صفحات سوريةغسان المفلح

السلطة فاعلة أم منفعلة؟.. عندما تصبح المعارضة وجها عابرا للأديان والقوميات

null
غسان المفلح
لازلنا في المقلب العربي من العالم، نتحاور على ما يمكن اعتباره شيئا من البداهات في المقلب الآخر، مليارات الدولارات تستثمر في الأسواق الغربية وغير الغربية، وهي بالضرورة مسروقة من أموال الناس في بلداننا، سواء بالحق الإلهي أو الملكي أو الأميري أو الحزبوي القائد، مع أن هنالك فروقات بين سارق وآخر، وبين ظرف كل بلد وآخر من بلداننا، مع ذلك هنالك مقدمة كبرى تحكمنا وهي أننا في صلب الحداثة، أو بشكل أدق في قلب الرأسمالية كنمط إنتاج وعلاقات تحتية وفوقية، ولازال هنالك من ينافح بأننا لازلنا خارج الحداثة ونعمها. هذا السؤال هل تطرحه نخب افريقيا المسيحية أو الوثنية أم المختلطة الأديان على نفسها؟ الحداثة هي من وجهة نظري بالنسبة للمواطن العادي:
أولا- ألا يخاف من الجوع أو المرض وألا يفكر بهما.
ثانيا- ألا يخاف من المستقبل على نفسه أو على أطفاله. هذه هواجس حسية لم تتحق بعد للمواطن العربي عموما، إلا اللهم في بعض دول النفط والغاز، قليلة السكان كثيرة المال. وهي تتحقق بوصفها هبة من الله عن طريق الوسيط الملكي أو الأميري، ودور الافتاء والمشايخ هناك يتمحور حول تسويق هذه الوساطة دينيا، مع أن أي دين لا يسوق لهذا، لهذا عندما نتحدث عن سلطة النص الديني، إنما نريد بذلك أن نتجنب الحديث عن سلطة النص السياسي المعاصر في بلداننا. والدليل أن هذا الدور يجمع بين شرعنة الملك وشرعنة الأمير وشرعنة القائد الثوري بنفس الحمية ونفس النصوص ونفس الآليات تقريبا، وبنفس الأمكنة حتى، مساجد.. كنائس.. احزاب ونقابات، مدارس وجامعات، ووسائل إعلام مرئي ومسموع ومقروء.
لو جمعنا صور الملوك والرؤساء والأمراء والقادة العرب الموزعة على مساحات الشوارع والمكاتب، وكم دقيقة نراها في وسائل إعلامنا وكم مرة نسمع أسماءها أو نقرأها في النهار الواحد، وحجم التوظيفات المستخدمة لهذا الغرض، لوجدنا أن هذا لوحده ثروة يمكن أن تحل بعضا من مشكلة الفقر في هذه البلدان.
هذه الآليات تختلف بين بلد وآخر تبعا لاختلاف شخوص السلطات واختلاف ظروف البلد، فبلد الطائفية فيه مصنوعة ثوريا غير البلد الذي الطائفية فيه مصنوعة سياسيا وفق قراءة خاصة للشرائع.
هذه الحال استمرت طويلا في بلداننا منذ أن قامت كدول معترف بها، وحتى نهايات القرن الماضي تقريبا، حيث بدأت بعض البلدان بالتخلص التدريجي من هذه اللحظة التأسيسية المارقة، وفعلا حدث في غالبية البلدان ما عدا من دستورها يعتمد على قائد ذي شرعية ثورية، او قائد مفدى الكتاب الديني دستور بلاده.
لهذا خرجت بعض البلدان كمصر بشكل نسبي من تحت هذه العباءة المهترئة.
في البداهة المعرفية لا يمكننا قول سلطة من دون متسلط عليهم. كما لا يمكن قول مجتمع من دون سلطة تجمعه.
يقال ان سلطة الدولة تقوم بهذه المهمة في العصر الراهن، لكن لا يقال بسلطة ثالثة تستولي على المجتمع والدولة وسلطتها معا. لهذا يسمونها أنظمة استثناء للعصر ومعطياته.
عنوان مقالنا هنا يتحدث عن سلطة الاستثناء هذه، هل هي فاعلة؟ وما درجة فعاليتها في المجتمع، كي ترسم أو رسمت حاضره وتريد دوما رسم مستقبله متمحورا حول وجودها وأشكال استمرار هذا الوجود الاستثنائي؟ حتى أنها تصور هذا المستقبل بوصفه مثاليا وكمنحة منها للناس وللمجتمع. لكن دوما هنالك ما يمنع هذا المستقبل المثالي من القدوم والاستقرار في بلدانها، وهو تآمرات قوى خارجية ومعارضات مرتهنة لقوى أخرى، او معارضات مواطنين متخلفين اجتماعيا وثقافيا ودينيا، فما ذنب هذه السلطة الاستثناء في مثل هذه الحالة؟
هي تعمل ليل نهار، وتسرق البلد صباح مساء، وتتحول الشوارع منارة للفقر وعدم النظافة وللمتسولين والسيارات الفارهة! وكل هذه مؤشرات لا تستخدم، عندما نريد نحن معشر المعارضين والمثقفين والكتاب أن نتحدث عن لاعلمانية بلداننا، لكننا نتجرأ ونقول بكل صلافة ان كمال أتاتورك بطل علماني لأنه فرض العلمانية فرضا على تركيا. بشكل نجد فيه أن السلطة المشخصنة هناك في تركيا، كانت فاعلا بالمطلق وغير منفعلة بالنسبي بالمجتمع التركي. فهي فرضت علمانية فرنسية شكلا ومضمونا، أما عندنا فالاستثناء لا يستطيع فرض العلمانية أو القوانين المدنية لأن المجتمع متخلف.. يكفي أن كمال أتاتورك امـــــتلك إرادة السلطة في تحويل المجتمع التركي حتى تحقق له ذلك، اما عندنا فالقرار هو تفقــــير المجتمع على كافة المستويات، وجعله بدون هذه السلطــــات المتمحورة حول القائد الرمز، ورقة في مهــــب التفكك والانهيار، فقط هي بذلك ترسم مستقبل مجتــــــمعاتنا بدونها، حتى أنها إن لم تورث هذه السلطة كما تورث قطعة أثاث، فإنها تتمنى أن يموت المجتمع بموتها.
تقترب السلطة من هذا الميزان منذ عقود، فهل تنفعل سلطاتنا هذه بالمجتمع؟ أم أنها تنفعل بما قامت به من فعل في هذا المجتمع؟
‘طيفت’ المجتمع والسلطة و’تطيف’ الدولة بأجهزتها ومحترفيها من البيروقراطيين، فكيف تتأثر هي بنتائج عملها، وكيف تتعامل معه؟ هل تبقى هي بمعزل عن التأثر بهذا التطييف؟ أم أنها تجد نفسها مضطرة للمزيد منه؟ التعبئة التطييفة وكأننا أمام تنظيم ولائي سياسي يعمل ليل نهار سرا وعلانية وبلا قوننة، فساد على كل المستويات، وتعبئة أمنية مخابراتية. هذه آليات فعل السلطة في المجتمع ومشروعها بالآن معا، وهنا تكمن استثنائيتها، وفيما بعد لتطلقوا عليها ما شئتم من مصطلحات لا يهم. هذه الاستثنائية تشمل كل قطاعات الحياة تقريبا، من الاقتصاد إلى السياسة مرورا بالثقافة. لهذا هي تشعر بنفسها غير معنية بأن تطلق عليها مفهوم ديكتاتورية، أو استبدادية أو سلطانية، هي غير معنية، لأن هذه المفاهيم المتعوب على اشتقاقها، تشعر هي بأنها لا تنطبق عليها، فلما تهتم. بعد هذا هل السلطة في بلدنا فاعلة أم منفعلة؟
* ربما ما لم ننتبه له، أن السلطة بعد أن حسمت تطييف المراكز الفعلية لصنع القرار، لجأت منذ زمن بعيد إلى تطييف باقي هيئة المديرين والتنفيذيين والمستشارين في كل أجهزة الدولة، حسب الإمكانيات العددية للانتشار المحسوس للتطييف والولاء، وهذه المسيرة المظفرة، أبعدت بالمقابل عن المعارضة الديمقراطية، ما يخرب هذه المسيرة، ويعطي المعارضة وجها عابرا للطوائف والأديان والقوميات، هذا الوجه يجب أن تسعى المعارضة الديمقراطية للحفاظ عليه، لأن السلطة باتت تجد من السهولة أن تفرط عقد هذا الوجه، تحت مسميات مختلفة.

‘ كاتب سوري
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى