صفحات من مدونات سورية

أنا من سوريا

أنا من سوريا, تعبير بتُّ أستخدمه كثيراً هذه الأيام, لم أكن أستخدمه سابقاً, رغم سفري وتنقلي الدائم, إلا أني كنت دائماً ألتزم الصمت لأترك للمقابل أن يتكهّن من أين أنا, ومهما كانت الإجابة بالنسبة لي ستكون صحيحة, لأني لا أؤمن بالحدود الوضعية.. كنت دائمة التنقل بين البلدين الحبيبين جداً لبنان وسوريا, ترعرعت بهما ولهما من الفضل الكثير ومن الحب الأكثر الأكثر..عندما كنت أسافر خارج نطاق أرضيهما لم أُسأل عن هويتي بل أبرز جواز السفر وهذا يعتبر أكثر من كافي, فما الذي تغيّر? لم أعد أحتمل عبء شرح فكرة تسكنني ولا يفقهها العالم والمجتمع الدولي, بل لا يفقهها حتى أهل البلدين, خاصة بعد تراجع فكرة الإتحاد والعمل الدؤوب الخارجي والداخلي على فكرة الإنقسام ونموه بشكل رهيب, حتى بات أصحاب المحافظة الواحدة لا بل البلديات والأحياء يطالبون بالإستقلال, للأسف الإنقسام تحول من كتب الجغرافيا ليستقر في النفوس فأصبح وجدانياً عاطفياً, المضحك المبكي أن ما يحدث في أوروبا هو العكس!!كانت فكرة خاصة بي بأي حال وكنت دائما أسعى لأشرحها لأبناء البلدين وبإصرار, الآن لم أعد أخذ الأمور بحساسية كما كنت سابقاً , وأعلم بأنّ الوثيقة أهم من أي مبدأ وفكر وفلسفة في البلد الذي أعيش به الأن, لا مكان للعواطف والطبوباويّة اللتان أصبحتا نعتاً للإنتقاص والتهتك بالشخص الذي يمارسها, وكأن العاطفة عيباً رهيباً! ويجب أن نكون ألآت منظمة متفردّة أو قطيع! وهنا أتساءل لما لا أكون متفردّة ضمن قطيع, إن خالف أو أصاب أقول بحرية وبدون تكفير وهتك وعداء..
أنا من سوريا, وقفت وقلتها بكل ما أوتيت من قوة في حفلة نظمتها الأمنستي( مؤسسة حقوقية لها اختصاصات كثير منها الدفاع عن حقوق اللاجئيين) في السويد في مدينة فلين, صحيح أن الإنتخابات السويدية كشفت لي وللمرة الأولى حجم التخلف الموجود في سوريا, ذلك من خلال انتخاب السريان السوريين لحزب اليمين المتطرف فقط لعدائه للإسلام , بالرغم من عدائه أيضاً للاجئيين! أو عندما قالت بعضهن أنها انتخبت حزب اليمين الوسط فقط لأن حزب الإشتراكيين الديمقراطيين ممثل من قبل امرأة كم كنت أتمنى أن أقتلها! نعود للحفلة فممنوع التكلم بالسياسة, الحفلة كانت عبارة عن تجمع ثقافي من مختلف الدول الموجودة في هذه المدينة, يتم عرض الأزياء التقليدية والمأكولات والموسيقى الشهيرة بكل بلد لإزالة الجهل بالأخر الناتج عن البرباغندا السياسية من ناحية وعن بعد المسافة وإختلاف اللغة من ناحية أخرى. مُثّلت بلاد متنوعة في الحفل كان النصيب الأكبر للقارة الإفريقية متمثلة بالصومال أريتيريا والكانغو, أما البلاد العربية فكانت فلسطين واليمن سوريا ولبنان, وبالطبع كان السويد حاضراً بشكل جميل وفاتن ومتفوق على جميع البلدان ذلك للوعي بتفاصيل المُمَثل بالرغم من إمكانياته التقليدية المتواضعة..
لم أعِ في يومٍ من الأيام بأن المطبخ يمثل ثقافة, ففي المدرسة والمجتمع تعلّمت بأن الثقافة محصورة بالكتب, كما لم أعِ أن الملابس التقليدي ثقافة, فلقد نشأت بمنطقة جلّ همّها تقليد الغرب, الفاشن والصرعات هي الحضارة والثقافة بالرغم من غنى منطقتنا بالأزياء والألوان والمجوهرات التقليدية.. صحيح بأني على الصعيد الشخصي كنت شغفة بالملبوسات والمجوهرات التقليدية بكل أطيافها وأنواعها, وكنت أعشق أن ألقي بروحي في عوالم الأسواق العتيقة أشتم رائحتها, وأصغي بإهتمام إلى التزاوج الجميل والمغري بين الحذاء النسائي وحجارة الأرصفة المصطفة بتناسق وعراقة حقيقية. لطالما نسجت صورة لشهرزاة وزنوبيا بلقيس وأخريات. رائحة الحناء والصابون والصوف البهارات والعطور الشرقية, أشكال الباعة وفنون الإغراء الذي يتبعونها وحدها تحتاج لكتاب, كنت أتأمل وأركز بكل التفاصيل وكأني مسحورة, كنت أبدو كالبلهاء في كثير من الأحيان حتى يضيق البائعون مني ذرعاً , لكني كنت أستمتع بكل تفصيل وفعل وردّة فعل لأضعهم في صندوقي الوجداني..
اخترت عباءة سورية صناعة حلبية لألبسها, للأسف لم أنتبه لأهمية الألبسة التقليدية التي تمثلني إلا هنا, واخترت من المطبخ اللبناني بعض الأطعمة السهلة البسيطة والمعروفة, وأحسست بالرضى بذلك, صديقتاي البولندية والسويدية والقائمتان على الحفل طلبتا مني أن أكون المقدمة والمعّرفة عن الثقافات في الحفل, كنت خائفة ومترددة في البداية, إمكانياتي بسيطة والمطلوب كثير وكبير, لكن الحافز كان اعتزازي بانتمائي…
أنا من سوريا, هي جملة لم أعلم أني سأتلفظ بها بهذا الشكل, حرارة سرت بجسدي ودقات قلبي كنت أسمعها, استحضرت رائحة كل النساء اللواتي ألتقيتهنّ , رائحة كانت تثير بي تساؤلات كثيرة, مستغربة كيف تشبه رائحة النساء رائحة الأرض وتختلف باختلافها؟ أنا من سوريا جملة تعمّدت أن أنهي بها الحفل والتقديم وتنتهي بتصفيق وتقدير من حضور راقي أفتخر به..
http://zahralrman.wordpress.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى