زين الشاميصفحات العالم

عن سلبية العربي في المجتمعات الغربية

زين الشامي
لم يكن لشخص مثل باراك أوباما، الذي يتحدر من بلد افريقي هو كينيا ومن أب مسلم، ان يصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأكبر والأقوى والأغنى في العالم، لولا أن الولايات المتحدة والشعب الأميركي لم يتجاوز العصر الذي كان فيه «الأبيض» يسيطر على كل شيء ويعتقد بتفوقه على بقية الأجناس والشعوب والأعراق. كذلك فإن أوباما لم يكن ليصبح رئيساً لولا قوانين الهجرة الأميركية التي تمنح الجنسية لكل من ولد على الأراضي الأميركية، ولكل من أقام خمسة أعوام من بعد حصوله على الكرت الاخضر أو «الكرين كارد».
الرئيس أوباما سيكون لا شيء لو أن والده حسين اوباما قرر السفر إلى أي دولة عربية غير الولايات المتحدة، ليس هذا فحسب، بل لو افترضنا أن حسين اوباما سافر إلى دولة عربية فإنه سيكون تحت رحمة الكفيل ولربما نظرنا إليه على أنه مجرد «عبد» افريقي. أليس الكثير منا ما زال يطلق هذه الصفة على الأفارقة لمجرد لون بشرتهم؟ نحن العرب، أو لنقل غالبيتنا العظمى ما زالت تحمل ثقافة ونظرة عنصرية ازاء الآخرين، فنسميهم ونطلق عليهم أوصافاً الغرض منها التقليل من شأنهم، مثلاً «عبيد أفارقة»، «خدم سيرلانكيين»… وغير ذلك، الميزة في الدول الغربية بشكل عام هي القدرة العجيبة على أن يتعلموا من سلبياتهم وأخطائهم في جو ونظام من الحرية السياسية والاجتماعية والشفافية والمقدرة على نقد الذات، إن ذلك يشكل أساس النظام التعليمي في المدارس والجامعات وفي كل المؤسسات بصفة عامة، حتى على مستوى الأسرة والعائلة الصغيرة. أما الثقافة العربية في المجمل، فهي بشكل عام ثقافة ماضوية سلفية تعيش في أفكار الماضي وتجارب السلف الذي رحل، أيضاً هي ثقافة تحاول فرض نفسها على الحاضر والمستقبل وتقوم بتخطيء الآخرين والاستخفاف بهم. لننظر مثلاً كيف أن الولايات المتحدة قد تجاوزت قوانينها العنصرية، التي كانت سائدة قبل الستينات من القرن الماضي، وخلال عقود قصيرة أنتجت وسمحت ثقافتها بوصول شخص أفريقي، «عبد» حسب ثقافتنا الماضوية، إلى سدة الرئاسة، اوباما بقدراته ومهاراته وعمليته وذكائه لا يمكن مقارنته بأي زعيم عربي رغم استمرار بعضهم في السلطة منذ عشرات الأعوام. لننظر في المهارات الخطابية وحدها عند اوباما ونقارنها بمهارات أحسن زعيم عربي، فسنجد أن لا مجال للمقارنة، لا بل ان هناك زعماء عرباً لا يعرفون كيف يخاطبون جمهورهم أبداً ويجعلوننا نشعر بالخجل احيانا حين يتحدثون على المنابر الدولية.
لكن لنعترف بالحقيقة، ان كل زعيم هو نتاج طبيعي لثقافة بيئته، الثقافة الأميركية سمحت لشاب افريقي مسلم مهاجر أن يتزوج من أميركية، وأتاحت لابنه الفرصة ليتقدم ويتميز في التعليم ويدخل أفضل الجامعات في العالم، ثم في العمل العام، ثم ليحصل على مقعد سيناتور عن ولاية إلينوي، ليخوض انتخابات حرة ويصبح رئيساً بعد ذلك. لكن هل يمكن للبيئة والثقافة العربية ان تسمح ببروز أي شاب مهما كان متفوقاً ونابغاً؟ للأسف لا تتوقف المسألة عند هذا البعد، ثمة سلبية حتى عند العرب الذين هاجروا من بلادهم إلى الدول الغربية بحثاً عن فرصة عمل أو أمل في حياة قائمة على العدل والمساواة، أو للعيش في مجتمع ديموقراطي يحترم الحريات التي افتقدوها في بلادهم. السلبية عند العرب المهاجرين تتبدى في بعض الممارسات الخاطئة ومخالفة القوانين وانتهاك النظام القائم مثل استغلال بعضهم لتلك الثقافة الغربية المتسامحة فى الحصول على قروض مالية من البنوك ثم الهرب بها إلى بلادهم الأصلية، انهم في ذلك يجسدون عقلية الغازي الذي يحلل كل شيء خلال غزوته للأعداء. أيضاً هناك من يدعي ويزعم الفقر للحصول على معونات مالية أو صحية من دون وجه حق في الوقت الذي يتحرج المواطن الفرنسي أو الانكليزي او الألماني أو الأميركي من طلب ذلك. هناك أيضاً من يلعب على وتر الظروف السياسية القاسية التي يعيش تحت وطأتها أهله وأقاربه من أجل تحقيق غايات خاصة. الغالبية من هؤلاء يمارسون الكذب مع كل أسف، فيما الغربي، يصدقهم ويساعدهم دون أدنى تشكيك لأن القاعدة في الثقافة الغربية تقوم على حسن النية وتصديق الآخر.
سلبية العرب تتجلى في نقدهم وشتمهم للبلاد التي يعيشون فيها بدلاً من حمد الله على النعمة التي جاءت بهم من بلادهم حيث استقبلتهم البلاد الغربية و«أطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف».
التقيت أكثر من مرة مع مواطنين عرب ينتمون لبلاد عربية تحصل فيها مجاعات بين الفينة والاخرى وشهدت مجازر وحروباً اهلية طائفية واثنية، حين التقيتهم كانت متعتهم الكبيرة في التسوق، لكنهم كانوا يشتمون على البلاد التي يعيشون فيها وعلى أهلها «الكفار».
السلبية تتجلى أحياناً في مواقف غريبة، كأن يرفض أحدهم تعلم اللغة التي يتكلم بها المجتمع الذي هاجر إليه، وينتقد أبناء ذلك المجتمع في ملبسهم ومأكلهم ويسخر حتى من مستوى نظافتهم، رغم أن العربي يستطيع أن يمارس إيمانه الديني ويلبس ما يشاء، بل انه يستطيع أن يشتري كنيسة ويحولها مسجداً في وقت تمنع قوانين الكثير من الدول العربية الغربي من ممارسة حقوقه الاجتماعية والدينية داخل البلدان العربية بحجة المحافظة على الثقافة والدين والأعراف والتقاليد.
لن نتحدث عن اولئك الذين قاموا بأعمال إرهابية ضد الغرب والمجتمعات التي «اطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف» فهذه قصة معروفة.
كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى