صفحات العالم

الأفغان ضحية جديدة لـ”الديموقراطية التوافقية”

أمين قمورية
نطلت كذبة “الديموقراطية التوافقية” على الافغان المساكين، فصدقوا ان الانتخابات ستجلب لهم الامن والاستقرار وتبعد عنهم اللعنات التي حلت وتحل وستحل بهم حتى يوم الفرج الذي لن يأتي قريباً.
تجاوزوا عقدة الخوف الطالبانية واقبلوا بالملايين على صناديق الاقتراع املا بالخلاص.  ولكن مع كل فتح صندوق جديد وفرز للاصوات فيه يرتفع صراخ المرشحين وعويلهم محذّرين من مغبة التزوير ومهددين بالويل والثبور. ويرتسم في سماء افغانستان المغبرة معالم سيناريو انتخابي ايراني جديد، او معالم مشاريع حروب جديدة ليس بين المحتلين الاجانب المتلطين خلف حكومة مسيرة من الخارج من جهة، والمتمردين الطالبانيين من جهة أخرى، بل بين الجماعات الاتنية والعرقية التي تعتبر هزيمة مرشحها الانتخابات خسارة لموقعها ونفوذها وانتقاصا من معنوياتها وكرامتها، مما تزيد الطين الافغاني بلة!
وواشنطن الغارقة حتى اذنيها في الوحول الافغانية، كانت تتطلع من وراء هذه الانتخابات الى حكومة افغانية تحظى بالشرعية، في نظر الافغان، لتحقيق اكبر قدر ممكن من الاستقرار السياسي والامني وتجييش السكان ضد الخطر الطالباني، فاذا بالانتخابات تهيّج كل العصبيات الاتنية المكبوتة، وترفع الحجر الثقيل الذي كان موضوعاً فوق جحر الافاعي العرقية والطائفية.
الرئيس كرزاي البشتوني العرق والهوية يدعي الفوز، وعبد الله عبد الله طبيب العيون الطاجيكي يدعي الفوز ايضاً، واذا جاءت نتائج الفرز الاولي لغير مصلحته اتهم الطرف الآخر بتزوير الانتخابات والتلاعب بالنتائج. وهكذا، لا غرابة في ان  يتكرر في افغانستان ما حصل في ايران بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بين الرئيس المعلن فوزه محمود احمدي نجاد، والمرشح المعلنة خسارته مير حسين موسوي، مع فارق ان الامر في افغانستان سيكون اخطر فيما لو تصاعد في ظل هشاشة الامن وسهولة الاحتكام الى السلاح. والاهم، في ظل تنامي العصبية العرقية والطائفية التي كرسها النظام القبائلي والاتني لـ”اللويا جيرغا”  والتقليعة السمجة المسماة “الديموقراطية التوافقية” التي يعرف اللبنانيون والعراقيون “فضائلها الكبيرة”، وهي نقيض الديموقراطية المتعارف عليها ولاتشبهها بشيء ابدا. ذلك ان زواج الديموقراطية والتعصب الاتني او الطائفي هو كزواج الماء والنار!
ففي الانتخابات الافغانية، مثل الانتخابات اللبنانية والعراقية (اي في البلدين العربيين الوحيدين اللذين ينعما بـ”نعمة” الانتخابات)، الانتماءات العرقية او الطائفية، والحجم العددي للطوائف او المذاهب هما اللذان يحددان النتائج والمصير. البشتون هم الاتنية الاكبر والمهيمنة الدائمة على السياسة في البلاد منذ ايام الملكية، لايرضون بهزيمة ابنهم المرشح. والطاجيك، وهم الاتنية الثانية عدداً ونفوذاً، يعتبرون ايضا ان ابنهم المرشح هو الذي نال اكبر عدد من الاصوات لان البشتون احجموا عن التصويت لكرزاي بسسب سوء حكمه والعنف الطالباني في معاقلهم الجنوبية، بينما صوت الشمال الطاجيكي بكثافة لعبدالله. والهزارة الشيعة الذين يعانون من القمع المزمن في ظل حكم البشتون السنة، يلتفون حول مرشحهم رمضان بشاردوست او على الاقل لا يتمنون الفوز للبشتوني. فيما امراء الحرب السابقون الملوثة ايديهم بالدماء واموال الافيون، بشتوناً كانوا ام اوزبك ام طاجيك ام هزارة، فيعقدون من فوق الطاولة او تحتها الصفقات مع هذا المرشح او ذاك طمعا باستعادة نفوذ او تقاسم للجبنة الافغانية المهترئة.
وهكذا، فان القلق الافغاني صار مزدوجاً، اولا من ان يرفض اي من الاطراف المتنازعين النتيجة المعلنة للانتخابات ويصر على رفضها مستعينا بالشارع المتعصب قبليا واتنيا ما يفتح صراعاً جديداً، او ان تأتي النتائج برئيس “ناقص” يضطر الى الاستعانة بامراء الحرب السابقين لتأمين الغلبة وتالياً ادخال البلاد في معترك اخر لا يقل سوءاً عما سبق. وفي كلا الحالتين فان النزف الافغاني مستمر، واللعنة تظل ترخي باثقالها على عنق آسيا، فيما “الديوقراطية التوافقية” تعيش أحلى أيامها.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى