صفحات مختارة

استنفـار دينـي

ساطع نور الدين
كل الدلائل الآتية من الغرب والوقائع المسجلة في الشرق تشير الى ان صراع الحضارات – الاديان الذي اكتشفه الكاتب الاميركي صموئيل هنتنغتون في مطلع التسعينيات، لا يزال في بدايته، ولم تكن الحملات العسكرية والامنية التي شنت حتى الآن سوى مناورات استكشافية تشبه الاستعدادات للحرب الكبرى، حرب يوم القيامة التي يسير نحوها الغربيون وينشدها وينادي بها الاسلاميون.. برغم انهماكهم الحالي في الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، التي تبدو من علامات تلك الساعة ومقدماتها الضرورية.
في اميركا كما في اوروبا، كما في البقية الباقية من انحاء العالم التي لا تدين بالاسلام، ثمة تعبئة فكرية وثقافية وسياسية تشبه حالات الاستنفار التي سبقت الحروب الصليبية او الاستعمارية، تعيد تصنيف المسلمين على اختلافهم في مرتبة دنيا قريبة من الهمجية والبربرية، وتؤسس لموجة شعبية عميقة تتخطى كل ما شهده الغرب في اعقاب هجمات الحادي عشر من ايلول العام 2001، وكان مبنيا على موقف انفعالي يتوق الى الثأر اكثر مما كان مستندا الى تحول جوهري في الوعي الغربي ورغبته في الانفصال عن ذلك العالم الاسلامي المغلق والمجهول.
ليس عبثا ان يظهر في اميركا مثلا تيار عريض وواعد يقف الى يمين الحزب الجمهوري، هو تيار «حفل الشاي»، الذي يعتبر المسلم ـ اي مسلم ـ عدوا وينكر الفوارق بين المسلمين، معتدلين او متشددين، سنة او شيعة، ويكاد يتهم الادارة الديموقراطية للرئيس باراك اوباما بالخيانة العظمى في زمن الحرب على الاسلام. وليس صدفة ان تبرز في اوروبا الغربية احزاب وتيارات وقوى سياسية تتخطى مسألة الهجرة وازدياد عدد الجاليات المسلمة، كي تصوغ خطابا فكريا وسياسيا فاشيا يعتبر اطلاق النار على المساجد المبنية في مختلف المدن الاوروبية هواية مشروعة، ويرى ان استهداف المسلم في الشارع او حتى في البيت عملا وطنيا. وليس صعبا ان تنتقل روسيا او حتى الصين والهند من حالة الضيق من اقلياتها المسلمة الى حالة المواجهة معها.
قد تبدو هذه الصورة مفتعلة بعض الشيء، ومبنية على حساسية مفرطة، او قراءة متسرعة لاخبار العالم، لكن الظاهرة، وإن كانت محدودة حتى الآن، لا يمكن انكارها، ولا يصح التعامل معها باعتبارها وليدة المصادفات، او الاعتماد على حصانة الغرب وتفوقه الحضاري لدرء هذا الخطر الداهم، والحؤول دون انتشاره والسيطرة على مجتمعاته المتقدمة، قبل ان ينتقل الى تطوير تصعيد الصراع الذي بدأ في مطلع الالفية الحالية مع الاسلام والمسلمين، كما هو تقدير معظم المفكرين والكتاب الليبراليين الغربيين.
قد لا يصل الامر الى حد تجريد حملات عسكرية اضافية على العالم الاسلامي من قبل الغرب الذي لا يملك الافراد ولا الامكانات لاحياء تجارب استعمارية عفا عليها الزمن. لكن مجرد اعلان الاستنفار على هذا النحو، والتدخل بين الحين والآخر في بعض انحاء ذلك العالم، كفيل بان يجعل المعارك الدائرة حاليا تحت شعار صراع الحضارات – الاديان، مجرد تمارين تمهيدية… وكفيل ايضا بان يدفع المسلمين الى انتاج أسوأ الظواهر والقيادات التي قد يصبح معها اسامة بن لادن شخصا عاقلا ومعتدلا.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى