صفحات ثقافية

نبرات جديدة في الرواية السورية: التجريب بعيداً عن الإيديولوجيا

null
حسين بن حمزة
قبل أشهر، أصدرت «دار الآداب» ثلاث روايات سورية: «سارة وزهور وناريمان» لخليل صويلح، و«رائحة القرفة» لسمر يزبك و«كرسي» لديمة ونوس، واليوم، نتلقى من «دار الريس» أربع روايات سورية أخرى: «حراس الهواء» لروزا ياسين حسن، و«قصقص ورق» لعبير إسبر، و«تراتيل العدم» لمها حسن، و«سقط الأزرق من السماء» لمنذر بدر حلوم.
ليست كثرة هذه الروايات وتزامنها الكثيف في الصدور ما يلفت الانتباه فقط، بل أسماء مؤلفيها المنتمين إلى ما بات يُسمّى جيلاً جديداً أو نبرات جديدة في الرواية السورية. أغلب الروائيين السوريين الجدد متفقون على أنّ الرواية السورية كانت، لعقود، مرتهنة إلى «واقعية» شبه موحّدة ونفوذ إيديولوجي صارم ــــ يساري وضيّق غالباً ــــ يسبق كتابة الروايات ويفسد لذة السرد وحريته لمصلحة معتقدات الروائي وآرائه وميوله السياسية والإنسانية. التجريب كان قليلاً، وخصوصاً على صعيد اللغة والبنية السردية. هذا لا يعني أن الرواية السورية لم تقدم أعمالاً وأسماء حققت حضوراً في سوريا وخارجها، لكن ظل فيها شيء أو صفة يمكن أن نسميها الصفة «السورية». القصد هنا يتعلق بالتجهُّم أو الجديّة الفكرية والسياسية والحزبية الزائدة التي وسمت أغلب التجارب على حساب السعي الفردي الحر والحقيقي إلى كتابة منفلتة من أي شروط واقعية وسياسية ونصية مسبقة. لنتذكر هنا مثلاً المجزرة التي تعرّض لها الأدب السوري، وضمنها الرواية، في كتاب شهير صدر نهاية السبعينيات بعنوان «الأدب والأيديولوجيا في سوريا» لنبيل سليمان وبوعلي ياسين. استخدم المؤلفان قراءة متعسفة لمحاكمة الكتاب السوريين وفق انتماءاتهم الفكرية. ولنتذكر أيضاً أنّ عدداً من الأسماء السورية المشاركة في ملتقى الرواية العربية الذي انعقد في دمشق اتُّهموا بالجهل والغطرسة من نبيل سليمان وفيصل دراج اللذين مثّلا الحرس الروائي القديم خير تمثيل.
تصورٌ عاجل ومختزل كهذا عن حال الرواية السورية لا يبدو دقيقاً ومنصفاً بما يكفي طبعاً، ولكن لا أحد، وخصوصاً من كتّاب الأجيال اللاحقة والراهنة، يمكنه إنكار المكونات الجوهرية لهذا التصور، بل دور ذلك في تهميش وتأخير ظهور روايات تحاول أن تشقّ دروباً جانبية وغير معبَّدة بالأفكار السابقة، تلك الأفكار التي سادت، ولا يزال كتّاب الماضي ونقاده يدافعون عن مواقعها جهاراً ومواربةً.
نعود لنقول إن ثمة إشارات ودلالات عديدة في صدور هذا العدد المتعاظم والنوعي من الروايات الجديدة في سوريا. لعل من السابق لأوانه الحكم على كل تجربة، ولكن ما يحدث بات أشبه بموجة روائية يمكن التعويل عليها للحديث عن «رواية جديدة» أو «مختلفة» في سوريا. ليس الهدف الوصول بسرعة إلى مصطلح مريح ومطمئن، إلا أن قرع أصحاب تلك الروايات على باب المغامرة والاختلاف بات أمراً يصعب تجاهله. ولعل تبني دور نشر لبنانية مرموقة كـ«الآداب» و«الريس» لأعمال هؤلاء، إشارة إيجابية قوية في هذا السياق. والأرجح أنّ هذا يمنح الروائيين السوريين جرعة معنوية هائلة. إذْ لطالما وثِق هؤلاء، كغيرهم من الكتّاب العرب، بالناشر البيروتي والفضاء الثقافي اللبناني. وفي ظل تذمُّر الروائيين الجدد أنفسهم من قلة اهتمام الصحافة الرسمية السورية بهم، فإن صدور أعمالهم في بيروت يُكسِبُ تذمُّرهم شهادة دامغة في «حسن السلوك الروائي». علينا أن نضيف هنا أن هذه «الشهادة» تحظى بعناية القارئ السوري وثقته أيضاً… إلى حد يمكن تشبيه عملية النشر في بيروت بـ«حصان طروادة روائي» يقتحم بها الروائي السوري الجديد المشهد الروائي في بلده الأم بروايات ممهورة بختم ناشر لبناني. وبالمعنى نفسه، يمكن الحديث عن دلالة وجود روايتين من أعمال الجيل الجديد هما: «مديح الكراهية» لخالد خليفة، و«المترجم الخائن» لفواز حداد في القائمة القصيرة لجائزة «بوكر» العربية في عاميها الأولين. لا نريد هنا أن ننحاز أوتوماتيكياً إلى الجديد على حساب القديم. إنها مجرد إشارة إلى ازدهار ما تعيشه الرواية في سوريا، ولا بدّ من الإقرار بذلك والترحيب به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى