صفحات العالمفايز سارة

كلفة الحرب والسلام في السودان

فايز سارة
أكدت دراسة اعدتها مجموعة من خبراء الاقتصاد الاوربيين والافارقة، ان نشوب حرب في السودان، ستكلف أكثر من مئة مليار دولار. وقالت الدراسة، ان تكلفة الحرب التي يمكن ان تمتد عشر سنوات بمستوى صراع متوسط، تشمل مقتل وإصابة وتشريد اعداد كبير من سكان البلاد وجوارها، كما تشمل خسائر تصيب السودان ناجمة عن العمليات العسكرية، وتوقف إنتاج النفط، وتقدر بأكثر من خمسين مليار دولار، فيما تخسر دول الجوار، وبينها اوغندا واثيوبيا وكينيا، بفعل تداعيات الحرب عليها، مبلغاً يقارب ثلاثين مليار دولار، وسوف يتكلف المجتمع الدولي ما يصل الى ثلاثين مليار دولار، تكلفة الاعمال الانسانية وقوات حفظ السلام، التي سيتم توفيرها.
وبطبيعة الحال، فإن احتمالات السلام في السودان، سوف توفر تلك الخسائر كلها، وسوف تزيد اليها في حال فرض السلام وتكريس العلاقات السلمية بين شمال وجنوب السودان، وتحسن الوضع الأمني في دارفور، ثمار معدل نمو لاقتصاد السودان يزيد عن ستة في المئة لخمس سنوات، ويصل إلى نسبة 9 في المئة عام 2016، إضافة الى ما يوفره السلام في شمال وجنوب السودان من فرص افضل لحياة السودانيين نتيجة زيادة معدلات النمو، وانتهاء معاناتهم من صراعات دارفور.
والمقارنة بين نتائح الحرب ومحصول السلام في السودان من شأنها دفع السودانيين لاختيار السلام، بل إن المقارنة من شأنها دفع جيران السودان والمجتمع الدولي للعمل على دفع الوضع في السودان نحو حلول سلمية وإحلال السلام في البلد المضطرب بدل الذهاب الى حرب بين شماله وجنوبه، واستمرار الصراعات في دارفور ومشاكل اخرى. غير ان الخيارات لن تكون ممكنة قبل إجراء الاستفتاء على مستقبل الجنوب الذي سيتم في التاسع من كانون الثاني المقبل، والذي ستكون نتائجه مناسبة لاعلان ولادة دولة جديدة في جنوب السودان تخرج من خاصرة الوطن الام.
لقد تجاذبت السودان في السنوات الاخيرة سياستان، واحدة تمثلها حكومة الخرطوم تجسد سياسة تقليدية المنطلقات والإجراءات، تسعى نحو استمرار سودان موحد ولو من خلال القوة، وأخرى مختلفة تعبر عنها الحركة الشعبية، تقود نحو انفصال الجنوب عن الشمال على اساس معارضتها للسياسة التقليدية باعتبارها عجزت عن معالجة مشاكل السودان بطرق جدية وجديدة، ولم تستطع المحافظة على وحدة البلاد. ورغم التنابذ الواضح حول مستقبل البلاد، الذي يمكن ان يقود الى حرب بين الشمال والجنوب، وصراعات مسلحة داخل كل جزء منهما، وإعادة هيكلة ديمغرافية وسياسية واقتصادية لعموم البلاد، فقد توالت المواقف من قادة الطرفين في الشمال والجنوب لتؤكد امتناع الجانبين وجيشيهما عن التوجه نحو الحرب والصراعات المسلحة، والاحتكام الى نتائج الاستفتاء طبقاً للاتفاقات الموقعة بين الطرفين في نيافاشا قبل خمس سنوات لوضع حد لحرب أهلية استمرت لأكثر من عقدين بين الشمال والجنوب.
غير انه لا يمكن الركون الى أي من الاقوال والتقديرات بصورة عملية، ليس فقط من باب التشكيك في صدقية المواقف المعلنة للقادة بشأن الامتناع عن الذهاب الى حرب بين الشمال والجنوب، او في استعداد أي من القادة لتغيير مواقفه وسياساته، بل لأن ثمة تدخلات محلية وإقليمية ودولية، يمكن ان تشعل نيران الحرب في السودان من اجل مصالح انانية ومحدودة لبعض الاطراف، وسيساعدها في ذلك جو من التوترات والهواجس القائمة، وفقدان الثقة المتبادل في مستوى النخب السياسية والفعاليات الاجتماعية في عموم السودان.
ومما لا شك فيه، ان السودان عشية الاستفتاء يقف على عتبة مفصل تاريخي، يتصل بمستقبله ومواطنيه. اذ هو بين خيار الانقسام الى دولة في الشمال وأخرى في الجنوب، بما يعنيه من انقسام يقوم على ارادة السودانيين الذين اتفقوا على الاستفتاء ونتائجه حلا لمشاكل واجهتهم لنحو ربع قرن من السنين، او الذهاب الى حرب مدمرة، لا تذهب بأرواح ومستقبل كثير من ابناء السودان في الشمال والجنوب، وتدمر قدراتهم المادية، وقد تتجاوز ذلك الى تقطيع اوصال السودان، واحتمالات تحويله الى صومال جديد، اضافة الى ما يمكن ان تلقيه الحرب من تبعات على جوار السودان والمجتمع الدولي من نتائج، تبدو الاطراف المختلفة أقل من تحتملها، وهي غير راغبة في ذلك بشكل مؤكد.
ومما لا شك فيه، ان تحديات سودان ما قبل الاستفتاء، تتطلب جهوداً سودانية وإقليمية ودولية جدية وفعالة من اجل منع الحرب هناك، ولجم اية محاولات لإشعالها، ودفع الطرفين الرئيسيين في البلاد للهدوء والقبول بنتائج الاستفتاء بصورة عملية، لأن انفصالا سلمياً للجنوب، وتوافقاً على تعاونه مع الشمال، افضل بكثير من انفصال يترافق مع حرب اهلية، او يكون ثمرة مرة لها، وهذا كله يعني اختباراً للجهود والنوايا العملية لتجنيب السودان والسودانيين والعالم كله المزيد من المعاناة في ظروف صعبة!
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى