ما يحدث في لبنان

اللجنة الوزارية العربية تسأل: «حزب الله – ستان»… أم لبنان؟!

null

سليم نصّار

سُئل مرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الطريقة التي يستخدمها للتغلب على خصومه السياسيين، فأجاب: بواسطة الجودو… المصارعة اليابانية!

ولما طلب الصحافي مزيداً من الايضاح، قال له بوتين: تعتمد رياضة الجودو تقنية دفاعية تختلف عن تقنية المصارعة العادية، أي أنها تستغل قوة الخصم واندفاعه المتهوِّر بحيث يفقد توازنه ويسقط على الأرض.

في وصف الأزمة اللبنانية الحالية، أشار بعض المحللين إلى أن السيد حسن نصرالله، استخدم تقنية الجودو السياسي، لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة، أي أنه وظّف القرار المتهور المتعلق بشبكة الاتصالات والعميد وفيق شقير لشن حملة إعلامية وأمنية بدأت بالتهديد في مؤتمره الصحافي، وانتهت بهجوم واسع قامت به فرقة «سرايا المقاومة» ضد جماعة سعد الحريري ووليد جنبلاط.

وقد تشكلت فرقة «سريا المقاومة» منذ سنتين تقريباً بهدف توفير أمن المقاومة الإسلامية داخل لبنان، في حين بقيت عناصر «حزب الله» مستنفرة في مواقعها على الحدود. ويقدر عدد أفراد «سرايا المقاومة» بستة آلاف مقاتل، بينما يتراوح عدد أفراد «حزب الله» بين عشرة آلاف والعشرين ألفاً ما عدا قوات الاحتياط.

في خطابه الناري اتهم السيد حسن نصرالله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالوقوف وراء اصدار القرار. وبحسب معلومات «حزب الله»، حاول فؤاد السنيورة وسعد الحريري تأجيل قضية شبكة الاتصالات وموضوع نقل العميد شقير من المطار. لكنّ اصرار جنبلاط وتهديده بسحب وزرائه من الحكومة، دفعا السنيورة إلى تبني القرار وارساله بصورة شكوى إلى مجلس الأمن. لهذا السبب طالب السيد نصرالله في كلمته بضرورة إلغاء القرارات غير الشرعية لـ «حكومة وليد جنبلاط» غير الشرعية. وكان بهذا التعريف يركز على ابراز دور جنبلاط المؤثر في قيادة سفينة الحكم وفي توجيه مسار الحكومة.

النعوت المسيئة التي أطلقها نصرالله على جنبلاط، كانت موضع تساؤل لدى القيادات الدرزية التي تعتبر وريث كمال جنبلاط «ابن عمود السماء». وهي تعتقد بأن حملاته المتواصلة ضد إيران و «حزب الله» وسورية، لا تبرر تصنيفه في قائمة «الكذابين واللصوص والقتلة». ويرى أنصار جنبلاط أن التهجم عليه في المؤتمر الصحافي، ومحاصرة منزله في كليمنصو، واستهداف القرى المؤيدة له في الجبل: كل هذه الخطوات كانت مبرمجة سلفاً من أجل ارغامه على مغادرة البلاد أو الاستسلام الكامل. وربما شعر بدنو أجله اثناء الحصار فارتضى بتسليم الأمر إلى خصمه السياسي الأمير طلال ارسلان. ويقال في هذا الشأن إن «حزب الله» كان يهيئ لاحلال الأسير الدرزي سمير قنطار محله، عقب الإفراج عنه من السجن الاسرائيلي. وعندما تحدث السيد نصرالله في مناسبة ذكرى عاشوراء عن وجود اشلاء لجنود اسرائيليين جمعت خلال حرب صيف 2006، انما كان يشير الى احتمال نجاح الوساطات الأوروبية بهذا الخصوص. وكان من المتوقع اطلاق سراح سمير قنطار واستقباله بحشود ضخمة في بلدته «عبية»، حيث ينادى به زعيماً وطنياً مقاوماً بديلاً من وليد جنبلاط.

في رأي الوزير مروان حمادة ان «حزب الله» سقط في فخ الذين صوروا له ان الدروز في جبل لبنان الجنوبي مستاؤون من موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ووزرائه. وبما ان الذي يسيطر على جبل لبنان تمكنه السيطرة على المتن والبقاع الغربي، لذلك توقعت قيادة «حزب الله» ان تؤدي مهاجمة معاقل الجنبلاطيين الى تأجيج الانتفاضة ضدهم. ومثل هذا التصور الخاطئ قاد الى تراجع المهاجمين أمام وحدة الجنبلاطيين والارسلانيين الذين تعاونوا على استبعاد ما وصفوه بـ «الخطر الخارجي». ونتج عن هذا التعاون الأمني الاجتماع الاستثنائي برئاسة شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن بحضور أكثر من ألفي شخصية دينية. وتنادى الكل الى العمل على وحدة الطائفة وتماسكها انطلاقاً من الايمان «بحفظ الاخوان» كعقيدة في كل زمان ومكان. والمعروف عن «بني معروف» أنهم وضعوا هذه الوصية في قائمة الوصايا السبع التي أطلقها زعيمهم الروحي حمزة بن علي (1020م). وأمام هذين الخيارين اكتشف طلال ارسلان انه من مصلحته تجيير التفويض الذي أولاه إياه وليد جنبلاط الى الجيش اللبناني.

الملاحظ خلال هذه الأزمة ان الجيش النظامي اللبناني تعرض ايضاً لحملة تشكيك في استقلاليته وحياده، بخلاف دوره في نهر البارد. لذلك اتهمته جماعة 14 آذار بمؤازرة أنصار «حزب الله» و «أمل» على تنفيذ اقتحام مراكز «تيار المستقبل» عن طريق المساعدة على إخلائها. وكان من الطبيعي ان يثير هذا التصرف استنكار نواب الأكثرية الذين اقلقهم وقوف الجيش في موقع المتفرج، خصوصاً بعدما أظهرت شبكات التلفزيون صور عناصر «حزب الله» و «أمل» في بيروت الغربية وهي تقتلع الاعلام اللبنانية وتثبت مكانها اعلام الحزبين. تماماً مثلما فعلت «حماس» في انقلاب غزة. وبسبب القلق الناتج عن سلوك مغاوير الجيش صدرت عن غالبية الوزراء والنواب صيحات تطالب بضرورة إحياء نظام الميليشيات المسلحة لأن الجيش في نظرهم منحاز لـ «حزب الله». واشيع في هذا الوقت ان عدداً من الضباط المسيحيين قرر الاستقالة من الجيش احتجاجاً على سياسة التبعية والانحياز. ودحضاً لهذه الاشاعات أصدرت مديرية التوجيه في اليرزة بياناً نفت فيه هذه المزاعم، مشددة على تماسك الجيش في أداء دوره الوطني.

يقول أحد كبار الضباط ان هناك انطباعاً خاطئاً لدى الرأي العام، بأن نسبة الشيعة داخل الجيش المؤلف من 60 ألف عنصر، هي الطاغية. وأكد أن هذه المغالطة تعود الى مرحلة بناء الجيش النظامي مطلع التسعينات عندما رفض المسيحيون الالتحاق بجيش يعتبرونه من صنع سورية. ومع تنامي دور «حزب الله» التحق عدد كبير من جنود الشيعة بصفوف الحزب، الأمر الذي سمح بازدياد نسبة عدد السنة.

وانتهى الضابط الكبير الى الاعتراف بأن قيادة الأركان منحازة سياسياً لـ «حزب الله». وهذا ما دفع العماد سليمان الى مصارحة ديفيد ولش بأنه في حال ظهور حكومتين، فإن الجيش يقف على الحياد. وهذا معناه أن وحدة الانضباط قد تفرط أمام أول امتحان، مثلما حدث خلال حرب 1975-1989.

في المؤتمر الصحافي الذي عقده السيد حسن نصرالله قبل الأحداث بيوم واحد، شدد على بعض نقاط الخلاف، فقال: هناك مشروعان يتصارعان، احدهما وطني مقاوم شريف… والآخر مشبوه وعميل.

وكان بهذا الوصف يكرر رسم الصورة السياسية التي فجرت ثورة 1958، يوم اصطدم مشروع حلف بغداد بمشروع جمال عبدالناصر. وانتهى الأمر بعد نزاع استمر أكثر من أربعة أشهر ومقتل 600 نسمة، بالاتفاق على انتخاب رئيس محايد من المؤسسة العسكرية تحت شعار: «لا غالب ولا مغلوب». ويبدو أن التاريخ في لبنان يعيد نفسه بواسطة أشخاص آخرين ودول اقليمية أخرى.

الصحف الأميركية استعجلت في رسم نتائج الاقتتال فكتبت جريدة «وول ستريت جورنال» بقلم برث ستيفنز تقول: «إن لبنان سيتحول الى «حزب الله – ستان» في حال استمرت سياسة بوش في مراعاة وضع سورية».

ورد بعض الصحف المصرية ليؤكد صورة التماثل بين ما قام به «حزب الله» في لبنان وما فعلته حركة «حماس» في غزة، معتبراً أن الفريقين يحظيان بدعم ايران ومساندة سورية، ولهذا أقدما على افتعال انقلاب عسكري بهدف الاستيلاء على السلطة.

ولكن السيد نصرالله رأى ان استخدام السلاح في بيروت والجبل كان بسبب الدفاع عن سلاح المقاومة في الجنوب. ورفض الاتهامات التي تزعم بأنه يريد السلطة، بينما هو يطلب الشراكة والحوار.

ومهما اختلفت الآراء في تفسير الهجوم المسلح على بيروت الغربية وجبل لبنان، فإن صورة الانقلاب العسكري تبقى هي الطاغية على عناوين الأحداث. ويرى دوري شمعون ان فشل خطة الاستيلاء على جبل لبنان، اضافة الى انتشار المظاهر المذهبية في طرابلس وعكار، فرض على «حزب الله» تجميد تقدمه باتجاه المتن وجبيل وبيروت الشرقية. وربما ساهمت التصاريح التي أدلى بها زعماء السنة مثل الدكتور سليم الحص والرئيس عمر كرامي، في تسريع التطورات المؤدية الى التهدئة، خصوصاً أن معارك الأيام الأربعة أثبتت أنه من الصعب احراز أي نصر لأي فريق، حتى لو سانده الأسطول السادس أو عبدالناصر… شارون أو أحمدي نجاد… المارينز أو سورية. والسبب للذين يجهلون التركيبة اللبنانية، أن التنوع المذهبي جرد الوطن الصغير من جهاز العصب المركزي، بحيث يصعب كسر عموده الفقري. والدليل أن انحلال الجيش في حرب 1975 خلق بدائل من الميليشيات… واقفال منطقة السوليدير بهدف ارغام تجار بيروت على زيادة الضغط على السنيورة، وخلق بدائل ازدهار في الحمرا والمنطقة الشرقية. وفي ضوء هذا الواقع، وصلت اللجنة الوزارية العربية إلى لبنان لتكتشف أن الأمر الواقع الذي حاول «حزب الله» تثبيته، لا يختلف عن الأمر الواقع الذي أفرزته حرب 1958 وحرب 1975. أي لا غالب ولا مغلوب.

يتذكر اللبنانيون صيف 1989 عندما وعدتهم اللجنة الوزارية العربية الثلاثية العليا بحلول مرضية لكل الأفرقاء. وكان مبعوث اللجنة في ذلك الحين الأخضر الإبراهيمي الممثل حالياً بأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى. وبدلاً من انتقاء ثلاثة وزراء فقط (المغرب والسعودية والجزائر)، فقد تم توسيع المهمة باختيار ثمانية. ويأمل المواطنون أن تأتي النتائج على مستوى التوقعات، خصوصاً أن رئيس اللجنة هو خريج كلية الشويفات، وأنه عايش أكبر أزمات لبنان في السبعينات ورأى الصواريخ وهي تتساقط على ملاعب كلية شارل سعد. ويبدو أن الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، لم يتذكر جيداً أسباب تلك الحرب، بدليل إعلانه في مؤتمر القاهرة بأن الأزمة اللبنانية هي شأن لبناني. ويقال في تفسير هذا الاستنتاج أنه يسعى إلى تحييد إيران وسورية عن ساحة النزاع بحيث يتسنى له استخدام «الدوحة» منبراً للمصالحة مثلما كانت الطائف سنة 1989.

ويتوقع اللبنانيون أيضا من الوزير العماني يوسف العلوي، دوراً في مستوى الدور الذي لعبه يوم كان سفيراً في لبنان. وهو يقرّ بأن بيروت كانت بالنسبة إلى مهمته أفضل جامعة ديبلوماسية تخرج منها. علماً بأن اقتراح الحل من حكومة تتمثل فيها المعارضة والموالاة بعشرة وعشرة وعشرة، تصعب ترجمته بأفضل من حل تقترحه جارة السلطنة إيران.

أما بالنسبة إلى الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، فهو يدرك أبعاد الأزمة اللبنانية وخطورتها، بالمقارنة مع الحلول التي تبتكرها البحرين في سبيل الحفاظ على التوازن القائم بين الحكم والمعارضة. في حين يعرف وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد كم هو صعب أن تكون جاراً لدولة تستبيح فضاءك البحري والجوي والبري.

وفي مطلق الأحوال، يبقى أن يأمل اللبنانيون بأن تكون أحداث الأيام الأربعة، درساً للذين لم يدرسوا تاريخ لبنان!

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة – 17/05/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى