صفحات ثقافية

علاقة فيروز بالشام… حكاية حب لا تتوقّف

null

أحمد بوبس

بدأت عام 1955 واستمرت أغاني وألحاناً وعشقاً

فيروز … صوت حنون عشقه السوريون، واعتادوا الاستيقاظ صباح كل يوم على تغريده العذب. عبر الإذاعات السورية الرسمية والخاصة التي تبدأ ارسالها يومياً بالغناء «الفيروزي». وعشق الدمشقيين خاصة والسوريين عامة لفيروز عشق يومي، إذ من المستحيل أن تدخل بيتاً في سورية ولا تجد فيه تسجيلات لفيروز. وكيفما يلتفت المرء يسمع صوتها في المقاهي والمطاعم والأماكن السياحية، باعتبارها رمزاً للفن العربي.

وعندما أعلن أن فيروز ستقدم مسرحية «صح النوم» على مسرح دار الأوبرا في دمشق، لمناسبة افتتاح احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية، تحول العشق الهادئ لدى السوريين إلى بوح علني. فالكل يريد أن يحضر فيروز ويشاهدها، ويحظى ولو بصورة معها أو يحصل على توقيعها. فخبر زيارة فيروز لدمشق أشعل الذكريات في نفوسهم. أعادهم إلى أيام كانت فيروز تمثل مناسبة سنوية مهمة لهم مثل الأعياد، ينتظرونها بلهفة

ومما زاد في شوق السوريين لفيروز أن غيابها عنهم طال، فآخر مرة غنت فيها في سورية كانت عام 1987 على مسرح بصرى الأثري. أما مسرحية «صح النوم» فقدمت في دمشق قبل أربعين سنة أي عام 1968 على مسرح معرض دمشق الدولي.

وحكاية فيروز مع دمشق بدأت عام 1953.

ففي أحد أيام ذاك العام كان الأمير يحيى الشهابي كبير مذيعي إذاعة دمشق ومدير البرامج فيها آنذاك، يتناول طعامه في مطعم العجمي في بيروت. وكــان مذياع المطـــعم يبث برامج الإذاعة اللبــنانية. وقدم المذيع مطربة اسمها فــيروز، فغنّت في شــكل جميل أدهــش الأمير الــشهابي.

فتوجه فوراً إلى مقر إذاعة بيروت، وسأل حليم الرومي (رئيس الدائرة الموسيقية في الإذاعة آنذاك) عن المطربة. استدعاها الرومي. وإذ بها تدخل مرتدية مريولاً مدرسياً، ومعها عاصي الرحباني متأبطاً كمانه وبرفقته شقيقه منصور يرتدي بزة الشرطة ومتأبطاً بزقه. وعرض عليهم الأمير الشهابي العمل في إذاعة دمشق، فوافقوا فوراً، لأن إذاعة دمشق كانت من أقوى الإذاعات العربية.

وأصبحت فيروز تحضر كل أحد مع الأخوين الرحباني إلى دمشق، لتسجيل أعمالهم لمصلحة الإذاعة السورية.

لكن كيف بدأت حكاية فيروز على مسرح معرض دمشق الدولي؟

كان ذلك أواخر عام 1955. وكان الفضل في ذلك لجهود الصحافي اللبناني هشام أبو ظهر الذي كان يعرف فيروز والأخوين الرحباني. فقدّمهم الى المدير العام لمعرض دمشق الدولي آنذاك فيصل دالاتي الذي عرض عليهم المشاركة في مهرجان فني جديد، يجري الاعداد له على مسرح المعرض.

وبالفعل وقّع عقداً معهما في هذا الشأن، وبدأت مشاركة فيروز في مهرجان معرض دمشق الدولي منذ دورته الأولى عام 1956، فقدمت مجموعة من الموشــحات والأغــنيات الأخرى بمرافقة الــفرقة الشــعبية اللبنانية. بدأت بموشحي «جادك الغيث» و «لما بدا يتثنى»، ثم غنت مجموعة من ألحان الرحابنة مثل «يا قمر أنا وياك» و «ما في حدا».

وكان في مقدم الحضور الزعيم الوطني فخري الــبارودي. واســتمرت بعد ذلك في مــشاركتها ســنوياً من دون انــقطــاع حتى عام 1977، عــندما حالت الحرب الأهــلية اللبــنانية دون اســتمرار تلك المــشاركة.

وكانت مشاركاتها حتى عام 1961 بحفلات منوعة. بعدها بدأت بتقديم المسرحيات مع الرحابنة. والمسرحيات التي قدمتها على مسرح المعرض حسب تسلسلها الزمني هي: «جسر القمر» عام 1962 و «الليل والقنديل» عام 1963 و «بياع الخواتم» 1964 و «هالة والملك» 1967، و «الشخص» 1968 و «صح النوم» 1971 و «ناطورة المفاتيح» 1972 و «لولو» 1974 و «ميس الريم» 1975، و «بترا» 1977.

وفي الأعوام التي لم تشارك فيها فيروز في مسرحيات، أقامت حفلات غنائية. هذا الحب الكبير الذي أعطته دمشق لفيروز، قابلته الأخيرة بحب أكبر من خلال مجموعة من الأغنيات غنّت بها دمشق.

وشاميات فيروز من أجمل ما لحّن الرحابنة. وجميعها قدمتها فيروز على مسرح معرض دمشق الدولي الذي ارتبط باسمها في ذاكرة الدمشقيين. ومن أهم حفلاتها في أيلول (سبتمبر) 1961، حيث شدت بأجمل أغنياتها عن الشام «سائليني يا شام» رائعة سعيد عقل الشعرية. والأغنية تتحدث عن دمشق عاصمة الأمويين وجنة الدنيا بنهرها بردى. ويقول مطلع الأغنية: «سائليني يا شام، حين عطرت الغمام، كيف غار الورد، واعتل الخزام، وأنا لو رحت أسترضي، لانثنى لبنان عطراً يا شام».

ومن شعر وتلحين الرحابنة غنّت أغنيات شامية أخرى مثل «يا شام عاد الصيف» و «شام يا ذا السيف» التي تتحدث عن دمشق عاصمة المجد وصانعة اشراق التاريخ العربي.

والمعاني نفسها حملتها قصيدة «قرأت مجدك». ومن أجمل ما غنت فيروز للشام «طالت نوى وبكت». وهذه الأغنية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمعرض دمشق الدولي أواخر فصل الصيف حيث الموعد السنوي لفيروز مع دمشق. وفي الأغنية إشارة واضحة إلى ذلك في المقطع الذي يقول: «شام أهلك أحبابي، وموعدنا أواخر الصيف، آن الكرم يعتصر، نعتق النغمات البيض نرشفها، يوم الأماسي لا خمر ولا سهر».

وتعود فيروز إلى سعيد عقل فتغني قصيدة «نسمت من صوب سورية الجنوب». والأغنية الوحيدة التي قدمتها فيروز عن الشام وليست من تلحين الرحابنة، هي قصيدة «مرّ بي يا واعداً وعدا» التي لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب من شعر سعيد عقل. وآخر أغنيات سفيرتنا إلى النجوم عن الشام «بالغار كلّلت أم بالنار يا شام» نظم وتلحين الرحابنة بعد الانتصارات التي حققها المــقاتلون الســوريون فـــي معارك «حرب تشرين» (1973).

الحياة – 17/01/08/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى