صفحات العالم

ثمن هزيمة أوباما

ساطع نور الدين
لم يكن اعتراف الرئيس الاميركي باراك اوباما بالهزيمة في انتخابات الكونغرس النصفية وتحمله مسؤوليتها واستعداده لدفع ثمنها من جدول اعماله ينم عن سلوك رجل دولة شجاع، بقدر ما كان يعبر عن احساس رئيس دولة بالضعف والحصار.. ما يعطي بعض المعنى للنكتة التي شاعت اخيرا عن انه ما ان يصل الى اندونيسيا الاسبوع المقبل حتى يطلب اللجوء السياسي في ذلك البلد الاسلامي الذي امضى فيه اربع سنوات من طفولته، وسجل في احدى مدارسه الكاثوليكية كطالب مسلم، وما زال يعرف لغته حتى اليوم.
الهزيمة، حسب تعبيره، كانت مذلة، وقال انه لا يتمناها لأي رئيس اميركي آخر. لكنها لم تكن تستدعي ذلك الاستسلام الفوري والكامل، وطلب الرأفة من الجمهوريين والمنشقين العنصريين عنهم المنضوين تحت لواء حركة «حفل الشاي».. لو لم يكن اوباما قد فقد القدرة على التحدي، الشكلي على الاقل، وقرر التسليم بأن كل ما فعله في العامين الماضيين ضاع سدى، أو لم يحقق أي نتيجة تذكر. وهذا صحيح الى حد بعيد، فقد أعلن المصرف الاتحادي الاميركي في اليوم التالي للانتخابات انه قرر طرح سندات خزينة بقيمة 600 مليار دولار في خلال الاشهر السبعة المقبلة، لتمويل العجز وتحفيز الاقتصاد الذي لا يزال يعاني الركود، وما زالت أرقامه الاساسية، لا سيما البطالة والتضخم والاستثمار، مثيرة للخوف.
في مؤتمره الصحافي الاول بعد اعلان النتائج أوحى اوباما بأن رئاسته قد انتهت، بقرار صريح من الناخبين الاميركيين، وقال انه مستعد لمراجعة خطته لاصلاح نظام الرعاية الصحية مع خصومه الجمهوريين، والتخلي عن برامجه الاساسية الاخرى الخاصة بقطاع الطاقة والبنى التحتية والتربية وغيرها، من العناوين التي تعني تدخلا اكبر من الحكومة الاتحادية يرفضه اليمين الاميركي بشدة، ويؤيده اليسار الديموقراطي الليبرالي بحدود. هذا التدخل كان من دون شك أهم ضحايا الانتخابات النصفية، التي غيرت وجهة السياسة الداخلية الاميركية، ورسمت معالم طريق جديدة للسياسة الخارجية.
السؤال عن تلك المعالم سابق لأوانه، لان سياسة اوباما الخارجية لم تكن في الاصل باهرة. استفاد الرئيس الحالي من الوجه الشرير لسلفه جورج بوش، العائد قريبا الى أداء دور مؤثر في المعسكر الجمهوري. وسعى الى إخماد الحرائق التي أشعلها وإنهاء الحروب التي شنها، لكنه سرعان ما وجد نفسه أسير المؤسسة العسكرية التي لا يمكنها تحقيق النصر لكنها لا تستطيع تحمل الهزيمة على أي جبهة، واكتشف ان الجبهات تتسع أمامه يوما بعد يوم، والتحديات ايضا، بدءا من العراق الى أفغانستان، وصولا الى اليمن الذي تحول الى رأس حربة تنظيم القاعدة في الهجوم على العمق الاميركي.
أما بقية ملفات السياسة الخارجية، لا سيما منها ملف التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي، فإن أوهام أوباما فاقت أحلامه. وكذلك الامر بالنسبة الى قراره الانخراط في حوار مع سوريا وايران، اللتين لا بد انهما تشعران اليوم ببعض القلق، لا سيما في ظل الاحتفالات الاسرائيلية بهزيمة الادارة الاميركية التي وصفها بنيامين نتنياهو بأنها معادية لإسرائيل، ومناهضة لمشروعها تصفية ما تبقى من مظاهر القضية الفلسطينية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى