صفحات سوريةغسان المفلح

خواطر حول نهضة يسارية

null
غسان المفلح
بات الآن واضحا أننا كبقايا يسار بشكل عام فقدنا البوصلة في تحديد اتجاهات تجديد دمنا المعرفي والفكري بناء على ماركس وجدلياته المادية والتاريخية، ولازلنا في خضم سجال بعيد عن تناسب ما مع حركة المجتمع ومشكلاته، نحن نعطي رأيا بهذه المسألة أو تلك، ولكن هذه قضية مختلفة عن التركيز على الدعوة المنتشرة ‘نحو نهضة يسار عربي جديد’ واعطائها أولوية التفكير في حقل الاجتماع- السياسي.
نهضة يسارية، تيمنا بما يسمى بعصر النهضة العربية أوائل القرن العشرين التي انحسرت، كما يقول دارسوها أو معظمهم، تلك النهضة التي تمحورت، حول تبني مفكرين عرب لقيم الليبرالية الغربية، بما فيها تحرر المرأة، وحتى آليات الحكم. هذه القيم التي انشد إليها هؤلاء المفكرون رغم وجود الاستعمار الإنكليزي بينهم في مصر، والاحتلال العثماني في سورية ولبنان. في هذه الأجواء بحث المفكرون عن فكر خلاصي لمجتمعاتهم مما هي فيه. وما كان لهذا الأمر أن يتم لولا الهم السياسي بالدرجة الأولى، الذي كان يخيم على شيوخ النهضة، لا يمكن بالتالي للاجتماعي بكل مستوياته أن ينفصل عن السياسي. لا يمكن إيجاد حلول للاجتماعي فلسفية ومعرفية وأيديولوجية، من دون اختبارها في الحقل السياسي.
تجديد المعارف عادة يكون بالتواصل والتراكم، أو بالقطيعة أو بكلاهما معا، ومن دون الدخول الآن في تصنيف اليسار هذا، نريد الحديث عن الماركسية، تجديد الماركسية يكون بأدوات معرفية من خارج فضائها أم يكون بأدواتها المعرفية والأيديولوجية ذاتـــــها، ومن داخل فضاء عملها؟ الماركسية تقول بالدولة الطبقية، وعندما تطورت عند بعض الماركسيين، بدأت تنتج مفهوم الدولة الحيادية، ما نتج عن تنميات غرامشي، تأثرا بتجربة المجتمع المدني والدولة الديمقراطية، لماذا هذا الأمر حدث مع غرامشي، لأنه كان يعاني من ضغط الصعود الفاشي في إيطاليا.
انطونيوا غرامشي في ‘كراسات السجن’ في شباط/ فبراير 1929 التي فرغ منها عام 1935 والتي وصفها بأنها: ‘بؤرة حياتي الداخلية’ وقد توفي غرامشي سنة 1937 على أثر خروجه من السجن. الدرس المعرفي في تطعيم غرامشي للماركسية، كان من خارج فضائها الأيديولوجي آنذاك، ومشروطا ومشدودا لظرفه الاجتماعي السياسي في إيطاليا الموسولينية.
الانحياز للطبقات الأشد غبنا وفقرا، هذه تيمة اليسار الرئيسية والأساسية، لكن هنالك فارقا بين أن نكون منحازين، أو نكون عنصرا من هذه الطبقات، بشعورنا وبلا شعورنا، بعيشنا وآمالنا، بطريقة تفكيرنا. الانحياز هو انتقال من موقع إلى آخر، موقع له فضاؤه الخاص ‘فضاء المثقفين’ هذا الفضاء له شروطه وانحيازاته المتعددة أيضا، المثقفون- حتى وإن كانوا مثقفي يسار- ليسوا عمالا، ولن يكونوا.. الانحيازات متعددة لأن الشرائح الاجتماعية متعددة أيضا، وهمومها ومطالبها كذلك.
من يغبن هذه الشرائح والطبقات في مجتمعاتنا العربية؟
البرجوازية أم الأغنياء السلطات أم سارقو الأموال العامة؟
ما هي الدولة الموجودة عندنا، وما هي آليات عمل السلطات المرافقة لها؟ هل نحن بحاجة لدولة برجوازية عادية وتاريخية؟ أم بحاجة لدولة وفق تصورات ماركس؟ إذا عدنا لمفهوم الدولة الليبرالية المعاصرة يقولون عدتم لفكر العصور التنويرية، وهذا تراجع عن منطق التاريخ، من دون أن يقدموا لنا جوابا شافيا، عن تحقيق العدل ماركسيا، وأليست العودة لماركس هي عودة لنفس القرن التنويري، كم هو الزمن الذي يفصل هيغل عن ماركس؟!
””
هل مهمة اليسار العربي أو في أية دولة عربية لوحدها رسم معالم خروج العالم من الطبقية إلى العدل؟ متجاوزين كل الجامعات الغربية، ومراكز البحوث في بقية دول العالم المتقدم، مراكز بحوث يسارية وغير يسارية، ثم مطلوب منا كيسار سوري مثلا أن نرسم استراتيجية لتغيير العصر الإمبريالي برمته. هذه مانشيتات صحافية، لا يتجرأ أي باحث يساري أو غير يساري غربي على التنطح لمجرد الادعاء بها.
لا نجد شخصا ما يمكن أن يكون ضد العدل.. ولكن علينا أن نقول له أي عدل نريد ما هي صيغته التاريخية، وما هو تصورنا عن مجتمعنا الرسالي الذي ندعو إليه كيسار.. إن معارك اليوتوبيا وعلى أرضها، تهربا من الإجابة عن السؤال السوري.
””
نهج إصلاحي مع الوضع السياسي القائم، وعداء لما يسمى ثقافة المواطن باعتبارها ثقافة لا علمانية، ومن مخلفات القرون الوسطى، والدعوة لنهضة يسار جديد، لا أعرف كيف تستقيم هذه مع تلك؟
لينين لم يبدع لأنه جدد الماركسية معرفيا، ودفاتره الفلسفية ليست سوى خواطر لم يبق منها ما يفيد بالمعنى الفلسفي، لينين أبدع لأنه أجاب على السؤال الروسي؟ والسؤال الروسي هو الذي قام بتبيئة الماركسية روسيا، وليس الماركسية هي من قامت بهذه الرحلة المجدة والمجتهدة والمثابرة أيضا، حتى رده على طروحات كاوتسكي هو رد نابع من الشرط الروسي وليس من الشرط الألماني، رؤيته للمسألة القومية والشعوب المضطهدة، لم يكن هنا يتوخى التنظير عالميا بقدر ما كانت عينه على الشعوب من مختلف القوميات حول الامبراطورية الروسية وضمنها. هنا كانت عالمية لينين وتجديده. أما ما لحقت به من عالمية لاحقا.. فهي نتاج قرارات الكومنترن.. ليس إلا.
وبالمقابل من العوامل التي أبقت ماركس حيا هي دراسته لاقتصاد أصبح فيما بعد أكثر كونية وهو الاقتصاد الرأسمالي.
””
السؤال السوري الآن هو سؤال الديمقراطية، سواء عبر الوضع السياسي القائم، أو عبر التعبيرات السياسية والمدنية المعنية بالإجابة عن هذا السؤال، وأعتقد أن يسارا بلا هذا السؤال هو يسار لوضع سياسي قائم فقط، والوضع السياسي القائم، يستطيع في أي لحظة أن يصبح أكثر يسارية من هذا اليسار، فلا مشكلة لديه مع يساره هذا، فهو نظام اشتراكي، وعلماني أو نصف علماني كما يقال.
””
اليسار هو الذي يسعى للإجابة عن سؤال انخراط سورية في عالمية الرأسمالية كيف؟ وبأية وضعيات وممارسات؟ وبأية تراتبية؟ وما هي المصالح الطبقية والمتمظهرة طائفيا أو دينيا أو قوميا؟.
هل الاقتصاد السوري اقتصاد رأسمالي مستقل أم تابع؟ إذا كان تابعا كيف تبرز هذه التبعية؟ وهل تبعية الاقتصاد السوري، هي العامل وراء ما تراكم في محيط المدن السورية من عشوائيات فقر، لا يعلم بانتماءاتها الطبقية وغير الطبقية إلا الله والسلطة.
””
في أي ديكتاتورية مهما كانت تلوناتها وظروفها الإقليمية والدولية، يكون سؤال الديمقراطية بالمقدمة، وتتبعه بقية الأسئلة…
نحن يسار مفلس، ويمين ليبرالي بالمعنى التقليدي للعبارة غير موجود…وسورية بين فكي كماشة السلطة، داخليا من جهة، والسلطة وامتداداتها الإقليمية والدولية من الجهة الأخرى.
أما الحديث عن يسار عربي… فهذه قضية أصعب من مداركنا، لهذا لا نستطيع البحث فيها، وإعطاء دروس ليساريي الدول العربية الأخرى.
””
لا ينهض يسار في سورية، من دون سؤال الديمقراطية.
ليست أحكاما قطعية، ولكن الانحياز للعشوائيات يجب أن يمر عبر سؤال من ينهب فائض القيمة في سورية، وأين تصب في النهاية الدورة الاقتصادية؟ وكيف سيتوفر لهذه العشوائيات أن تطالب بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية؟ وممن؟
‘ كاتب سوري

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السيد غسان المفلح – أرجو أن يكون معلوماً لديك الحقيقية التالية وهي : إن اليسار بشكل عام شيوعي أو إشتراكي – هو آخر من يتكلم عن الديمقراطية – فنحن قرأنا عن ديمقراطية لينين وستالين – وكذلك ماوتسي تونغ وثورته الثقافية – والناصرية والبعثية في عالمنا العربي ولاننسى الحزب الإشتراكي وما فعله في اليمن الجنوبي لقد أحرقت مدينة عدن مابين علي ناصر محمد وعلي سالم البيض – اليسار العربي لايحق له الكلام عن الديمقراطية بتاتاً – كذلك أقول لك لامستقبل لليسار في عالمنا العربي بتاتاً ومن يعش يرى –

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى