صفحات العالمفايز سارة

حمامات الدم في العالم الإسلامي: الراهن والمستقبل

فايز سارة *
مما لا شك فيه ان حمامات الدم في العالم الإسلامي تجسد في عنفها أشكالاً مدمرة وشديدة الفظاعة. ففي أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، تتوالى الصراعات الدموية، والتي يسقط خلالها وبسببها يومياً مئات القتلى والجرحى والمعوقين، ويغادر بنتيجتها آلاف من الناس بيوتهم وقراهم ومدنهم نحو مناطق أخرى، ويخسر آلاف الناس أموالهم وممتلكاتهم وأعمالهم كلياً او بصورة جزئية، وكلها تطورات تترك بصماتها الثقيلة والمدمرة في حياة كثير من سكان العالم الاسلامي وبينهم من لم يكونوا في القائمة المباشرة من ضحايا حمامات الدم.
ان بلداناً مثل باكستان وافغانستان في الشرق والعراق وفلسطين واليمن في وسط العالم الإسلامي، وأخرى في الغرب الإسلامي مثل موريتانيا والنيجر، تجتاحها حمامات الدم، كل وفق خصوصيات محددة، لا تلبث ان تتوحد في نتائجها المدمرة بما يصيب الناس من اضرار في انفسهم وممتلكاتهم.
وتتنوع مسارات حمامات الدم في باكستان، وفي واحد من المسارات، تحصل الصدامات بين قوات الحكومة وبعض الباكستانيين من مناطق القبائل، والحجة الأساسية في هجمات القوات الحكومية هو إخضاع سكان تلك المناطق المتّهمين بالتعاون مع جماعات التطرف الديني لسلطة الدولة.
والمسار الثاني في حمامات الدم، يظهر في ما تشنه جماعات التطرف الديني، لا سيما طالبان باكستان من عمليات تشمل تفجيرات وهجمات واغتيالات، يتم تنفيذها ضد قوات ومقرات وشخصيات حكومية، وقد أصابت في الوقت ذاته باكستانيين آخرين، لم يكونوا في اهداف العمليات الارهابية. وثمة مسار ثالث، أكدته أخيراً عمليات انتقامية متبادلة بين طالبان باكستان والجماعات القبلية في شمال غرب الباكستان، وقد سقط في اعتداءين استهدفا مسجدين في يوم واحد أكثر من مئة وستين شخصاً بين قتيل وجريح.
وتتقارب مسارات حمامات الدم في افغانستان مع مثيلاتها الباكستانية. حيث عمليات متبادلة بين عناصر طالبان الأفغانية وقوات التحالف الدولي «ايساف»، تتوازى معها عمليات مماثلة بين قوات حكومة الرئيس حميد كرزاي وطالبان. وثمة مسار ثالث ناتج عن صدامات وعمليات ارهابية
متبادلة بين طالبان وخصومها من خارج قوات التحالف وقوات الحكومة وبطبيعة الحال، فالعمليات العسكرية والأنشطة الارهابية، توقع كثيراً من الأضرار البشرية والمادية، وقد صارت تلك الأضرار ملامح بارزة في حياة افغانستان وشعبها، حيث الدمار في كل مكان تقريباً والنساء ثكالى، والاطفال ايتام ومشردون، وكثير من الرجال عاجزين ومصابين بعاهات دائمة.
وتبدو حمامات الدم العراقية في وسط العالم الاسلامي الأكثر وحشية وفظاعة على رغم الإعلان عن انسحاب القوات الاميركية من العراق، البلد الذي عانى من حرب دولية عليه في 2003، ادت الى احتلاله وتدمير بنيته في المجالات كافة، لا سيما بناه السياسية والاقتصادية والعسكرية اضافة الى ايقاع مئات آلاف الضحايا من سكانه بين قتيل وجريح ومشرد، وذلك عبر عمليات قامت بها قوات الاحتلال، وصنائعها المحلية، قبل ان تنضم الى ادوات القتل والدمار المليشيات الحزبية والجماعات الارهابية، والتي اتخذت واجهات دينية، وجعلت بين اهدافها مساجد وحسينيات من أهم المعالم الاسلامية في العالم، ثم اضافت اليها كنائس المسيحيين العراقيين، كما حدث في عملية «سيدة النجاة» ببغداد، التي قتل فيها وجرح عشرات من المصلين.
وقد وثقت فضيحة وثائق «ويكيليكس» أخيراً كثيراً من حقائق حمامات الدم في العراق ما بين 2003 و2009 عبر نحو نصف مليون وثيقة.
وانفردت الحالة العراقية، بأن دفعت البلاد في احد مساراتها للدخول في حرب اهلية غير معلنة مرات عدة من خلال تغذية الصراع السني – الشيعي، قبل الدفع نحو صراعات داخل كل واحدة من الطائفتين الاسلاميتين، وامتداداً نحو تصعيد الصراع الاسلامي – المسيحي، مضافاً الى ما سبق واقع التوترات القومية بين العرب والأكراد والتركمان على نحو ما هو عليه الحال في مدينة كركوك شمال غرب العراق، والتي باتت مدينة مقيمة على برميل من البارود قابل للانفجار في اية لحظة.
واذا كانت حمامات الدم في الغرب الإسلامي أقل انتشاراً مما هي عليه في الوسط والشرق، فإن لذلك أسباباً منها ان حمامات الدم استهلكت قدرات بلد مثل الجزائر بعد عقدين من الصراعات بين السلطة والجماعات الاسلامية من جهة، ومثلها الصراعات العنيفة بين الجماعات الاسلامية وداخلها من جهة ثانية، وهو ما تسبب في دمار فاق ما دفعته بلاد المليون شهيد من خسائر بشرية ومادية من اجل نيل استقلالها.
والسبب الثاني لمحدودية حمامات الدم في الغرب الإسلامي، جدة انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة هناك، لا سيما في موريتانيا والنيجر اللذين مدت خلايا القاعدة في المغرب الاسلامي اليهما وجودها وعملياتها أخيراً في عملية توسع وانتشار الى مناطق لم تكن في عداد ميادين نشاطات القاعدة.
ان المؤشرات تؤكد أن غالبية دول العالم الإسلامي تسير نحو الكارثة التي لا تلحق افدح الاضرار بمواطني تلك الدول وممتلكاتهم ومستقبلهم فحسب، وانما قد تؤدي الى تغييرات في خرائط وكيانات تلك الدول، ما لم تتكثف جهود اسلامية ودولية لوقف الترديات الجارية، والبدء في ترميم اوضاع تلك الدول، وتصحيح بناها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، اضافة الى وقف التدخلات السلبية في بنى وسياسات تلك الدول.

* كاتب سوري
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى