صفحات سوريةمحمد زكريا السقال

خمسة وأربعون عاما من الاستثناء

null


محمد زكريا السقال

ليس بعيدا هو الوقت الذي يزحف علينا من آذار ، وتحديدا الثامن ، الثامن من آذار الذي قدر له أن يكون يوما غير مرحبا به ، بل هو يوما أسود لأنه كبل الشعب السوري بقانون الطوارئ البغيض ، قانون يلغي الشعب كصاحب بلد وسيادة وكرامة ، يلغي القانون والقضاء ، كتعبير للحياة الإنسانية ، يلغي العقل كحالة ونعمة للتفكير والتمييز والتنقيب على كل يجعل الحياة إنسانية كخيار بين الحق والواجب للتفاعل بين الوطن والمواطن ، يلغي الثقافة ودورها كنتاج بشري لا يعيش إلا بالحوار والتفاعل مع الأخر ، يلغي الطموح أن نصل ونتواصل ، و أن نحرر ونتحرر ، يلغي الجيش كمؤسسة وطنية مهمتها الدفاع عن سيادة واستقلال الوطن وتحرير أرضه وصيانة دستوره وشعبه ، ليصبح حرس القصر ، وكتائب حماية أمنه وبطشه وسطوته ، يلغي الأمن ، الأمن بمعنى شعور البشر بأنهم ذوي كرامة مصانة بالقانون ، ليصبح أمن القائد ، و أمن المسئول وأمن المزرعة .

ماذا فعل أصاحب الثامن من آذار ، فينا وبأنفسهم ، أنفسهم هم ، العبثيون ، كحزب له تاريخ لا ينكر في تاريخ العمل الوطني والقومي ، أين هم ، وماذا يمكن أن يقولوا للوطن والمواطن ، هل هناك مانجتمع عليه ويشكل قاسم مشترك ، اكيد الوطن ، ولكن على ماذا نتحاور معهم في هذه الذكرى البغيضة في تاريخ سوريا ، ذكرى القمع و إلغاء الأخر ، أرادو أن يقودونا للنصر والوحدة والحرية ، فأودوا بنا للهزيمة والضياع .

نقول هذا ونحن ندرك تماما أن الحزب سرق ونكل به وأصبح أداة لتمرير الهزيمة وتبرير السرقة والعسف ، نقول هذا لأن الشرف والكرامة فرزت أصحابها وأهلها ، وانفض السامر عن سلطات العسف والبطش منذ زمن ليس بقصير ، وهذه الجموع التي تحتشد تحت شرفات القصر ويافطته ، هم إما مرتزقة أو خائفون ومصابون بالرهاب الذي عمم على مساحة هذا الوطن الكبير .

الذكرى الخامسة والأربعون تزحف علينا والظروف التي تمر بها سوريا بالغة الحساسية والتعقيد ، ولا عذر لأحد ، كل ما يعم خراب وينذر بالأسوأ ، لا عذر للسلطة بغض النظر عن مطالب الحرية والعدالة وسيادة القانون ، يجب على السلطة أن تدرك إن سياسة إدارة الظهر لا تعطي إلا التفتت والتمزق ، ويجب أن تدرك السلطة أنه بالقدر الذي نقف به ضد الخارج ومشاريعه ، إلا أنها هي المسئولة الأولى عن تطاول ثقافة الاستعانة بالخارج بهذا التهميش والاستخفاف بالحقوق ، وعليها تدارك الأمور بسياسة إصلاح سياسي اقتصادي واضحة لا لبس فيها ، من خلال إلغاء هذا القانون السيئ الصيت ، وإطلاق سراح معتقلي الرأي ، وإعادة الاعتبار للدستور وسيادة القانون والعدالة من خلال تشريع الأحزاب و الصحافة والأعلام .

لا عذر لكل القوى في جبهة النظام أو في دائرته أن هذا القهر ، وهذا الوضع الشاذ سيودى بكل شئ والخاسر الأساسي هو الوطن وشعبه بسيادته وحريته واستقلال قراره ، عليهم أن يهتموا بالعدالة القانونية بالإضافة للعدالة الاجتماعية ، عليهم أن يدركوا أن الفساد عندما يصل القانون والتربية ، يكون فسد ملح الأرض وعندها تفسد المشاعر ولا إنسان في إطار العبودية والظلم .

لا عذر للقوى الوطنية بهذا التذرر والردح الغير مقبول ، وحدة الحركة الوطنية على الديمقراطية وعروبة سوريا وسيادتها واستقلال قرارها في مواجهة الاستبداد والفساد ومواجهة السياسة البشعة والعدوانية للمركز العالمي المنحاز بصلف للعنصرية والفاشية الصهيونية والذي يخطط لتفتيت المنطقة ، هو الهاجس وهي البرنامج الذي لا خيار لنا سواه ، وإلا سندخل التيه والضياع .

الثامن من آذار القادم امتحان لكل الذين ينتمون لهذا الوطن ، من أجل الوقوف على عتبة مستقبل البلد وجهها الذي أصبح لا يميز ، هو امتحاننا الذي يجب أن نوليه مسؤولية خاصة , ووقفة أمام الواقع ومساوئه ومخاطره بصدق .

محمد زكريا السقال

برلين / 15 / 2 / 08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى