صفحات من مدونات سورية

في اكبر هجرة تشهدها سورية منذ سايكس بيكو ..والحكومة تجمع البيانات

خالد يعقوب عويس – رويترز
أدى الجفاف خلال السنوات الخمس الماضية لنفوق 85 في المئة من الماشية في شرق سوريا حيث تعيش قبائل “عنيزة” منذ القدم، والتي قامت برعي الجمال في أراض تغطيها الرمال شمالي نهر الفرات منذ ظهور الإسلام ولكن نقص الماء جعل أسلوب حياتها ذكرى بعيدة.
وغادر ما يصل الى نصف مليون نسمة المنطقة في واحدة من اكبر موجات الهجرة الداخلية في سوريا منذ ان استقطعت فرنسا وبريطانيا الدولة من الامبراطورية العثمانية في عام 1920.
وساهمت الابار التي حفرت بطرق غير مشروعة لري محاصيل القمح والقطن المدعمة في تدمير مخزون المياه الجوفية. وتحولت المزارع التي تعتمد على الامطار الى ارض قاحلة ودمرت امراض مثل صدأ القمح المحاصيل هذا الموسم.
وخلال العقد الماضي اضحت الامطار أكثر ندرة وتوضح بيانات رسمية ان متوسط كمية الامطار المتساقطة نزل الى 152 ملليمترا من 163 ملليمترا في التسعينات و189 ملليمترا في الثمانينات. وتعرضت المنطقة لموجة حرارة غير مسبوقة هذا العام وتجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية لمدة 46 يوما على التوالي في يوليو تموز واغسطس اب.
واصبحت سوريا مستوردة للقمح مما قوض سياسة الدولة الرامية لتحقيق اكتفاء ذاتي من الغذاء.
وتتوقع نماذج المناخ ان تصبح المنطقة اكثر جفافا وتسودها درجات حرارة اعلى خلال القرن الحالي ويقول وزراء وسكان ان عوامل اخرى تسهم في تفاقم المشكلة.
وقالت وزيرة البيئة كوكب داية في مؤتمر للمياه في دمشق في الشهر الماضي ان التلوث لعب دورا في تدهور 59 في المئة من الاراضي الزراعية حيث استخدمت على نطاق واسع مياه صرف صحي غير معالجة في الري.
ويقول سكان ان الفساد وسوء الادارة هما السببان الرئيسيان للازمة ويشيرون لاراض تابعة للدولة وتدار بشكل سيء والى سياسات على غرار ما كان مطبقا في الاتحاد السوفيتي السابق الى جانب حفر قنوات ري تصل لاراض مملوكة لاشخاص ذوي نفوذ واسع في اراض اخصب في الغرب.
وقال احمد المهباش رئيس اتحاد الفلاحين الذي تدعمه الدولة بمحافظة الرقة “يبعد جب شعير ثلاثة كيلومترات فقط عن القناة ولكن انظر مدى جفاف الارض في القرية.”
واقامت الدولة شبكات ري في الشرق في السبيعنات وعززت الدعم المقدم لزراعة القمح والقطن مما اكسب حزب البعث الذي تولى السلطة منذ نحو 50 عاما تأييد القبائل.
لكن شبكة الري التي بناها السوفيت فشلت في ملاحقة النمو السكاني خلال العقود الثلاثة الماضية. وينمو تعداد سكان سوريا البالغ 20 مليون نسمة بمعدل 2.5 في المئة سنويا.
وتشهد مدينة الرقة عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الاسم والتي بناها الاسكندر الاكبر تراجعا مستمرا.
ويعطي سور المدينة المشيد على شكل حدوة فرس ومتحف داخل قصر يرجع لايام الانتداب الفرنسي لمحة عن المدينة الجميلة التي كانت في فترة ما الخط الامامي في المواجهة بين البيزنطيين والفرس وفي وقت لاحق اختارها الخليفة المنصور مؤسس بغداد والخلافة العباسية عاصمة ثانية بعد بغداد.
وخارج المدينة يوجد جب شعير وهو معقل قبلي حيث تحول لون مياه نهر الفرات الى اللون البني بسبب مياه الصرف واسودت قطع من الارض نتيجة الملوحة وتبدو كانها غمرت بالزيت. ودمرت دودة القطن محصول القطن.
وتنمو اشجار الزيتون والموالح متباعدة في اراض قاحلة حفر أصحابها ابارا بدون ترخيص.
ويلمح مسؤولون للحاجة لاصلاح نظام الدعم الزراعي الذي يحمله اقتصاديون مستقلون وخبراء مياه مسؤولية حالة الفوضى البيئية وتراجع موارد المياه.
وقال وزير الزراعة ان دعم الاسمدة الغي مما ساعد على تقليص الفساد.
وتفيد ارقام رسمية ان حصة الزراعة من الناتج المحلي الاجمالي انخفضت عشر نقاط مئوية الى 13 بالمئة في السنوات الخمس الماضية. ولا زالت الزراعة تستهلك ما بين 90 و95 في المئة من موارد المياه في سوريا.
وساعدت الروابط القبلية مع السعودية أبناء قبيلة عنيزة على التكيف مع الجفاف بصورة افضل من نظرائهم في الشرق والذين يعيشون الان في احياء فقيرة حول دمشق وحلب وحماة.
واغلب سكان جب شعير من النساء والاطفال لان الرجال اما في السعودية او يحاولون الوصول اليها بحثا عن فرص عمل بسيطة. ويستشري الفقر والجهل بينما الخدمات الحكومية ضعيفة او منعدمة.
وتربي مريم الفلج خمسة اطفال بمفردها بعد ان وجد زوجها فرصة عمل كراع في السعودية بعد ان نفقت ماشيته. وتقول “لم يحصل احد ابنائي على اي تطعيمات لان مسؤولي الصحة في الحكومة لم يعودوا يأتون الى هنا.”
وتتنامى التوترات الاجتماعية. ويجتمع افراد القبيلة كل يوم في منزل شيخها غازي المحيمس للتعبير عن معاناتهم.
أحد الرعاة يجني حوالي ستة الاف ليرة سورية (130 دولارا) شهريا ولديه زوجة ويعول ثلاثة اطفال.
ويقول المحيمس إنه “يحتاج الفي ليرة شهريا لشراء الخبز فقط . تصور حياة شاب كل تطلعاته ان يعمل من طلوع الفجر الى غروب الشمس الحارقة في السعودية. لو توافر الماء لبقي الرجال هنا يحرثون ارضهم.”
واسست الحكومة قسم “مكافحة الجفاف” ولكن رئيسه في محافظة الرقة صرح لرويترز بان مهمته الاساسية حتى الان جمع بيانات.
والمانحون الدوليون اكثر نشاطا.. فبرنامج الغذاء العالمي يساعد في اطعام 190 الفا بينما يحتاج 110 الاف اخرين لحصص غذائية. وتقدر الامم المتحدة ان 800 الف من سكان المنطقة الشرقية التي يقطنها خمسة ملايين نسمة يعيشون في فقر مدقع.
وأقر حكمت جولاق نائب رئيس اتحاد المهندسين الزراعيين في الرقة بأن خفض الدعم سيسهم في توفير قدر أكبر من المياه لكنه قال ان الامن القومي يتطلب ان تبقي سوريا على سياسة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الرئيسية.
وأضاف ان الحل يكمن في زيادة الاستثمارات وتنظيم شبكات الري واستخدام التكنولوجيا.
واضاف “استطاعت الصين تغطية جميع المناطق الصحراوية بنباتات للرعي طورت حديثا.”

http://aljazeeratragedy.blogspot.com/2010/12/blog-post_04.html

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى