الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

هل تقوى إسرائيل على تدمير المفاعلات الإيرانية؟

وفيق السامرائي
ضمن فلسفتها الأمنية، عملت المخابرات الإسرائيلية على منع العراق من تصنيع سلاح نووي، فبدأت بخيارات استخبارية شملت حزمة من النشاطات السرية لمنع او عرقلة بناء (مفاعل تموز)، ونجحت في عرقلة وصول المعدات النووية لفترة محدودة، ولم تنجح في تحقيق الغاية، لأن تفجيراً هنا وتأخيراً هناك لا يمكن لهما تعجيز طرف صمم على بلوغ الهدف، فلجأت الى شن غارة يونيو 1981، التي دمرت المفاعل خلال دقيقتين، ثم أنارت وسائل الدفاع الجوي العراقية غروب شمس بغداد بنيرانها، بعد فوات الأوان. ومع أن المعطيات تختلف كثيراً في ما يتعلق بالبرنامج الإيراني، إلا أن القاعدة تبقى نفسها، فالمتغيرات تحصل على طرفين وليس على طرف واحد. وحالة القلق العالمي من النووي الإيراني تفوق أضعافاً حالة القلق عام 1981، ما يشكل عزلة إيرانية غير عادية.
الجهد الاستخباري لم يعد له تأثير في وقف البرامج الإيرانية، عدا في مجال جمع المعلومات، التي يفترض توافرها، لكن الهامش بقي عريضاً للخيارات السياسية والاقتصادية والعسكرية. وإذا ما فشلت الجهود السلمية وقررت اسرائيل معالجة الموقف عسكرياً، فهل تمتلك القدرة على تحقيق الهدف؟
ابتداء لا بد من الوقوف على الترتيبات الدفاعية الإيرانية تجاه التهديدات التي يمكن ان تتعرض لها منشآتها النووية. وهي من دون شك أكثر حماية من المفاعل العراقي الذي دمر، بحكم : (1) بعد المسافة عن إسرائيل، (2) وانتشار المواقع في أكثر من منطقة، (3) والاستفادة من دراسة عملية 1981 لفهم كيفية تصرف الجانب الإسرائيلي، (3) وكثافة الدفاعات الجوية، (4) وعدم انشغال إيران بظروف حرب كما هي حال العراق آنذاك، (5) وتعقيدات امدادات الطاقة، (6) ووجود قدرة صاروخية تقليدية لدى إيران، (7) والمشاكل الدولية، خصوصا مشكلة القوقاز الطارئة.
ما قيل عن وجود خطط لتوجيه ضربة إسرائيلية من قواعد جورجية، ليس خيالا، فهي ممكنة من الناحية العملية، وفضلا عن تأمينها المباغتة باتجاه الضربة وخطوط الطيران، فعملية كهذه تقصر مدى الطيران بحدود 25%، مقارنة بالطيران المباشر من إسرائيل، كما أن نشر المعلومات يؤدي الى إرباك الترتيبات الدفاعية الجوية الإيرانية، ويتسبب في بعثرة وحدات الصواريخ ووسائل الكشف الالكتروني، لأن من غير المتوقع امتلاك إيران تغطية شاملة لكل المقتربات المؤدية الى مواقعها الاستراتيجية، وفي كل الأحوال لم يعد في وسع إيران عدم بعثرة مواردها. إلا أن مرور الطيران الاسرائيلي من اتجاه جورجيا يتسبب في مشكلة قطع ايران من أقصى الشمال الى قلب الوسط، مروراً فوق عشرات المدن، ما يجعل الكشف أكثر احتمالا مما لو تم الاقتراب من مناطق أقل كثافة سكانية.
في مجال التطوير العسكري، لم تستطع إيران إحداث تغيير كبير في منظومات دفاعها الجوي، لأنها ليست قادرة على الحصول على منظومات غربية، ولأن فلسفة تصدير السلاح الروسي كانت الى حد قريب لا تسمح بتصدير أحدث المنظــومات، والقديم منها أكل الدهر عليه وشرب، ومعظمها من جيل الستينيــات المتخلفــــة، ولم يعد طيار غربي، وإسـرائيلي بالطبع، لا يعرف خواصها وكيفية تفاديها، والحال تنطبق على طياري الدول الإقليمية أيضــاً. لذلك فالتعويل الإيراني على الصواريخ الروسية القديمة أقرب ما يكون الى من يضع رأسه في الرمال ويترك جسمه مكشوفاً. أما تزويد إيران بصواريخ اس 300 الروسية فيعني أول ما يعني بدء حرب باردة جديدة وحماقة روسية، ومن يصدق أن هذا الجيل بقي محصناً أمنياً تجاه المخابرات الغربية في مرحلة تفكك الاتحاد السوفيتي ولم تعرف خواصه الفنية وكيفية التغلب عليها؟
عملية جوية إسرائيلية قد لا تحتاج الى موافقات من دول إقليمية للمرور، إن هي صممت على ذلك، فلم تحصل على موافقة أحد عام 1981، كما أن تحميل إيران لأي طرف المسؤولية سيكون بلا معنى، لأن الأجواء فوق الأراضي الخالية ليست بالضرورة مراقبة إلكترونيا بطريقة مضادة للتشويش، طالما كانت بعيدة عن الأهداف المحلية المهمة. أما العراق فلا يمتلك منظومات مراقبة، عدا الاميركية.
تمتلك إسرائيل طائرات حديثة مزودة بأجهزة تشويش، وقادرة على التزود بالوقود جواً، وكانت أول الدول غير الغربية التي حصلت على الصواريخ الموجهة جو ـ أرض، والحديث لم يعد مقتصراً على ما سميت القنبلة التلفزيونية عام 1973، وسبق أن حصل العراق وسط الثمانينيات على صواريخ ألحقت أضراراً كبيرة في المنشآت النفطية الإيرانية، يمكن اعتبارها من الأسلحة النقطوية (أي ضربة نقطة وليس منطقة)، وليس معقولا افتراض عدم تزود إسرائيل بصواريخ لاختراق التحصينات، أكثر تطوراً مما استخدمت في تدمير المفاعل العراقي. ومن المتوقع أن تستخدم إسرائيل عدداً كبيرا من صواريخ أريحا أرض ـ أرض على الاهداف المطلوبة، وربما مجمع بوشهر تحديداً.
وطبقاً لمقارنة المعطيات، ليس هناك من شك في قدرة إسرائيل، على تفادي وسائل الدفاع الجوي الإيرانية من منظومات الصواريخ والمدفعية، من خلال توجيه تشويش جارف، فضلا عن تحييد المراصد البصرية ليلاً، ما يجعل مهمة الوصول الى الهدف ممكنة بأقل الكلف. كما أن توفر أعداد كبيرة من الطائرات الحديثة يساعد على مهاجمة عدة أهداف في آن واحد.
والمناورة الجوية الإسرائيلية التي نفذت فوق البحر المتوسط بنحو (110) طائرات تعكس حسابات عدد الاهداف المحتملة بـ(4-6).
أغلب الظن أن المسؤولين الإيرانيين يعولون كثيراً على منع الأميركان الإسرائيليين من تنفيذ ما يصرحون به بين فترة وأخرى. ترى هل تقدر أميركا على ذلك؟ ما قاله الرئيس الفرنسي ساركوزي كان نصيحة علنية للمسؤولين الإيرانيين، ودليلا على قناعة بعدم القدرة على ضبط أعصاب إسرائيل، إذا ما واصلت إيران سياسة التحدي، وربما يكون حرباً نفسية كما فسرته إيران.
يبقى رد الفعل الإيراني تجاه إسرائيل، فمن الجنون أن ترد إيران بضربات غير تقليدية من أي شكل، لأنها ستسبب في اتخاذ القادة الإسرائيليين قراراً برد نووي، وقرار كهذا ربما يتخذ إذا ما كبدت صواريخ شهاب إسرائيل خسائر خطيرة، ولا شيء غير هذه الصواريخ يحسب له حساب جدي، وعندئذ يقع دمار هائل في إيران ولن تبقى إيران دولة موحدة بحجمها القائم.
يحصل أم لا يحصل، الاحتمالات قائمة، وعملية على غرار ضربة إسرائيلية لن تترك دلائل مسبقة، لأنها تعتمد المباغتة كأحد أهم عناصر النجاح.
الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى