صفحات العالمفايز سارة

المساعدات المالية في سياسة إيران الخارجية

فايز سارة *
كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أخيراً عن قيام ايران بتقديم اموال الى افغانستان، وقد أعلن الرئيس الأفغاني حميد قرضاي في اعقاب الخبر، أن مكتبه يتلقى من إيران أموالاً نقدية، وذلك للمساعدة في تغطية نفقات القصر الرئاسي، مشدداً على أن هذا الأمر تم عبر القنوات الرسمية، وأن المساعدات تتم مرة او مرتين في العام. وأضاف قرضاي انه مقابل المساعدات الايرانية «طالبونا بإقامة علاقات طيبة وأشياء أخرى كثيرة».
وعلى رغم نفي سفارة ايران في كابول الخبر الذي وصفته بأنه «مزاعم مهينة وسخيفة»، أكدت طهران لاحقاً صحة الخبر، وأن الاموال جزء من ديبلوماسية نشطة، تهدف الى تحقيق اهداف سياسية مشروعة في أفغانستان. وهو هدف يمكن تلمسه في موضوع المساعدات والهبات المالية التي تقدمها طهران في الكثير من الدول، حيث تقدم احياناً الى الحكومات، وفي احيان اخرى الى احزاب سياسية، والى تنظيمات مسلحة وميليشيات شبه عسكرية. وطبقاً للمعروف في علاقات طهران مع المشرق العربي، فإن ايران تقدم مساعدات مالية معلنة في العراق وفلسطين ولبنان وغيرها على غرار ما تم الاعلان في افغانستان. ففي فلسطين، تقدم ايران مساعدات مالية مباشرة الى عدد من الجماعات الفلسطينية، لا سيما كل من حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي، وفي لبنان تقدم ايران مساعدات مالية كبيرة لجماعات لبنانية، لكن الاهم ما تقدمه لحزب الله اللبناني لمساعدته في الدور الكبير والواسع الذي يأخذه على عاتقه سياسياً وعسكرياً واجتماعياً هناك، كما تقدم مساعدات مالية لعديد الجماعات السياسية والدينية والميليشيات المسلحة في العراق من بينها المجلس الاعلى للثورة الاسلامية.
وقد كشف في تموز (يوليو) الماضي قيادي في المجلس، ان ايران خفضت حجم دعمها المالي للمجلس الى النصف. وأكدت وثائق «ويكيليكس» دعم ايران المالي لأحزاب وجماعات عراقية موالية لها، اضافة الى تزويدها بالاسلحة.
وكشف تقرير لصحيفة «التلغراف» البريطانية تقديم طهران مساعدات مالية مباشرة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بهدف تمويل الحملة الانتخابية للحزب العام المقبل، حيث سيسعى رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان للفوز بفترة حكم جديدة. وبحسب التحليلات، لا يمكن فصل الدعم المالي لحزب رئيس الوزراء التركي عن جملة المواقف السياسية التي يتخذها اردوغان وحكومته والتي تتناغم مع مواقف ايران، لا سيما لجهة تأييد انقرة حق ايران في الحصول على برنامج نووي.
ولا يمكن القول بتفرد ايران في تقديم مساعدات مالية مباشرة لدول وجماعات وأحزاب، بل أيضاً لشخصيات عامة. فمثل هذا السلوك تتبناه وتقوم به دول مختلفة في العالم وفي المنطقة، ومنها ما قامت به الولايات المتحدة في العراق وافغانستان، وفي كلا البلدين قدمت واشنطن اموالاً بينها اموال للرئيس الافغاني حميد قرضاي على غرار ما فعلت ايران، وأموال اخرى قدمت لميليشيات وشخصيات عشائرية عراقية من اجل كسب ودها في الصراعات القائمة في العراق، ومنها الصراع مع القاعدة وجماعات المقاومة العراقية.
غير انه لا يمكن النظر الى المساعدات والهبات المالية الايرانية بحسب المنظور الذي يُنظر به الى المساعدات المالية الاميركية او غيرها، بخاصة في ظل ما تعيشه ايران من ظروف سياسية ناتجة من العقوبات الدولية المفروضة، والتي ما زالت في بداياتها، وفي ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة يعيشها الايرانيون، من مؤشراتها وصول المعدل الرسمي للبطالة الى ما بين 10 و15 في المئة، وذلك بالترافق مع تدني الاجور، ووصول التضخم سنوياً الى خمسين في المئة، بحسب مركز بحوث تابع لمجلس الشورى الإيراني، خلافاً للرقم الرسمي القائل إن التضخم هو دون الـ9 في المئة، وفي ظل حقيقة ان أبناء الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود مضطرون لممارسة عملين او ثلاثة، للقيام بأودهم، في وقت أصبح الأغنياء أكثر غنى، بينما يعاني ذوو الدخل المحدود ضغوطاً اقتصادية تجعلهم أكثر فقراً.
لقد شكلت المساعدات والهبات المالية، باعتبارها جزءاً من سياسة ايران الخارجية، مسألة خلافية داخل النخبة السياسية وفي اوساط قطاعات شعبية منذ سنوات طويلة، وكان بروزها حاداً في الانتخابات الرئاسية عام 2005 التي فاز فيها الرئيس احمدي نجاد، وكذلك في الانتخابات الاخيرة، حيث ظهرت مطالبات بوقف توزيع المال الايراني في الخارج، وهو الموقف الذي تبناه معارضو نجاد ومنافسوه على الرئاسة. ويمثل ذلك احد اسباب الانتقادات التي توجهها المعارضة لحكومة نجاد في سياستها الخارجية، والتي ادت الى «هذا الوضع السياسي والاقتصادي الخطر في البلاد»، بحسب قول زعيم المعارضة في ايران مير حسين موسوي.

* كاتب سوري
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى