول الأزمة من خلال التعاون بين الخامنئي ورفسنجاني. لا نعرف بالضبط عناصر هذه التسوية وما إذا كانت تشمل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع، أو تفاهمات حول إعادة تشكيل مؤسسات القرار، ومنها مجلس تشخيص مصلحة النظام وغيره.
لقد كان فوز نجاد أصلاً دلالة على دعم قوي من مراكز القرار في الدولة، وهو ما يؤشر على ان إيران تعتبره ناجحاً في المواجهة مع الأميركيين خلال ولايته، وان اخراجه من السلطة كان سيعطي انطباعاً سلبياً عن الموقف الإيراني وتراجعه في لحظة الحوار مع أميركا.
إذا كان هناك من شبهة حول نزاهة الانتخابات الرئاسية الإيرانية فهي تدخل الدولة لمصلحة نجاد وليس بالضرورة التزوير كما يتهم المنافسون. وإذا اجتازت إيران هذه الأزمة وهي في طريقها إلى ذلك، لأن حجم التحركات في الشارع محصورة في العاصمة وقد تراجعت إلى حد بعيد، فإن المشهد الاقليمي سيتركز على المقابلة بين خطب باراك أوباما، وبنيامين نتنياهو، وعلي خامنئي. هؤلاء هم اللاعبون الحقيقيون في حل مشكلات الشرق الأوسط والتسويات السياسية التي يدفع بها الأميركيون لأن فشلهم ومصالحهم العليا تضغط على حلفائهم ولا سيما إسرائيل. وقد كان لافتاً التطور على الجبهة الإسرائيلية حيث اطلق وزير خارجية إسرائيل (ليبرمان) من أميركا تصريحاً يحصر الخلاف مع واشنطن في مسألة المستوطنات. وأعلن ايهود باراك (حزب العمل ـ وزير الدفاع) من القاهرة عن الاستجابة للمطلب الأميركي في تحريك عملية السلام على الجبهات العربية كافة. وبدا واضحاً من توصيات اللجنة المركزية لحزب الليكود المتشددة أن بنيامين نتنياهو قد أطلع اللجنة عن احتمال تقديم تنازلات. وشرعت القاهرة في اطلاق مبادرة لتوحيد الصف الفلسطيني تأخذ بالاعتبار مطالب جميع الافرقاء ولو تمسكت بشرعية أبو مازن (محمود عباس) الذي زار دمشق لتنسيق الموقف. يتضح ان أحداً من الاطراف لم يحقق تعديلاً جوهرياً في توازنات القوى في المنطقة يمكن له أن يحدث تحولاً في الموقف الأميركي. على العكس من ذلك يسعى الأوروبيون بقوة للانفتاح على «حزب الله» و«حماس» والأميركيون على سوريا، وإذا كان هناك من رهان على نتائج الانتخابات الإيرانية فقد خسر رهان التغيير من داخل إيران. وقد فجر رئيس المخابرات الإسرائيلية (داغان) قنبلة صوتية كبيرة عندما أكد ان إيران لن تنتج قنبلة نووية قبل العام 2014 ما أضعف موقف القيادة السياسية التي تحرض وتطلب الحسم السريع مع إيران.
لا شك في ان إسرائيل تسعى إلى حلٍ تصفوي للقضية الفلسطينية. لكن ما أعلنه نتنياهو لم يجد قبولاً لدى مصر، الدولة المتعاهدة مع إسرائيل. في واقع الأمر ان مشروع نتنياهو يحتاج إلى حرب اقليمية كبرى تنتصر فيها إسرائيل لكي يمكن تمريره في ظل الفوضى الكيانية على جبهات عدة، في لبنان والأردن وسوريا ومصر، دول الجوار المرشحة لاستضافة المزيد من المهجّرين الفلسطينيين. إسرائيل تدرك في أعماق تفكيرها الاستراتيجي أن هذا المشروع مستحيل عملياً وهو بمثابة هدم الهيكل على رؤوس الجميع. لعل نتنياهو أراد أن يعيد المفاوضات إلى المربع الأول ليتخلص من كل الموروثات السابقة وما انجزه الفلسطينيون من اعتراف دولي بجزء من حقوقهم. وفي مطلق الأحوال يراهن على الوقت والتطورات التي تساهم في تأجيل الحل وتعطي إسرائيل فرصة إضافية لصناعة وقائع يصعب التراجع عنها. هنا تبدو أهمية وخطورة التوسع الجاري في المستوطنات في القدس والضفة. صحيح ان الإدارة الأميركية حذّرت نتنياهو علناً من توسيع المستوطنات لكننا نسمع كل يوم عن المزيد من الأموال يبذل والمزيد من الاحياء يتوسع.
على هذا الأساس يريد نتنياهو أن يصل إلى حل الدولتين والدولة الفلسطينية غربال لا يجمع ماءً، فيحقق مادياً صيغة الحكم الذاتي لا الدولة. هنا يجب أن ينهض موقف عربي متشدد لوقف الأعمال العدوانية التوسعية قبل الاقتراب من طاولة المفاوضات. وعلى هذه القضية يجب امتحان جدية الموقف الأميركي بالضغط على إسرائيل.
سمعنا خلال هذه الفترة خطاب أوباما ونتنياهو وخامنئي ولم نسمع خطاباً عربياً واحداً في لحظة إعادة تشكيل المنطقة ولو عبر المفاوضات والتسويات السياسية. لا يكفي ان نسمع تصريحات من هنا أو هناك ان ليس هناك من شريك إسرائيلي للسلام. يجب أن نحدد تماماً ونعرف ما إذا كانت أميركا جادة أصلاً في مشروع التسوية والسلام.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى