زين الشاميصفحات سوريةما يحدث في لبنان

المشكلة في المحكمة الدولية أم في الجريمة؟

null
زين الشامي
يوماً بعد آخر، يحتدم الجدل الداخلي في لبنان بين حلفاء سورية وإيران من جهة وبين خصومهم حول المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كذلك عبرّ مسؤولون وقادة سوريون عن رأيهم في أكثر من مرة ومناسبة مطالبين بضرورة الغائها بحجة أنها مسيسة وخاضعة لإرداة الدول الكبرى ولن تجلب معها سوى الفتنة إلى لبنان وربما تقود إلى حرب أهلية.
نبرة المطالبة بإلغاء المحكمة ترتفع يوماً بعد آخر، وبدأت المطالب ترتفع في وجه رئيس الحكومة سعد الحريري بضرورة التخلي عن هذه المحكمة واتخاذ «قرار تاريخي ووطني شجاع» درءا للفتنة والحرب الأهلية المحتملة في حال صدر القرار الظني محملاً المسؤولية لعناصر من «حزب الله» بارتكاب الجريمة.
مع هذه الحملة المستعرة ضد المحكمة الدولية وضد سعد الحريري، ومع التوتر النفسي وانتشار القلق والخوف في لبنان، الذي اقترن مع نشر وتسريب روايات عن خطط عسكرية للسيطرة على بيروت ولبنان ينفذها «حزب الله» بمؤازرة من حلفائه في «الحزب القومي السوري» وغيره، بدت المشكلة كما لو أنها في المحكمة الدولية وما سيصدر عنها وليس في جريمة اغتيال رفيق الحريري نفسها، بحيث بدا كما لو أن لبنان قبل القرار الظني المرتقب من المحكمة كان يعيش في نعيم من الاستقرار السياسي والأمني!
الكل يدرك ان هذا المنطق الذي يشكك بالمحكمة الدولية وما سيصدر عنها، يخفي وراءه قلقاً كبيراً وخوفاً من تحديد الأسماء التي اضطلعت بتنفيذ الجريمة ومن كان يقف وراءها من قادة ودول وأحزاب، هذه هي الحقيقة التي تقف وراء هذا المنطق وليس شيئا غيره. أي التخويف والتلويح إلى اللبنانيين أنهم سيدخلون في حرب أهلية كبيرة ستأتي على كل شيء بحيث تنهار الحكومة والنظام السياسي وربما يتبع ذلك حرباً إقليمية كبرى قد تتحول إلى حرب دولية. وقد مثّل كلام النائب سليمان فرنجية الحليف المقرب إلى دمشق، في حوار تلفزيوني منذ أيام، الموقف الأكثر صراحة في الدعوة إلى إلغاء المحكمة الدولية، بقوله ان صدور القرار الظني سيقود إلى حرب سنّية ـ شيعية. وعزا السبب إلى إرادة دولية ستصدر قراراً بإشعال حرب في لبنان، سعياً إلى توجيه ضربة أخرى إلى سلاح «حزب الله» بعد حرب عام 2006.
فرنجية رسم صورة قاتمة واقترح مخرجاً يقوم على المقايضة بين الفتنة مقابل الاستقرار.
إنه المنطق ذاته، منطق التخويف، الذي بدأ قبل خمسة أعوام مع محاولة اغتيال النائب مروان حمادة ثم استكمل لاحقاً باغتيال رفيق الحريري وجبران تويني وسمير قصير وجورج حاوي ووليد عيدو وبيار الجميل، وغيرهم من الساسة والنشطاء اللبنانيين خصوم سورية وإيران و«حزب الله».
حسناً، لنفترض أن أصحاب منطق الغاء المحكمة كان لهم ما أرادوا، فمن يضمن أن يتوقف القتل في لبنان، ومن يضمن أن ينعم لبنان بنعيم الاستقرار السياسي والأمني، ومن يضمن عدم وقوع حرب إقليمية مجدداً واستخدامه كساحة حرب بين القوى الإقليمية والدولية، ومن يضمن أن خوف وقلق اللبنانيين سينتهي بعد ذلك، وأيضاً، ماذا سيقول أصحاب هذا المنطق عن الجريمة ومن سيتحمل مسؤوليتها، أم أن مصيرها يجب ان يلحق بمصير كل الجرائم التي ارتكبت في لبنان سابقاً، وتقيد «ضد مجهول»؟
وطالما أن أصحاب هذا المنطق ينتظرون الكلمة السحرية والموقف التاريخي من سعد الحريري، فلا بد من القول ان هذا الرجل لا يسعه تقديم ما لا يملك أن يقدمه. والمقصود أنه لا يقدر على إلغاء محكمة دولية هي في عهدة مجلس الأمن، لا بل انه لم يعط أي ايحاء أنه يفكر في ذلك أو أنه بوارد التنازل عن كشف قتلة والده والاقتصاص منهم، وتحقيق العدالة.
ان أصحاب المنطق الذي يطالب بإلغاء المحكمة، يخافون من العدل، ويخافون من الحقيقة، لأن ذلك سيكشفهم على حقيقتهم، لذلك نراهم يهددون ويحذرون ويتحدثون عن الفتنة والحرب الأهلية والحرب الإقليمية.
المشكلة عبر التاريخ البشري لم تكن يوماً بالقضاء، القضاء وجد دائماً ليحد من القتل والجريمة، ومن يخاف من القضاء كانوا دائماً اللصوص والمجرمين والخارجين عن القانون.
كاتب سوري
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى