الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

يوم القدس… يوم طهران!

الياس حرفوش
أن يتحول «يوم القدس» في شوارع طهران الى مناسبة يلتف فيها النظام ضد مجموعة صغيرة من معارضيه في شوارع المدن الإيرانية، بدل أن يتجه اهتمامه الى الاحتفاء بالمناسبة التي أطلقها الامام الخميني لإبقاء المدينة المحتلة في الذاكرة وفي الاهتمام، لدليل على مدى الهاجس الذي باتت تشكله القوى المعارضة لهذا النظام، على رغم ادعائه أنه اجتاز امتحان الانتخابات الرئاسية الاخيرة بنجاح.
أفلت العقل من عقاله في طهران امس بمناسبة «يوم القدس». اعتداء على الرئيس السابق محمد خاتمي وإهانته بين انصاره. منع الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني من القاء خطبة الجمعة الاخيرة من رمضان كما اعتاد أن يفعل طوال السنوات الثلاثين الماضية، على رغم اعلانه ولاءه للمرشد وتبروءه من انتقادات المعارضين. طرد مير حسين موسوي ومهدي كروبي من بين المحتشدين للاحتفال بيوم القدس، بهدف اثبات سيطرة انصار احمدي نجاد على الشارع من دون سواهم.
لما حصل امس في ايران وجه آخر بالغ الاهمية. فرفع راية القدس، التي كانت تكفي وحدها لاحتشاد الجماهير الايرانية حولها، باعتبار ان الدفاع عن فلسطين هو من «الوظائف» الإساسية للثورة الايرانية، لم يعد يغري معظم الايرانيين بالصمت عن الوظائف الاخرى التي يطلبونها من هذا النظام، ومن بينها تحسين ظروف عيش المواطنين ورفع الضائقة الاقتصادية عنهم، والحؤول بينهم وبين عقوبات جديدة يُنتظر أن يفرضها الغرب عليهم.
هذا يعني أن الهاء الداخل بمشاكل الخارج لم يعد تلك العصا السحرية التي تدغدغ معظم الايرانيين وتدفعهم الى الالتفاف حولها. فرغم بضعة كوفيات فلسطينية شوهدت تزين الرؤوس في تظاهرات الامس، سُمعت كذلك شعارات تهتف: «لا غزة ولا لبنان. نريد ان نعيش في ايران». ولهذه الشعارات دلالة مهمة في هذا الوقت بالذات، حيث ترتفع المواجهة الايرانية الغربية الى مستوى عال، تحت ضغط المواعيد المحددة للاجتماعات المقبلة بين ايران ومجموعة الدول الست، وبعد اعلان ادارة اوباما عن تعديل نظام الحماية الاستراتيجية في اوروبا، الذي يعرف باسم الدرع الصاروخية، بحيث تكون هذه الحماية في وجه الخطر الايراني وليس ضد الاخطار الروسية المفترضة، كما كان يسود الاعتقاد سابقاً. كل هذا يجعل توجيه الاتهامات الى المعارضين بأنهم «ادوات للخارج» امراً سهلاً. اتهامات لم تشمل منافسي احمدي نجاد في الانتخابات، حتى الآن على الأقل، بعد أن حسم خامنئي الامر نافياً ان يكون هؤلاء من اتباع هذا الخارج، لكنها لم توفر المعارضين الآخرين الذين قال الرئيس الايراني بالامس ان اسرائيل هي التي حرضتهم ضده.
لا جديد في استخدام الخارج لإلهاء الداخل. والنظام الايراني اذ يفعل ذلك ينسخ تجارب بائسة لأنظمة عربية وجدت في الخارج (وفي اسرائيل بنوع خاص) خير معين في وجه مشاكلها الداخلية. بهذا يصبح الصمت الداخلي مطلوباً كي يتفرغ النظام لعدة الشغل الخارجية، التي لا تتعدى عادة رفع الشعارات وحشد التظاهرات، حيث تختلط الحملات على المعارضين بالدعوات الى اقتحام حدود اسرائيل وتحريرها، حيث ينجح النظام في الاولى ونادراً ما يحقق أي خطوة الى الامام في الثانية. لكنه يجب الاعتراف أن احمدي نجاد تفوق على الجميع. فشعارات «ازالة اسرائيل من الوجود» و»كذبة الهولوكوست» تثير السخرية في الخارج وتوفر وقوداً جديداً لحشد الاعداء ضد ايران، لكنها تشكل مصدراً عميقاً لقلق المعارضين. اذ كلما ارتفعت هذه اللهجة كلما زاد الحماس الرسمي لإلقاء هؤلاء في سلة التواطؤ مع الخارج (وإسرائيل تحديداً في هذه الحال). الامر الذي يتركهم امام احد خيارين: الاعتزال او السجون، وهو بالضبط الخيار الباقي امام موسوي وكروبي… وربما خاتمي كذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى