صفحات العالم

تمديد الطوارئ: لماذا تستخف الحكومة المصرية بالمعارضة وبالخارج ؟

عمرو حمزاوي
بات واضحا أن الحكومة المصرية بتمديدها قانون الطوارئ لعامين إضافيين ورفضها المتكرر، وكذلك الرفض الرئاسي، تعديل الدستور على نحو يضمن منافسة حقيقية ونزيهة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة عازمة على إجهاض الحراك السياسي الراهن وتفريغه من مضمونه. والمحبط هنا هو انتفاء قدرة المعارضة ونشطاء الديموقراطية في الداخل على مواجهة الحكومة بفاعلية ومن ثم رفع كلفة إجراءاتها السلطوية، وكذلك انتفاء رغبة القوى الخارجية المعنية بالشأن المصري بالضغط على الحكومة في اتجاه إصلاحي.
لم تلتفت الحكومة طويلا لمطالبة المعارضة بإلغاء قانون الطوارئ وتعديل الدستور ولم يدفعها استمرار النشاط الاحتجاجي في الشارع المصري الى اعادة النظر في إجراءاتها ولا الى الاجتهاد لصوغ خطاب تبريري مقنع. واقتصر جل ما رددته الأصوات والأقلام الحكومية على الإشارة إلى أخطار الإرهاب والمخدرات كسبب لتمديد قانون الطوارئ وتجديد الوعود الواهية بعدم تطبيق القانون خارج هذه السياقات.
وفي ما خص رفض تعديل الدستور، استند الرئيس حسني مبارك في خطابه لمناسبة عيد العمال إلى ثلاث مقولات طالما وظفها هو والحكومة في مواجهة مطالب الإصلاح: 1) أهمية المحافظة على استقرار الإطار الدستوري بالامتناع عن إدخال تعديلات جديدة (بعد تعديلات 2005 و2007)، 2) الدستور الحالي فيه ما يكفي من ضمانات المنافسة السياسية ونزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، 3) خطورة انفلات الوضع الداخلي في مصر وانزلاقه إلى فوضى كارثية إن استجابت الحكومة لمطالب المعارضة التي تكتفي بإطلاق الشعارات ولا تعلم عن إدارة البلاد الكثير. والمؤكد أن الإجراءات الحكومية والمقولات التبريرية المصاحبة لها يدللان بوضوح على استهزاء بالمعارضة يستند إلى عجزها عن مواجهة الحكومة وتحديها.
وعلى الرغم من أن انتقادات الأطراف الخارجية وردود فعلها السلبية على تمديد قانون الطوارئ كانت متوقعة ومعلومة سلفا، إلا أن الحكومة هنا أيضا لم تلتفت طويلا لها أو تأخذها في الاعتبار. فمن جهة أضحت بيانات منظمات حقوق الإنسان الدولية والغربية المنددة بالإجراءات الحكومية بمثابة الأمر الاعتيادي الذي راكمت بشأنه الحكومة، ممثلة في إدارة حقوق الإنسان بوزارة الخارجية والمجلس القومي لحقوق الإنسان، خبرة تجميلية وتحايلية متميزة مصحوبة بتقويم واقعي لما تستطيع مثل هذه المنظمات فعله، وهو قليل.
أما على مستوى الحكومات الغربية، فلا شك في أن رد فعل الإدارة الاميركية السلبي على تمديد قانون الطوارئ وانتقادها العلني له والمطالبة بإلغائه على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية ثم وزيرة الخارجية كلينتون متبوعة بالمتحدث باسم البيت الأبيض كان أكثر وضوحا وجرأة إذا ما قورن بالإشارات الديبلوماسية الهادئة من بعض العواصم الأوروبية كلندن وباريس أو بالتجاهل التام في عواصم أخرى كما هي الحال في برلين. وكانت إدارة الرئيس أوباما قد أشارت في بعض المناسبات إلى أهمية التزام الحكومة المصرية بالوعود الإصلاحية التي أطلقتها منذ 2005 وفي مقدمها إلغاء قانون الطوارئ، كما سبق لها خلال الأشهر القليلة الماضية ممارسة شيء من الانتقاد العلني لإجراءات وممارسات الحكومة ضد المعارضة ونشطاء الديموقراطية، جاء أبرزها بعد العنف غير المبرر من جانب قوى الأمن تجاه المشاركات والمشاركين في تظاهرة 6 نيسان 2010.
وعلى وضوح وجرأة الموقف العلني للإدارة الاميركية، ولنا أن نتخيل أن الانتقاد نفسه لتمديد قانون الطوارئ والمطالبة بإلغائه قد نقله الرسميون الاميركيون إلى نظرائهم المصريين في الحوارات غير العلنية، إلا أن الحكومة المصرية لم تبدِ الكثير من الاكتراث به. بل على النقيض من ذلك، خرج وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ليصف الموقف الاميركي بـ”المسيس” والمستند إلى تقويم غير دقيق للأمور وكررت البيانات الرسمية الصادرة عن القاهرة وعن السفارة المصرية بواشنطن مقولات ضرورة حماية مصر من أخطار الإرهاب والجريمة المنظمة وكون العمل على إعداد قانون الإرهاب لم ينجز بعد لتعقّد التفاصيل (وأتبع أحد بيانات السفارة المصرية بواشنطن المقولة الأخيرة بمقارنة التعثر المصري بتعثر إغلاق معتقل غوانتانامو وتطبيق إلغاء الأوامر العسكرية بشأن الحرب على الإرهاب الذي كان الرئيس أوباما قد وقع عليه في الأيام الأولى لإدارته).
والحقيقة أن عدم الاكتراث المصري بالموقف الاميركي يعود إلى تقدير دقيق وقراءة واقعية لحدود اهتمام إدارة أوباما بملف الديموقراطية في مصر وعلاقته بمنظومة المصالح الاميركية المصرية المشتركة وأولويات الولايات المتحدة الإستراتيجية في ما خص مصر. فإزاء مشهد شرق أوسطي ما زالت عملية السلام فيه على تعثرها والملفات العالقة بين الغرب وإيران على طبيعتها الصراعية دون حلحلة، وانهيار الوضع الأمني والسياسي في العراق مع قرب رحيل القوات الاميركية، تحتاج إدارة أوباما إلى التنسيق والتعاون مع الحكومة المصرية كحليف أساسي لا تحتمل العلاقة معه هزات أو انتكاسات كتلك التي حدثت في عهد بوش ولم تكن مقطوعة الصلة، جزئيا على الأقل، بملف الديموقراطية في مصر.
تدرك الحكومة أن الانتقادات الاميركية الراهنة، وعلى الرغم من سقفها المرتفع والمغزى المؤسسي المهم لقيام وزيرة الخارجية بالتعليق بنفسها على تمديد قانون الطوارئ وكذلك إصدار البيت الأبيض بياناً باسم الرئيس أوباما، لن تستمر طويلا. فاحتياج الإدارة للدور المصري في رعاية وتشجيع المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وعملية السلام في الشرق الأوسط أضحت أحد أهداف أوباما الرئيسة في مجال السياسة الخارجية، وكذلك في تهيئة المسرح الإقليمي لمزيد من الضغوط على إيران بشأن مشروعها النووي وخلق زخم للطرح الداعي إلى شرق أوسط خال من الأسلحة النووية الذي تتبناه الدولتان، سيدفعان إدارة أوباما إلى الإبقاء على العلاقة الإيجابية مع مصر ومن ثم يحولان دون حدوث تأزم أو تدهور على خلفية ملف الديموقراطية.
وأحسب أن الحكومة في قراءتها هذه لحدود الاهتمام الاميركي بالديموقراطية لا تبتعد كثيرا عن جوهر الأمر في واشنطن، وهو ما يعني أن أي تعويل من جانب البعض في صفوف المعارضة المصرية على دور اميركي يتجاوز تلك الحدود يصبح بمثابة صناعة للوهم وإضاعة للجهد والوقت، فضلا عن إتاحة الفرصة للحكومة لتجديد الاتهام للمعارضة بالاستقواء بالخارج ومن ثم إثارة الشكوك حول وطنيتها. لن يتغير المشهد السياسي المصري ولن يتأتى مواجهة الإجراءات الحكومية السلطوية إلا بإعادة المعارضة، حزبية وغير حزبية وشبكات نشطاء الديموقراطية، النظر في إستراتيجيات وأدوات فعلها وتحالفاتها بحثا عن مزيد من الفاعلية الشعبية، وأقولها مجددا، عن تنسيق وتعاون مع القوى الإصلاحية داخل منظومة الحكم.

( باحث مصري في مركز كارنيغي للسلام)
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى