برهان غليونصفحات سورية

برهان غليون :الشعوب المخنوقة لا تستطيع أن تطور معارضات قوية وفاعلة

null
أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السربون والمفكر السوري الدكتور برهان غليون.. أن مفهوم الوحدة العربية المستمد من الفلسفات القومية الكلاسيكية الرومانسية والسياسية قد يتغير إلى مفهوم إقليمي جيوسياسي براغماتيكي يبحث عن التعاون والتكامل حيث أمكنه ذلك. وقال صاحب كتاب «العرب وعالم ما بعد 11 سبتمبر»: إن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية كانت حربا ساخنة قبل سنوات قليلة أثناء إدارة بوش الابن، ولكن الحال تغير منذ أن تسلم أوباما الإدارة، فأصبحت هناك رغبة في إصلاح حال العلاقات مع البلاد العربية، ولكنه لا يستطيع تنفيذ ذلك لأن شرط الإصلاح هو إيجاد حل للغزوة الاستيطانية الإسرائيلية المستمرة.
«غليون» زار القاهرة أخيراً زيارة سريعة والتقته «الراي»، لكن ضيق الوقت حال دون إجراء الحوار، فكان البديل هو إجراؤه عبر البريد الإلكتروني، فكان لنا معه هذا الحوار:
• هل دخل مفهوم الوحدة العربية حيز الأسطورة؟
– لم يدخل مفهوم الوحدة حيز الأسطورة، والعكس صحيح، فأكثر العرب والأجانب يدركون أن مستقبل المنطقة التي نعيش فيها، عربا وغير عرب، مرتبط بالنجاح في تكوين كتلة إقليمية كبيرة قادرة على الرد الإيجابي على تحديات التقدم التقني والعلمي والصناعي الذي نعاني من نقصه في بلداننا معاناة أليمة، بيد أن منطق الوحدة لم يعد هو نفسه كما كان.
فقد انتقلنا اليوم من مفهوم قومي للوحدة مستمد من الفلسفات القومية الكلاسيكية الرومانسية والسياسية إلى مفهوم إقليمي جيوسياسي براجماتيكي يبحث عن التعاون والتكامل، حيث أمكنه ذلك، وهذا ما يحدث عبر خطوات متعددة هنا وهناك مثل اتفاقية التجارة العربية الكبرى أو سياسة المناطق الحرة التي توقعها بلدان المنطقة في ما بينها، والبحث عن التكامل في السياسات الاقتصادية.
وأخيرا، ماذا يبقى لسياسة الانغلاق الوطني أو القطري عندما تصبح الليبرالية والسوق العالمية هي الخيارات الرئيسية لجميع الأقطار. إن ما يحصل في ظل هذه السوق العالمية هو إعادة تجميع للعرب، ولكن تحت راية ولصالح الدول المركزية المسيطرة.
• ما هي الأسباب التي تقف حائلا أمام عمليات الإصلاح في الوطن العربي؟
– السبب الرئيسي هو غياب الإرادة السياسية، لا إصلاح من دون إرادة إصلاح لدى القوى والنخب المتحكمة بالسلطة وموارد البلاد، فإذا رفضت الإصلاح حفاظا على المصالح والتوازنات القائمة والامتيازات المكرسة، لن يكون هناك ببساطة إصلاح، وسيكون البديل هو الجمود وتفاقم التأخر، وهذا حالنا اليوم في معظم الأقطار.
• ظهرت في السنوات الأخيرة دول تسعى إلى لعب دور أكبر في المنطقة، كما زادت النزاعات القطرية والانقسامات.. ما رأيك في هذا المشهد الجديد؟
– جمود الأوضاع العربية وتأزمها وانقسام القيادات العربية وتنازعها داخل بلدانها وفي ما بينها يخلق فراغا كبيرا في المنطقة، ويشكل دعوة مباشرة للدول القوية إلى الانخراط في السياسات الإقليمية، والسعي إلى استثمار الفراغ الحاصل لتحسين دورها وزيادة مكاسبها الإقليمية والاقتصادية. وهذا ما يفسر صعود نجم تركيا الاقتصادي بعد صعود نجم إيران السياسي والاستراتيجي.
ومادام حال العرب على ما هو عليه سيزيد الضغط الخارجي علىهم ونزوع الدول الكبرى، الإقليمية والدولية، للتدخل في شؤونهم وإملاء أجندتها عليهم. وليس هذا بالتأكيد ما يساعد في تحسين شروط حياة الشعوب العربية المغلوب على أمرها.
• هل يمكن أن يعيد التاريخ نفسه ونرى من جديد وحدة كتلك التي رأيناها في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر؟
– على الأغلب نحن نتجه إلى المزيد من الانقسام في المدى المنظور، بانتظار أن تحصل تطورات دراماتيكية داخلية أو إقليمية تغير من المعطيات القائمة وتفتح سبل التغيير.
• قليلة هي الدول التي توجد بها معارضة حقيقية في الوطن العربي، كيف ترى أحوال المعارضة؟
– الشعوب المخنوقة والمحرومة من حرياتها الفكرية والسياسية وحتى الدينية لا تستطيع أن تطور معارضات قوية وفاعلة، فنمو المعارضة يحتاج إلى تواصل بين الأفراد وفسحة كبيرة من الحريات التي تسمح بتطوير النقاش والمناظرة الفكرية والسياسية، ودرجة من المنافسة النزيهة على مناصب المسؤولية تساعد على نشوء قيادات محلية ووطنية واعية وفاعلة وعارفة لآليات عمل الدولة ومؤسساتها.
وهي شروط تكاد تكون غير موجودة في معظم الأقطار العربية، فالمعارضة لا تقوم في الفراغ، ولا تعرف النظم الشمولية أصلا معارضات، وإنما المعارضة جزء من النظم الديموقراطية ولا تنمو وتزدهر إلا في ظلها وبسببها.
• أصبح هناك شبه اتفاق على أن الديموقراطية لا تأتي من الغرب بالقوة أو بالبرامج الخارجية، ولا يبدو أنها قد تأتي من الداخل في ظل نظام شمولي.. من أين إذن قد تأتي الديموقراطية؟
– لا تأتي الديمقراطية من أحد سوى الشعوب ذاتها، وبمقدار ما تنجح هذه الشعوب في توحيد نفسها، وتجاوز تقاليدها ما قبل الوطنية، وتطوير وسائل وأساليب الكفاح المشترك من أجل الدفاع عن قيم العدالة والمساواة والحرية، وشعوبنا لاتزال مفرغة من الداخل من قوتها المادية والمعنوية.
أي من التنظيم والتأهيل والثقة بالذات والأمل بالمستقبل، وهي ليست مجتمعات مستسلمة، ولكنها تفتقر للقيادة الفكرية والسياسية التي تعرف كيف تعبئها وتوحدها وتنظمها من أجل أهداف إنسانية نبيلة ترقي بها وبتفكيرها وسلوكها.
• هل يمكننا وصف العلاقات «الأميركية ـ العربية» بأنها في حالة حرب باردة؟
– الآن لا، كانت في حرب ساخنة قبل سنوات قليلة، لكن منذ تسلم باراك أوباما السلطة هناك رغبة أميركية بإصلاح حال العلاقات مع البلاد العربية، إنما «العين بصيرة واليد قصيرة».
فشرط هذا الإصلاح الحتمي هو إيجاد حل للغزوة الاستيطانية الاسرائيلية المستمرة، بينما لايزال من غير المؤكد أن تنجح الإدارة الأميركية الجديدة في ضبط الحليف الإسرائيلي والتأثير الفعلي عليه.
• كيف تفسر انتشار فوبيا الإسلام في العالم؟
– هم بحاجة إلى فزاعة تبرر النفقات العسكرية واستمرار سياسات السيطرة والإمبريالية والحرب، وزادت هذه الحاجة مع الأزمة المالية والاقتصادية التي تفجرت منذ عامين، وأحدثت شروخا عميقة في نظم المجتمعات الصناعية، فصار من المطلوب إيجاد كبش فداء يبرر هذه الأزمة أو يغطي عليها، والإسلام هو المرشح الطبيعي للعب هذا الدور.
• إذاً كيف تنظر إلى أزمة النقاب في فرنسا؟
– هي مثال على ما ذكرت، فالمهاجرون المسلمون أو حُجبهم وبراقعهم تتيح للحكومة الفرنسية تحويلهم بسهولة إلى كبش فداء، تغطي بتوجيه الأنظار إليه على المصاعب الداخلية وتزيد في شحن العواطف القومية الغريزية.
• لماذا يخاف العرب من الآخر طوال الوقت؟
– لا أعتقد أن العرب يخافون من الآخر، أي آخر، ولكنهم يرهبون بالتأكيد آخر واحدا هو الغرب الاستعماري أو الجزء الاستعماري منه الذين عانوا على يديه ولا يزالون يعانون الأمرين، وهم ليسوا على خطأ في ذلك، ولو فعلوا العكس لكانوا سذجا وغير أهل للبقاء.
• هل ترى أن هناك أملا للحوار بين الآخر أخي الموجود إلى جواري، والآخر الموجود في أوروبا وأميركا؟
– هناك حوار، لكن ليس هناك تفاهم لأن المصالح متباينة واللغات متنافرة، الحوار سيستمر، مثل المفاوضات «الإسرائيلية ـ الفلسطينية»، والصراع أيضا.
• لماذا نرى ذلك العداء للمفكرين وأصحاب الآراء المختلفة في العالم العربي، والأمثلة كثيرة؟
– ليس هناك عداء ينمو من تلقاء نفسه، إن العداء للمثقفين سياسة تتبعها النظم القائمة لمنعهم من نشر أفكارهم والتواصل مع الرأي العام، وتشارك معها العديد من القوى الدينية المحافظة التي تري في التيارات العلمانية منافسا لها على احتلال موقع الهيمنة الفكرية ومن ثم السياسية في الأوساط الشعبية.
• هل ترى أن المثقف كي يقدم رؤية مغايرة، عن الخطاب السائد في وطنه يجب أن يغترب؟
– ليس بالضرورة، ولكن لا شك في أن الاغتراب يوفر مسافة سياسية ونفسية وفكرية تساعد على رؤية الأمور بصورة أكثر موضوعية وربما أكثر شمولية بمقدار ما تضعها في إطارها أو سياقها العالمي.
• هامش الحرية في الوطن العربي زاد خلال السنوات الأخيرة.. إلامَ يعزى هذا؟
– ليس هذا شعوري. بالعكس أعتقد أن النظم العربية قد استغلت ازمة السياسة الأميركية في المنطقة من أجل تشديد قبضتها على الشعوب وتقليص هامش الحريات والحقوق، ونحن اليوم أبعد مما كنا في نهاية القرن الماضي عن هم الإصلاح والتغيير وتوسيع هامش الحريات والحقوق السياسية والمدنية
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى