قضية فلسطين

لبنان الغزاوي

رنده حيدر
اذا كان الهدف المعلن والرسمي للحرب الإسرائيلية على غزة تغيير الواقع الأمني السائد في القطاع، ووقف اطلاق صواريخ القسام، ووضع حد لتهريب السلاح عبر معبر رفح؛ فإن ثمة هدفاً آخر مضمراً للحرب لا يقل اهمية عن الأول هو اضعاف المحور الراديكالي في المنطقة الذي تتزعمه ايران و”تلقينه درساً” بعد صعوده الكبير في أعقاب حرب تموز عام 2006 على لبنان.
ليس سراً أن بناء القوة العسكرية لـ”حماس” وتزويدها بالصواريخ والعتاد والمال لم يكن ليحدث لولا الدعم الايراني اللامحدود للحركة عبر عمليات تهريب السلاح والعتاد، ولولا تساهل السلطات المصرية وغض نظرها عن هذا التهريب الذي كان يتم عبر الأنفاق التي حفرها أنصار الحركة عبر معبر رفح.
من هنا حملت الحرب الاسرائيلية على غزة أكثر من رسالة موجهة بالدرجة الأولى الى ايران والى “حزب الله” في لبنان والى سوريا وسائر الأطراف الراديكالية في المنطقة مفادها ان اسرائيل لن تقبل تحويل قطاع غزة الى مركز للنفوذ الايراني والى مستودع لصواريخ “فجر” و”شهاب” البعيدة المدى التي من شأنها تهديد كل المدن في اسرائيل.
لهذا السبب ومنذ اللحظة الأولى لإندلاع المعارك برز خطر احتمال نشوب مواجهة أوسع وأعقد وفتح جبهة ثانية في لبنان ضد اسرائيل عبر “حزب الله” في لبنان.
وعلى الرغم من التهديدات التي أطلقها الأمين العام لـ”حزب الله” في مطلع الحرب ضد اسرائيل وحادثة اطلاق الصواريخ من لبنان على شمال اسرائيل الأسبوع الماضي، كان الاعتقاد السائد داخل القيادة الإسرائيلية أن الأمر لا يعدو ان يكون حركة تضامن مع غزة جرت من جانب تنظيمات فلسطينية متواجدة في لبنان بغض نظر من الحزب، وأن لا بوادر جدية عن نية قيادة الحزب فتح جبهة ثانية في لبنان. ولكن ما كان يصح في الأسابيع الماضية للحرب على غزة يمكن ان يكون قد تبدل وتغير مع الكلام الإسرائيلي على ملامح هزيمة عسكرية لـ”حماس” في القطاع وتحقيق الجيش الاسرائيلي الجزء الأكبر من أهداف العملية العسكرية، وتزايد الكلام على احتمال التوصل الى وقف لإطلاق نار مؤقت يوقف بموجبه الجيش الاسرائيلي النار من دون ان تنسحب قواته من الأماكن التي دخل اليها في القطاع، وفي المقابل توقف “حماس” اطلاق الصواريخ، ويجري بعدها الانتقال الى البحث في تفاصيل الترتيبات الأمنية والاتفاقات على المحاور ورفع الحصار وغيرها من النقاط. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل من المحتمل أن يقوم المحور الراديكالي في المنطقة بتغيير مجرى الأحداث الضاغطة على “حماس” عبر تحريك جبهة الصواريخ على الحدود بين اسرائيل ولبنان وذلك في الساعات الأخيرة للقتال؟ وهل يمكن في هذا الاطار ادخال تجدد اطلاق الصواريخ بالأمس من لبنان على اسرائيل؟ وماذا قد يكون رد الفعل الإسرائيلي على مثل هذا التطور؟
مالت التقديرات الإسرائيلية في رصد مواقف “حزب الله” من حرب غزة الى ترجيح عدم نية الحزب المجازفة بدخول مواجهة عسكرية جديدة مع اسرائيل للإعتبارات التالية: ليس من مصلحة الحزب خوض حرب جديدة كي لا يعرّض للخطر الإنجازات الكثيرة التي حققها على الصعيد الداخلي اللبناني واستطاع من خلالها زيادة نفوذه داخل الحكومة اللبنانية، وفي الوقت الذي يعد العدة لخوض انتخابات نيابية في حال فاز فيها بالأكثرية يكون قد أحكم قبضته على البرلمان أيضاً؛ ناهيك بصعوبة تعريض الجنوب اللبناني من جديد الى خطر القصف والتدمير لا سيما أن اعادة بناء ما تهدم في صيف 2006 لم تُنجز بعد؛ وخطورة انفراد الحزب باتخاذ خطوة تصعيدية ضد اسرائيل لا تتمتع بتأييد من جانب غالبية اللبنانيين الأمر الذي من شأنه تعريض الحزب للإنتقادات الداخلية.
لقد كان باستطاعة المحور الراديكالي الذي تتزعمه ايران اعلان الانتصار فور وقف اطلاق النار طالما كانت “حماس” صامدة. لكن التخوف الكبير اليوم من ان تؤدي أي خسارة لـ”حماس” الى تطور دراماتيكي في المواجهات قد يكون مسرحها لبنان.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى